مقالات مختارة

مشروع السلام الدافئ ووهم الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية – معين الطاهر

 

البحث عن خيارات وبدائل لإيجاد حلول مؤقتة، أو دائمة، للقضية الفلسطينية مسألة لا تنتهي، فما أن تنتهي مبادرةٌ حتى تبدأ أخرى، وإذا لفّ النسيان مشروع قرار أممي، أو شهدنا تراجع مرحلة أو نهايتها، أو حرباً أو انتفاضةً أو توتراً، فإنّ الزيارات المكوكية للمنطقة تتكثف، والأروقة الدولية تشهد استعداداتٍ محمومةً لمشاريع أو أنصاف حلول جديدة، ويهدف ذلك بشكل رئيس إلى التحكّم في إدارة الصراع، ووضع حدود له، ومنع انفجاره، والحيلولة دون امتداد نتائجه وآثاره إلى منطقة الشرق الأوسط برمتها، ويبدو هذا جلياً منذ نشوء القضية الفلسطينية إثر وعد بلفور (1917)، إذ لا تكاد تخلو سنة على امتداد هذا التاريخ الطويل من مبادرة أو اقتراح هنا، أو لجنة ومشروع قرار ومؤتمر هناك. وتزداد الأمور تعقيدًا، في ظل الظروف التي تجتاح الإقليم، والحروب الداخلية التي تشتعل فيه، وما يُشاع عن إعادة تقسيم المنطقة، ورسم حدود جديدة لها، ومحاولة إيجاد محاور جديدة يكون للعدو الصهيوني دور فيها، وهو ما أطلق عليه “السلام الدافئ” الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي أخيراً، ودعا فيه إلى سلام شامل في المنطقة كلها، وهو ما يستدعي مقاربةً جديدة للمسألة الفلسطينية، قد يكون تجدّد الحديث عن الكونفيدرالية الأردنية الفلسطينية أحد أشكالها المتاحة .

الخيار الأردني

ليس ما يُعرف بالخيار الأردني لحل القضية الفلسطينية جديدًا أو طارئًا، بل هو خيار رافق هذه المسألة منذ بداياتها، ذلك أنّ الحركة الصهيونية اعتبرت شرق الأردن الوطن المتاح للفلسطينيين، وتبنّت لجنة بيل البريطانية (يوليو/ تموز 1937) في أعقاب ثورة 1936 مفهوماً قريبًا من هذه الرؤية الصهيونية، حين أوصت بتقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام: دولة يهودية، منطقة انتداب بريطاني على الأماكن المقدسة، ومنطقة عربية تُضم إلى شرق الأردن.

بعد حرب 1948، وفي اليوم الذي عُقد فيه المؤتمر الوطني في غزة، لمنح الشرعية الشعبية لحكومة عموم فلسطين التي شُكلت برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي (1/ 11/ 1948)، عُقد في عمّان مؤتمر آخر حضره شخصياتٌ من الضفة الفلسطينية، لسحب الشرعية من مؤتمر غزة والهيئة العربية العليا كممثل للشعب الفلسطيني، وقام مؤتمر عمّان بتكليف الملك عبد الله الأول بحفظ حقوق عرب فلسطين، ليُستكمل ذلك لاحقًا بإعلان وحدة الضفتين في 28 إبريل/ نيسان 1950.

بعد الاحتلال الصهيوني للضفة الفلسطينية (يونيو/ حزيران 1967) حافظ النظام الأردني على ولاء النخب التقليدية والوجهاء، بل كان شعار المزاج الشعبي العام في مواجهة الاحتلال الصهيوني “100 إقلب ولا واحد شالوم” (إقلب كلمة كانت يستخدمها أفراد قوات البادية المكلفة بقمع التظاهرات وحفظ النظام بديلًا لكلمة انصرف) في تعبير واضح على رفض الشعب للاحتلال، والتمسك بأي شكل من السيادة العربية، على الرغم ممّا عانوه سابقًا على صعيد الحريات.

استمر مجلس النواب الأردني السابق، والذي كان يتشكل مُناصفة بين سكان الضفتين الفلسطينية والأردنية في عمله، وكذلك حال الحكومات التي شُكلت وحافظت في تشكيلها على هذا التوازن الجغرافي، إلّا أنّ نفوذ النظام الأردني بدأ بالتراجع بالتدريج لمصلحة منظمة التحرير الفلسطينية، وتأثر بشكل واسع بعد أحداث سبتمبر/ أيلول 1970.

اعترف النظام في الأردن بوجود قطرين، وذلك في مشروع المملكة العربية المتحدة الذي طرحه الملك حسين في 6-3-1972، ويتشكل القطر الفلسطيني من الضفة الفلسطينية المحتلة، وأي أرض فلسطينية أخرى يتمّ تحريرها، في إشارة غير معلنة إلى قطاع غزة، على أن يكون الملك حسين رأس الدولة والقائد العام لجيشها. ولعلها المرة الأولى التي يُطرح فيها شكلٌ يتجاوز مقررات مؤتمر أريحا بدمج الضفتين، ويستبدلها بشكلٍ يجمع بين الفيدرالية والكونفيدرالية. وبذلك يمكن القول إنّ مشروع المملكة العربية المتحدة شكل اللبنة الأولى لأي طرحٍ لاحق حول موضوع الكونفيدرالية الأردنية الفلسطينية.

حرب تشرين 1973

نقلت حرب تشرين الوضع العربي إلى مرحلة جديدة، إذ فتحت الباب واسعاً أمام تسوية سياسية

شهدت العلاقات السياسية بين النظام الأردني ومنظمة التحرير بعض التحسن في النصف الثاني من السبعينيات، إلّا أنّ علاقات الريبة والشك المتبادل بقيت سائدة

لقضايا الشرق الأوسط، وأدخلت منظمة التحرير في سياقاتها، ما ولّد تحالفات جديدة في المنطقة، وصراعاً داخلياً أطاح بالتضامن العربي الذي ساد أجواء الحرب، إذ خرجت مصر عن الإجماع العربي، بعد توقيعها على صلح منفرد مع إسرائيل في منتجع كامب ديفيد.

في هذه المرحلة، حاول النظام الأردني أن يحقق فصلاً للقوات على الجبهة الأردنية، أسوة بما حدث على الجبهتين السورية والمصرية. وبذلك، يضمن موطئ قدم في الضفة الفلسطينية المحتلة، ويحوز على مقعده في قطار التسوية، إلّا أنّ هذا الجهد باء بالفشل، على الرغم من الوعود الأميركية.

غاب الملك حسين عن قمة الجزائر التي انعقدت بعد الحرب، لكنّه أرسل رسالةً، قال فيها “نعترف للشعب الفلسطيني بحقه في تقرير مصيره، وإنّنا بعد أن نقوم بواجبنا في تحرير الضفة الغربية والقدس الشريف … فسنُمكن أهلنا من غربي الأردن أن يختاروا لأنفسهم المستقبل الذي يريدون، ونظام الحكم الذي يرتضون، ويقرّروا بكل حريتهم واختيارهم، وباستفتاءٍ يجري لهم تحت إشراف دولي محايد، إذا كانوا يريدون البقاء معنا، أو الاتحاد وإيانا، أو الانفصال عنّا، وسيكون لهم ما يريدون، وسنظل لهم الاخوة الأقربين”. وتابع “إنّنا ونحن لا ندّعي لأنفسنا التكلم باسم الفلسطينيين جميعًا، فإنّا لا نسلّم لغيرنا بمثل هذا الأدعاء”، في إشارةٍ واضحةٍ إلى الصفة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

لم تتجاوب قمة الجزائر، ولا قمة الرباط التي أعقبتها مع رسالة الملك حسين، وتمّ الاعتراف بإجماع الدول العربية بأنّ منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ومع أهمية هذا القرار، إلّا أنّ الدوافع وراء اتخاذه كانت متعددة، وتحمل في بعض جوانبها نيات بعض الدول العربية بالتخلص من أعباء القضية الفلسطينية، وتحميلها لمنظمة التحرير الفلسطينية وحدها، وتوريطها في التسوية السياسية المطروحة، وإبرام الصلح مع العدو الصهيوني. وقد اعتبر وزير الخارجية الأميركي في حينه، هنري كيسنجر، أن هذا القرار عقّد الأمور في الشرق الأوسط، وأنّه قد جعل من الأراضي الفلسطينية المحتلة أرضاً متنازعاً عليها، بعد أن تراجعت الولاية الأردنية عنها.

تشير شخصيات أردنية بأصابع الاتهام إلى أنّ هنري كيسنجر كان وراء الإيحاء لبعض الدول العربية بتبني هذا القرار، لعرقلة فك الارتباط على الجبهة الأردنية، وتعقيد أي حل يتعلق بالأرض الفلسطينية، وحصر أي حلولٍ مرحليةٍ ضمن سياسة الخطوة خطوة التي اتبعها في الجبهتين المصرية والسورية. كان ثمّة تصور عربي خاطئ أنّ التسوية قاب قوسين أو أدنى وأنّ جائزتها على الأرض الفلسطينية سينالها من يحوز على الاعتراف بتمثيله الشعب الفلسطيني، طغت معركة التمثيل على أولويات التحرير، ولم يفُز بالغنيمة سوى العدو الصهيوني.

بعد قرار قمة الرباط، أخذت السياسة الأردنية منحىً آخر، إذ اعتبرت نُخب أردنية حاكمة أنّه قد آن الأوان لأن يتخلص الأردن من عبء القضية الفلسطينية، وأنّ على الأردن أن يتماثل موقفه مع موقف أي دولة عربية أخرى، وينحصر في التأييد الرسمي لمحاولات منظمة التحرير الانخراط في عملية التسوية في المحافل الدولية، وانعكس هذا داخلياً في البدء بسياسة أردنة الوظائف، واستثناء ذوي الأصول الفلسطينية من الوظائف العامة، وخصوصًا في الأجهزة السيادية، وتخفيض نسبتهم في التشكيلات الوزارية.

شهدت العلاقات السياسية بين النظام الأردني ومنظمة التحرير بعض التحسن في النصف الثاني من السبعينيات، إلّا أنّ علاقات الريبة والشك المتبادل بقيت سائدة، واستمرت النظرة الأمنية والخشية من ازدياد قوة المنظمة وتأثيرها تتحكّم في السياسة الأردنية، لكنّ عين الملك حسين بقيت تنظر باتجاه استعادة نصف مُلكه الذي ضاع، وبقي يتحيّن الفرصة لذلك، لعل بعض معطيات السياسة السائدة تتغير.

الخروج من بيروت

لم يتأخر الأمر كثيرًا، إذ تساهم الحروب في إحداث نقلات نوعية وسريعة في مجرى الصراع الدائر، حيث تفرض موازين قوى جديدة تُشكّل قاعدة ارتكاز مختلفة لإدارة الصراع. هكذا حدث مع حرب تشرين/ أكتوبر 1973 حين فتحت الحرب الباب واسعاً أمام تسويةٍ سياسيةٍ أدّت إلى اتفاق سلام منفرد بين مصر وإسرائيل، وهذا ما تمّ بعد اجتياح إسرائيل لبنان سنة 1982.

وجدت منظمة التحرير نفسها في المنافي، وتوزّعت قواتها وكوادرها على مختلف الدول

شكّلت الانتفاضة الأولى مفاجأة للجميع، وأنهت عملياً آخر محاولة لإيجاد بدائل عن منظمة التحرير

العربية، وتعرّضت لمحنة الانشقاق، وأدركت قيادتها مدى حاجتها إلى تكثيف تحركها السياسي. التقط الملك حسين ذلك، ودعم شرعية ياسر عرفات، وتمّ عقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني في عمّان، جدّد شرعية المنظمة ومؤسساتها المختلفة، وقدّم الطرف الفلسطيني مسودة وثيقة للاتحاد الكونفيدرالي الأردني الفلسطيني من ثلاث مراحل، تضمنت الأولى خطة للتحرك السياسي المشترك، واستيعاب جزء من القوات الفلسطينية في الأردن، وصولاً إلى الاتفاق على المرحلة الانتقالية التي تجري فيها مفاوضات السلام، والمرحلة النهائية التي ستتمّ بعد الانسحاب الإسرائيلي، وتشمل تشكيل مجلس رئاسة أو رئيس، ومسمى ذلك هو الاتحاد العربي الذي يضم قطرين، فلسطين والأردن، لرعاياه جواز سفر موحد، يُشار فيه إلى القطر، وتُشكّل حكومة وبرلمان مناصفة بين القطرين.

أصبح لياسر عرفات مكتبًا في عمّان في حي النزهة، كما وجد خليل الوزير (أبو جهاد) فيها، ونشطت أعمال اللجنة الفلسطينية الأردنية المشتركة، ووقف النظام الأردني مع عرفات في صراعه مع النظام السوري، وساهم في فتح قنوات اتصال مع الولايات المتحدة، إلّا أنّ الشكوك المتبادلة بقيت تسيطر على العلاقات بين الطرفين، على الرغم من تحسّنها النسبي.

لم يدم شهر العسل هذا طويلًا، إذ ثمّة متطلبات لم تستطع المنظمة أن توفّرها لاستمرار التحرك السياسي المشترك، وأولها الموافقة على قراري مجلس الأمن 242 و338 شرطاً ضرورياً لانضمامها إلى مؤتمر السلام الذي كان يجري الإعداد له، إذ وضعت المنظمة شرطًا لاعترافها، قوامه أن يصدر بيان أميركي، يشير إلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصيره. وعندما قدمت للملك حسن صيغة للاعتراف تبدو مقبولة، كان الوقت قد فات، والملك قد اتخذ قراره منذ 1986. وضمن هذا السياق، تمّ الاجتماع الشهير مع شيمون بيريز في لندن، وطُرد أبو جهاد من عمّان، وأُغلقت مكاتب حركة فتح، وبدا أنّ ثمّة سياسة أردنية جديدة قوامها إيجاد شخصيات بديلة من داخل الضفة الفلسطينية، لتمثيل الفلسطينين بالتنسيق مع الأردن في أي مفاوضات قادمة.

شكّلت الانتفاضة الفلسطينيىة الأولى (1987) مفاجأة للجميع، وقدّمت دعماً غير محدوود للقيادة الفلسطينية في المنفى، وأنهت عملياً آخر محاولة لإيجاد بدائل عن منظمة التحرير، ما اضطر الملك حسين للتراجع خطوة كبيرة إلى الخلف، واتخاذ قرار فك الارتباط القانوني والإداري (1988) الذي ينهي علاقة الضفة الفلسطينية بالأردن.

في سنة 1990 عُقد مؤتمر مدريد للسلام، وحضرته وفود عن الدول العربية، تمّت تسمية الوفد الفلسطيني من منظمة التحرير. ولكن، تحت مظلة الوفد الأردني الذي ترأسه الدكتور عبد السلام المجالي، لكن لعلها كانت المحاولة الأخيرة لبلورة علاقة أردنية فلسطينية على أساس كونفيدرالي، إذ كانت المياه تجري في مكان آخر بين وفد من منظمة التحرير برئاسة محمود عباس ووفد إسرائيلي في النرويج، أسفر عن اتفاق أوسلو، وأنهى كل حوارات مدريد وواشنطن ونقل المنطقة بأسرها إلى وضع جديد.

ردّ الأردن على اتفاق أوسلو جاء سريعًا، إذ وقع الأردن اتفاقية وادي عربة مع الكيان الصهيوني، وكان بذلك الطرف العربي الثالث، بعد مصر ومنظمة التحرير الذي يعترف بإسرائيل، وفي تبرير واهٍ لسبب توقيع هذا الصلح، زعم بعضهم بأنّه يستهدف حماية الأردن من الرؤية الصهيونية التاريخية التي تعتبره وطنًا للفلسطينيين، وخوفًا من أي محاولة لتحويل اتفاق أوسلو بهذا الاتجاه.

يُلاحظ أنّ هذه العلاقات كانت دوماً متداخلة، وسادها المد والجزر، فمن محاولات احتواء الثورات الفلسطينية قبل سنة 1948، إلى الوحدة الاندماجية، إلى التباعد والاقتتال، فالمصالحة، وصولاً إلى تعديل صيغة العلاقة من وحدة اندماجية، إلى اتحاد كونفيدرالي بين قطرين وحكومتين، تجمعهما حكومة مركزية وبرلمان مشترك.

لم تنجح هذه الصيغة لسببٍ رئيس، وهو أنّ كلا الطرفين تجاهلا أنّ العائق أمام أي صيغة وحدوية، مهما كان شكلها هو الاحتلال الصهيوني للأرض، وبدلاً من البحث في آليات مواجهة الاحتلال، جرى التنافس على من سيفاوض الاحتلال ويتفاهم معه، إذ أنّ السياسة الصهيونية على اختلاف معسكراتها، لم تقرّر، في أي لحظة، أن تتنازل عن هذه الأراضي، أو حتى عن جزء منها لأي طرف، أردنياً كان أو فلسطينياً، وهذه النتيجة خلص إليها الملك حسين، بعد مفاوضاته المباشرة مع مختلف الزعماء الصهاينة، من موشي دايان في أواخر الستينيات، إلى اسحاق شامير الليكودي، مرورًا ببيريز ورابين من حزب العمل، ولو أعطاه أحدهم أي تنازل أو تلويح بالعزم على الانسحاب من أغلب الأرض المحتلة، لفعل هذا الاتفاق وأنجزه.

إخفاق حل الدولتين

مضت أربعون عامًا ونيّف على محاولة منظمة التحرير الالتحاق بركب التسوية السلمية مع الكيان الصهيوني بعد حرب تشرين (1973). خلال تلك الفترة، مزجت المنظمة بين سعيها إلى الاعتراف بها طرفاً أصيلًا في التسويات السياسية وتمسّكها ببندقيتها، للدفاع عن نفسها أمام محاولات تصفيتها وإخراجها من دائرة الفعل.

ربع قرن آخر مرّ منذ توقيع اتفاق أوسلو، وولادة السلطة الوطنية الفلسطينية ضمن اتفاق مرحلي، كان ينبغي له أن يصل إلى نهاياته بعد خمس سنواتٍ من توقيعه، لتمتد بنا الأيام حتى يومنا هذا، من دون أي أفق بقرب الوصول إلى حل نهائي، أو بتجميد الأوضاع السائدة إلى حين الوصول إلى حل نهائي.

في ظل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، تغوّل الاستيطان، واستوطن نحو 720 ألف

يدعو ليبرمان إلى إعطاء الأولوية لتحقيق سلام شامل عربي إسرائيلي، وليس سلاماً فلسطينياً إسرائيلياً

مستوطن في المنطقة المعروفه بتصنيف “جيم”، والتي تُشكّل ما يزيد عن 61 % من مساحة الضفة الفلسطينية مقابل مائة ألف فلسطيني فقط في هذه المنطقة، وثمّة مشروع قرار على جدول أعمال الكنيست لتطبيق القانون الإسرائيلي على هؤلاء المستوطني،ن بدلًا من القانون العسكري السائد في الأراضي المحتلة، ما يعني عمليًا ضم هذه المناطق إلى دولة الاحتلال، بالإضافة إلى القدس الشرقية التي تمّ ضمها فعلًا.

دُفن حل الدولتين على وقع جنازير الجرافات الصهيونية العاملة في بناء المستوطنات، وبأيدي معاول المستوطنين وسياسات الحكومات الصهيونية المتعاقبة.

في مثل هذه الأجواء، عادت إلى الظهور فكرة الكونفيدرالية الأردنية الفلسطينية، بداية عبر مقالات في الصحف الصهيونية، تبعها تصريح للدكتور سري نسيبة، ومن ثم نُشر نتائج استطلاع أجرته جامعة النجاح، وتضمن سؤالاً لم يكن معتادًا طرحه في الاستطلاعات الفلسطينية، أعلن فيه 42,3% تأييدهم اتحاداً كونفيدرالياً مع الأردن، كحل للاحتلال الإسرائيل للضفة الفلسطينية، فيما عارض الفكرة 39,3%، أعقبت ذلك لقاءات لنائب في البرلمان الأردني، هو الدكتور محمد عشا الدوايمة، حيث التقى بكيان وهمي سُمي مجلس عشائر الخليل، وألقى كلمة قال فيها إنّه يوجد في محافظة الخليل مليون مواطن أردني، وتعهد المجلس المزعوم بتسيير وفود إلى الديوان الملكي في عمّان، للمطالبة بتحقيق الكونفيدرالية الأردنية الفلسطينية.

وسط ذلك كله، قام رئيس الوزراء الأردني الأسبق، ورئيس الوفد الأردني لمفاوضات مدريد ووادي عربة، عبد السلام المجالي، بزيارة طويلة للضفة الغربية، شملت مختلف مدنها، وتعدّدت لقاءاته فيها ما بين الرسمي والشعبي، وصرّح، في اجتماعه مع فعاليات شعبية في نابلس، إنّه يؤمن بدولة كونفيدرالية بين الأردن والضفة الفلسطينية، تكون السلطة العليا فيها المسؤولة عن الأمن والاقتصاد والسياسة الخارجية، وأنّها الحل الأكثر خيراً للأردن وفلسطين.

لم يصدر أي تعليق رسمي أردني على ذلك، ولكن فسّر كتّاب التعديلات الدستورية التي أُقرت في الأردن، اخيراً، بمثابة تمهيد للكونفدرالية، وذكر لبيب القمحاوي نقطتين أساسيتين، هما ازدواجية الجنسية التي ستسمح بحمل الجنسيتين الفلسطينية والأردنية لسكان الضفة، والإسرائيلية والأردنية لسكان القدس، والصلاحيات المطلقة للملك عبد الله الثاني المتعلقة بالأجهزة السيادية، والتي ستتيح السيطرة على الوضع الأمني.

شروط تحقق الكونفيدرالية

في ظل المعطيات الحالية، لا يوجد أي أفق لأي تقدّم في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، حتى لو تمّ منحها غطاءً أردنيًا عبر علاقة كونفيدرالية، يتم بموجبها تقاسم المسؤوليات الأمنية مع الجانب الأردني، فالتركيز الصهيوني، في هذه المرحلة، يتلخص في كيفية ضم الأراضي المحتلة (منطقة ج) إلى الكيان الصهيوني، وليس الانسحاب منها تحت أي صيغة، إلّا أنّ نظرة متفحصة لأفكار اليمين الصهيوني، وكما عبّر عنها أخيراً، وزير الدفاع الصهيوني أفيغدور ليبرمان، توضح أنّ ثمّة إمكانية لتحقيق مثل هذا المشروع. ولكن، على قاعدة مختلفة كليًا عن تحقيق وحدة ما بين قطرين عربيين.

يدعو ليبرمان إلى إعطاء الأولوية لتحقيق سلام شامل عربي إسرائيلي، وليس سلاماً فلسطينياً إسرائيلياً. وسيضمن السلام العربي الإسرائيلي دورًا مختلفًا لإسرائيل في المنطقة، وسيُكرّس وجودها فيها، وهو يعني امتزاج المال العربي بالقدرة الصهيونية، حسب تعبيره، أمّا المسألة الفلسطينية فستغدو منتجاً ثانويًا لهذا السلام الشامل.

ضمن هذا السياق، هل يمكن أن نضع تصوراً لهذا المشروع الصهيوني الشامل؟ وهل لنا أن نستعيد فحوى خطاب الرئيس المصري حول السلام الدافئ، وتقرير الصحافي البريطاني ديفيد هيرست بشأن الجهد العربي بالتفاهم مع إسرائيل، عبر رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتهيئته هذه الأجواء؟

ليس هذا المشروع مشروعاً آنيًا يتعلق بتحريك المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وإنّما هو مشروع مرتبط أساسًا بفكرة السلام الدافئ في المنطقة بأسرها، وهو ينسجم مع الرؤية الصهيونية التي تعتبر شرق الأردن وطنًا للفلسطينيين، ويلوّح للنظام الأردني بحلول اقتصادية وضمانات أمنية في أجواء المنطقة المضطربة، في مقابل تقاسم وظيفي على السكان في الضفة الفلسطينية، ودور رمزي في الأماكن المقدسة، وربط لقطاع غزة مع الأردن، عبر شريط يمتد في سيناء عبر طابا، ويستبدل الوطن الفلسطيني بالكونفيدرالية المتوهمة، مفترضًا تعاوناً عربياً صهيونياً مع بعض الشخصيات الفلسطينية، سواءً كانت موجودة الآن، أم سيتم اختراعها مستقبلاً من أجل تصفية القضية الفلسطينية.

الشعوب العربية بأسرها توّاقة للوحدة بإرادتها الحرة، لكنّ مثل هذا المشروع، بصيغته المطروحة صهيوني بامتياز، ومقاومته واجبة، وأولى خطواتها إفشال مشروع السلام الدافئ، ومحاولة تطبيع العلاقات العربية مع دولة الكيان الصهيوني. هو مشروع يمكن هزيمته، عبر دعم الانتفاضة الفلسطينية وتصعيدها، وتحقيق عزلة إسرائيل الدولية، وبناء مشروع وطني فلسطيني جامع. بمثل هذا فقط يمكن هزيمة الاحتلال ودحره، وإجباره على الرضوخ للحقوق العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى