«الضيافة» التركية للسوريين تتلاشى: تشدّد مالي.. وإقامات سياحية بآلاف الدولارات بروكسل – وسيم ابراهيم
ميزانُ الفعل لأقوال القيادة التركية يُسجّل مرادفات فريدة لأوصافٍ ليست عادةً بحاجة لشرح مفردات. لم يفعل تكرار مخاطبة اللاجئين السوريين بـ«الضيوف» و«الأخوة» أيَّ شيءٍ يثبت ذلك. الأوضاع الصعبة التي عاشوها بلا حقوق قانونية لسنوات، مع بعض التساهل على شكل أعطياتٍ هنا وهناك، تتحول الآن إلى تضييق غير مسبوق.
المثال الأبرز وضع اللاجئين أمام خيار تحصيل إقامة سياحية، تكلف ستة آلاف دولار. من دون تحصيلها، صار ممنوعاً فتحُ حسابٍ مصرفي، والأخير يلزمه وضع وديعةٍ أخرى قيمتها عشرة آلاف دولار. كل هذا يتصاحب مع منع تحويل واستقبال الحوالات المالية «الكاش». تلك المعطيات يؤكدها لـ«السفير» موظفون ومسؤولون في منظمات تعمل مع اللاجئين في تركيا، فيما تقول منظمة العفو الدولية إن حكايات الاستضافة والأخوة، حينما توضع على محكّ الارادة والإمكانية، ليست سوى «محض خيال» أمام واقع تفاصيله «نواقص ومصاعب».
ثمةُ حديثٍ متزايد الآن عن «ضغوطٍ» يتعرض لها اللاجئون للتحول من نظام اللجوء إلى الإقامة. بشكل أدق، التحول تحديداً للإقامة السياحية، نظراً لأن إقامة «الحماية المؤقتة»، المسماة «كيمليك»، لا توفّر حقوقاً، علاوة على كون الحصول عليها الآن بات مشقة وانتظارا حتى إشعار آخر.
لكن حتى هذا الخيار، المكلف والمتعّثر على كثيرين، جعلته توجيهات السلطات التركية دوراناً في حلقة مفرغة. التوصيف هو للموظف الإغاثي رياض قرفاقي، من الجمعية السويدية السورية، القادم من اسطنبول للمشاركة في مؤتمر حول اللاجئين استضافه البرلمان الأوروبي.
يقول قرفاقي لـ«السفير» إن «الوضع بات صعباً جداً على اللاجئين بعد الاتفاق بين تركيا والأوروبيين، خصوصاً لثلاث جنسيات: السوريون والعراقيون والليبيون»، قبل أن يوضح أنه «قبل الاتفاق، كان فتح الحساب المصرفي ممكنا ببساطة مع وثيقة صالحة، الآن صار الأمر تعجيزياً: يجب أولاً أن يكون لديك اقامة سياحية أو اقامة عمل، ويجب أن تضع عشرة آلاف دولار كإيداع مسبق، لكن حتى تحصل على الاقامة السياحية يجب أن يكون لديك حساب مصرفي، فما الحل؟ الأمر تعجيزي».
الإدانة لإغماض الأوروبيين أعينهم عن تلك الظروف، خلال ابرامهم صفقة صدّ اللاجئين مع تركيا، كانت الحديث الشاغل لنشطاء ومحامين وموظفي إغاثة في دول أوروبية. معظمهم يعرف الأوضاع من معايشة مباشرة، فهم موزعون في تركيا واليونان ومقدونيا.
بالنسبة لوضع السوريين على وجه الخصوص، تقول جمعيات تعمل مع اللاجئين إن التشدد طال ارسال واستقبال الحوالات المالية. جاءت تلك الاجراءات مرافقةً للمفاوضات الأوروبية مع الأتراك، لتأخذ طريقها لتطبيق تعسفي، حتى من دون إعلان قوانين أو قرارات حكومية بهذا الصدد.
يؤكد ذلك مسؤولٌ في جمعية دولية تعمل مع اللاجئين السوريين في المحافظات التركية الجنوبية. يقول لـ «السفير»، طالباً عدم ذكر اسمه، إن «بطاقة الحماية المؤقتة تؤمن الحد الأدنى، بين 70 و80 دولارا شهرياً، وفقط في حال كنت تعيش في مخيم، لكن حتى منحها بات شبه متوقف»، قبل أن يضيف «لا نرى أيَ طريقة منتظمة لمنح الحماية المؤقتة، في الولايات الجنوبية كثيراً ما تقول دوائر الهجرة أن التسجيل متوقف».
يرى المطلعون على سياق تلك المستجدات أنها تدفع باتجاه خيارات محددة. يقول قرفاقي حول ذلك: «نحس أن هناك ضغوطاً على اللاجئين، ممنوع ارسال واستقبال الحوالات المالية، لا يمكن فتح حساب مصرفي إلا بشروط صعبة، بالتالي يعيش اللاجئ ضغطاً هائلاً، فلا يجد أمامه إلا محاولات الهرب من تركيا ببساطة».
حوادث عديدة سجلتها جمعيات حقوقية تسجّل تعسفاً فوق التشدد. يقول العاملون فيها إن لاجئين راجعوا دوائر رسمية تركية، حاملين بطاقة الحماية المؤقتة، ليقوم الموظفون الأتراك بسحبها، طالبين استصدار إقامة سياحية.
التفسيرات لهذا التعسّف تذهب في اتجاهات عديدة، منها تحويل ما يمكن من اللاجئين إلى مقيمين. يقول مسؤول في جمعية دولية إن «تركيا تعلن أنها تستضيف ثلاثة ملايين لاجئ، لكن ذلك ليس دقيقاً. الغالبية العظمى يساهمون في الاقتصاد كمستهلكين، من دون الحصول على مساعدات تذكر، كما أنهم يساهمون بتقديم عمالة رخيصة ساهمت في نمو الاقتصاد بشكل غير متوقع».
السلطات التركية تنفي تلك المعطيات، تكرر ذلك كلما سئلت، مواصلةً الحديث عن «فعل كل ما يمكن» لتقديم «الحماية الدولية» للاجئين. لكن منظمة العفو الدولية كذّبت بدورها تلك المزاعم، حتى تحدثت عن تعمّد أنقرة عدم تسليم إحصاءات حول طلبات اللجوء التي تقوم بمعالجتها. جاء ذلك خلال إدانة المنظمة لتواطؤ الأوروبيين، معتبرةً أن الصفقة مع تركيا جرت بناء على «حجة مزيفة أنها بلد آمن».
اللافت أن موجة التشديد والتعسف التركية، حيال اللاجئين السوريين خصوصاً، جاءت كأنها بند غير معلن في الاتفاق مع الأوروبيين. هذا ما يلفت إليه جون دالهيزن، مدير قسم أوروبا وآسيا الوسطى في «العفو الدولية». خلال مقابلة مع «السفير»، يقول إن «الحصول على الحماية المؤقتة صار الآن أصعب ويأخذ وقتاً أطول، فيما كان في السابق سريعاً وتلقائياً»، قبل أن يضيف «بعد الاتفاق هناك أمورٌ صارت أسوأ حتماً، رأينا التشدد الحدودي التركي وإطلاق النار على السوريين الذين يحاولون عبور الحدود، لكن هناك أيضاً القيود على حقوق اللاجئين التي ازدادت بشكل كبير».
تحدث تقرير المنظمة عن فروق كبيرة بين الاعلانات التركية والواقع الميداني.
لا توفر تركيا وضع لجوء كامل سوى للاجئين الأوروبيين، الأمر الذي «يجعل مئات الآلاف من اللاجئين عالقين في مأزق قانوني لسنوات». صحيح أن تركيا تسجّل نحو 2.7 مليون لاجئ سوري، ونحو 400 ألف لاجئ من جنسيات أخرى، لكنها لا تستضيف أكثر من 265 ألفا في المخيمات الموزعة في المحافظات الجنوبية. احصاءات تجعل تركيا تستقبل أكبر عدد من اللاجئين في العالم. لكن هذه اللفتة تريد منها المنظمة القول، للأوروبيين تحديداً، أن تأمين حقوق واستضافة للاجئين «غير ممكن» عملياً ولوجستياً، فمن هم خارج المخيمات يشكلون 90 في المئة من اللاجئين.
هذه الوقائع تشكك بمزاعم الأوروبيين. وافقوا على مبدأ إعادة اللاجئين من اليونان إلى تركيا، وفق بنود الاتفاق الموقع في آذار الماضي، على أساس أنهم سيحظون بالحماية والحقوق هناك. تقرير المنظمة يرد على تلك المزاعم بالقول إن نتائج عمل الباحثين أكد أنه «محض خيال القول بفكرة أن تركيا قادرة على احترام الحقوق والايفاء بالاحتياجات لما يزيد على ثلاثة ملايين طالب لجوء ولاجئ».
أظهرت تركيا مؤشرات إيجابية تجاه اللاجئين السوريين، بعد وبموجب الاتفاق مع الأوروبيين، لكن ذلك لم يتعد حدود الكلام.
يقول مسؤول في جمعية دولية يعمل من تركيا إنه «سابقاً، لم يكن يحق لحامل بطاقة الحماية المؤقة العمل، الآن قالوا إنهم سيسمحون بذلك. مرت ستة أشهر ولم يتغير شيء. تقول السلطات إنها ستجد عملاً للاجئين حسب أقدميتهم، لكني لم أقابل لاجئاً واحداً حصل على عمل وفق هذا النموذج».
(السفير)