مقالات مختارة

الجيش السوري يتقدم: سباق نحو الرقة؟ دمشق – عبد الله سليمان علي

 

وضع الجيش السوري خريطة الأحداث في المنطقة الشمالية الشرقية أمام منعطف جديد قد يقلب المعادلة، ويغير موازين القوى ويؤثر في مآلات بعض المعارك.

فالتوجه نحو الرقة بهذا التوقيت، الذي يشهد انخراطاً أميركياً مباشراً في قيادة معركتَين مصيريتَين تقوم بهما «قوات سوريا الديموقراطية» الأولى نحو الرقة والثانية نحو منبج، سيؤدي إلى عرقلة المخططات الأميركية في المنطقة، ويكبح من جماح الاندفاعة الكردية التي ذهبت بعيداً في ضم الأراضي إلى كيانها الفدرالي من دون احتساب لمواقف الأطراف الأخرى. كما أن مجرد إطلاق الجيش حملة عسكرية باتجاه الرقة سيكون كافياً لتجديد مواقفه من قضايا التقسيم والفدرلة، وإبراز رفضه لمسألة التقوقع، ضمن إطار ما اصطلح على تسميته بـ «سوريا المفيدة».

ودشّن الجيش السوري طريقه إلى مدينة الرقة بافتتاحه، أمس، معركة عسكرية تأخرت لبضعة أشهر، بعد أن كان من المقرر أن تبدأ في شباط الماضي، لكنها توقفت آنذاك لاعتبارات ميدانية وسياسية عدة.

وانطلقت الحملة الجديدة من المنصة نفسها التي كان يفترض أن تنطلق منها الحملة السابقة، وهي محطة الضخ في منطقة أثريا بريف حماه الشرقي التي شهدت تجمع التعزيزات التي استقدمها الجيش خلال الأسبوع الماضي. وتشكل قوات «صقور الصحراء»، العمود الفقري في هذه التعزيزات، وهي قوات قامت بأدوار بارزة في معارك ريف اللاذقية ومعركتَي تدمر والقريتَين.

وشهدت الساعات الأولى من الهجوم الذي انطلق فجر أمس، تقدماً سريعاً لوحدات الجيش السوري التي توزعت على محاور عدة شمال وشرق أثريا. واستعادت الوحدات السيطرة على نقاط كان سبق للجيش أن سيطر عليها في شباط الماضي، وهي عبارة عن مجموعة من التلال المحيطة بالاوتستراد الواصل بين أثريا والطبقة، وأهم النقاط التي استعادها الجيش هي المسبح والعلم والنقطتان 11 و14.

وبحسب الناشط الإعلامي إياد الحسين الذي يواكب عمليات «صقور الصحراء» في مختلف الجبهات، فإن الجيش السوري تقدم مسافة 10 كيلومترات خلال وقت قصير نسبياً، تحت غطاء جوي روسي كثيف، مشيراً إلى أن العملية انطلقت بتنسيق ودعم ومساندة من «الحليف الروسي» الذي قامت طائراته بتأمين تغطية جوية كثيفة.

ورغم أن الحسين شدد على أن المعركة ستكون صعبة ومعقدة وطويلة، إلا أنه أشار إلى أن من حرّر جبال اللاذقية بتضاريسها الشديدة الوعورة خلال 10 أيام لن تصعب عليه الرقة وريفها. وإشارة الحسين إلى الأيام العشرة تحديداً ليست عبثية، لأن المعلومات التي حصلت عليها «السفير» تؤكد أن خطة العملية وضعت للقوات المهاجمة مهلة عشرة أيام كحد أقصى لتحقيق «أحد أهم الأهداف الإستراتيجية للمعركة»، وهو ما يوحي بالطابع المستعجل الذي يحيط بهذه العملية.

وتبعد منطقة أثريا عن مدينة الطبقة بريف الرقة الجنوبي حوالي 70 كيلومتراً، هي بغالبيتها مساحات صحراوية تخلو من أي مناطق مأهولة، باستثناء بعض التجمعات السكنية الصغيرة. ومن المتوقع أن يحاول الجيش السوري التقدم بسرعة نحو قرية زكية ذات الموقع الاستراتيجي على عقدة مواصلات بين محافظات عدة، والتي تبعد عن أثريا حوالي 30 كيلومتراً، بغية اتخاذها مركزاً للتحشيد والانطلاق باتجاه مطار الطبقة الذي يبعد عن مدينة الرقة حوالي 50 كيلومتراً. وتشير هذه المسافات الطويلة إلى مدى صعوبة المعركة المرتقبة.

وكانت «قوات سوريا الديموقراطية» قد أعلنت، قبل حوالي أسبوعين، عن إطلاق معركة للسيطرة على ريف الرقة الشمالي، بدعم من طائرات التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، ثم أعلنت قبل أيام قليلة عن معركة جديدة باتجاه مدينة منبج شمال غرب الرقة في ريف حلب الشمالي، وبمساعدة أميركية أيضاً. وهذا يعني عملياً أن الطائرات الروسية والأميركية ستحلّق في المجال الجوي نفسه لتغطي كل منها عمليات حليفها على الأرض، لذلك من المستبعد ألا يكون هناك حد أدنى من التنسيق بين الطرفين، لا سيما بخصوص تنظيم الطلعات الجوية تفادياً لأي حوادث غير محسوبة، وهو ما شكل هاجساً لقيادة الدولتَين منذ أيلول الماضي، تاريخ التدخل الروسي في الحرب السورية، ودفعهما آنذاك لتوقيع أول اتفاق بينهما حول هذه النقطة.

في هذا الوقت، تعهدت «قوات سوريا الديموقراطية»، في بيان، بطرد «داعش» من منبج والمناطق المحيطة بها في شمال سوريا، وحثت السكان على تجنب مواقع التنظيم لأنها ستكون أهدافا لحملتها.

وقال قائد المجلس العسكري لمدينة منبج عدنان أبو أمجد، في بيان تلاه على ضفاف نهر الفرات: «نناشد أبناء شعبنا في مدينة منبج الابتعاد عن جميع مراكز وأماكن تواجد إرهابيي داعش، لأنها ستكون أهدافا عسكرية لقواتنا. وندعوهم لاتخاذ تدابيرهم لضمان سلامتهم».

وقال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، خلال توجهه إلى سنغافورة لحضور اجتماع أمني إقليمي، إن تنظيم «الدولة الإسلامية استخدم مدينة منبج قاعدة لتدبير مؤامرات ضد أوروبا وتركيا والولايات المتحدة، ما جعل من الضروري شن هجوم بدعم أميركي ضد التنظيم».

واعتبر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن «قوات سوريا الديموقراطية» تتألف في معظمها من مقاتلين عرب، فيما تقدم قوات كردية الدعم اللوجستي. وقال، في مؤتمر صحافي في نيروبي، إن القوات التي تشن العملية العسكرية تضم 2500 مقاتل سوري عربي و450 عنصرا فقط من وحدات حماية الشعب الكردية.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى