تركيا: دولة في عزلة متزايدة: ايال زيسر
في الصراع الخاسر مسبقا ضد التوجه الدولي للاعتراف بالمذبحة ضد الارمن في الحرب العالمية الاولى، تلقى رئيس تركيا طيب رجب اردوغان، ضربة اخرى. كانت هذه المرة من المانيا حيث صادق البرلمان في الاسبوع الماضي على قرار الاعتراف بالمذبحة ضد الارمن والتي قام بها جنود اتراك في الحرب العالمية الاولى، واعتبارها ابادة شعب.
المانيا ليست الاولى ولن تكون الاخيرة في اتخاذ قرار كهذا. فقد سبقتها مجموعة طويلة من الدول وخصوصا دول اوروبية ومؤسسات دولية، أعلنت منذ زمن عن ابادة الشعب الارمني. يبدو أن اعلانا مشابها من الولايات المتحدة ما هو إلا مسألة وقت. إلا أن واشنطن قلقة على مستقبل التحالف الاستراتيجي بينها وبين أنقرة، وهي ايضا تتأثر بشكل أقل من الرأي العام الذي يركز أصلا على المشكلات الأمريكية الداخلية.
الصراع من اجل الاعتراف الدولي بابادة الشعب الامني هو صراع ضائع. ومع ذلك، انقرة تبذل جهودا كبيرة لكبح ذلك. لأنه وعلى العكس من اتاتورك مؤسس تركيا الحديثة، فان اردوغان يعتبر نفسه ملتزما بميراث الامبراطورية العثمانية وهو يريد العودة إلى ايامها الزاهرة حيث سيطر المسلمون في حينه وباسم الإسلام على الشرق الاوسط. ولكن يجب الاعتراف بأن تركيا نفسها فيها اصوات كثيرة تدعو إلى تغيير موقف الحكومة التركية والاعتراف بالمذبحة التي تمت ضد الارمن. يمكن أن موقف تركي سخي ومتصالح اكثر في هذه المسألة سيترك للمؤرخين النقاش حول سؤال إذا كانت المذابح التي نفذت ضد الارمن قد نفذت كجزء من خطة اشمل وبناء على اوامر اعطيت من اسطنبول. وبالتالي فان الحديث يدور عن ابادة شعب، الامر الذي سيتحول إلى موضوع في جلسات الحكومات والبرلمانات.
الاعتراف الالماني بالمذبحة ضد الارمن جاء في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بذكرى مرور 100 سنة على الحرب العالمية الاولى. في هذه الحرب كانت المانيا والامبراطورية العثمانية حليفتين، وضباط ودبلوماسيون المان كانوا شهود على المذبحة ضد الارمن. وفي حالات كثيرة أيدوا سياسة الامبراطورية العثمانية في موضوع الارمن. وفيما بعد تعلق هتلر نفسه بصمت العالم تجاه المذبحة كبرهان على أن المانيا حرة بفعل ما تريده لليهود الذين تحت سيطرتها. لكن التحالف الالماني التركي هو مسألة الماضي. المانيا توجد في مكان آخر وكذلك تركيا. إلا أن اردوغان ومقربيه لن يترددوا في القول بأن القرار بخصوص الارمن تسعى من خلاله المانيا إلى حرف الانظار في العالم عن جرائمها هي.
الامر اللافت هو أنه رغم الشرخ في العلاقات بين تركيا والمانيا، يبدو أنه لا أحد في برلين ينفعل زيادة عن اللزوم أو يتعامل مع اردوغان بجدية كبيرة. الموضوع التركي اثبت بقائمة طويلة من الاحداث التي وراء تصريحاته الهجومية بأنه لا يختفي شيء. صحيح أنه استدعى سفيره من برلين للتشاور، لكن يمكن الافتراض أنه كما حدث في حالة فرنسا ودول اخرى اعترفت بالمذبحة الارمنية، فان الازمة ستنتهي بسرعة ويسلم اردوغان بالوضع الجديد. في نهاية المطاف، اردوغان ليس في وضع يسمح له بفرض ارادته على أحد في الشرق الاوسط أو في اوروبا. الأمريكيون يتجاهلونه بشكل فظ عندما يساعدون الاكراد في سوريا، الذين تكرههم تركيا، في اقامة حكم ذاتي. روسيا وإيران وبشار الاسد كفوا منذ زمن عن رؤية اردوغان كقوة حقيقية من شأنها تخريب خططهم فيما يتعلق بسوريا. وفي نهاية المطاف، الاوروبيون كفوا عن الانبهار. صحيح أن اوروبا تخشى من الغاء اردوغان لاتفاق اللاجئين الذي وقعه مع الاتحاد الاوروبي، لكن الاتراك انفسهم سارعوا واعلنوا أن الاتفاق لن يلغى.
يبدو أن هذه هي خلفية الانباء حول توقيع اتفاق المصالحة بين انقرة والقدس قريبا مع تطبيع العلاقات واغلاق ملف القافلة التي ذهبت إلى غزة. ولكن يبدو أن علاقة الدولتين لن تعود إلى سابق عهدها. وأحد اسباب ذلك هو أن اردوغان لم يعد نفس الحاكم صاحب القوة الكبيرة، بل هو قائد دولة تعيش في عزلة اقليمية ودولية، وخصوصا أنها ما زالت دولة هامة لعبت في الماضي دورا، ستعود وتلعبه في المستقبل في المنطقة.
اسرائيل اليوم