ماذا بعد تحرير الفلوجة؟ حميدي العبدالله
بات تحرير الفلوجة أمراً مفروغاً منه. بمعنى آخر أنّ ما كان يحول دون تحرير الفلوجة ليس نقص القدرات العسكرية في العديد والعتاد، بل الموقف السياسي. الولايات المتحدة التي لا يزال لها تأثير كبير على قرارات الحكومة العراقية كانت تعارض مشاركة الحشد الشعبي في المعركة، وهي تدرك أنه من دون مشاركة الحشد الشعبي لا يمكن تحرير أي منطقة يسيطر عليها «داعش» في العراق. وقبل أقلّ من عشرة أيام من القرار الذي اتخذته الحكومة العراقية بتحرير الفلوجة، والموافقة على مشاركة الحشد الشعبي بالعملية، أدلى مسؤول عسكري أميركي كبير بتصريحات أعلن فيها أنّ الفلوجة لا تمثل أهمية ولا تشكل أولوية، علماً أنّ الفلوجة كانت تشكل تهديداً دائماً للعاصمة بغداد، وكلّ العمليات الانتحارية التي تستهدف المدنيين لإثارة الغرائز المذهبية كانت تنطلق من الفلوجة، إضافةً إلى أنّ الفلوجة شكلت قاعدة متقدّمة لـ»داعش» جرى التوسع منها إلى كلّ محافظات العراق التي سيطر عليها أو تواجد فيها حتى وإنْ كان هذا التواجد جزئياً.
كما أنّ قوى سياسية عراقية مشاركة في العملية السياسية وتشارك في الحكومة العراقية كانت تضبط مواقفها من الفلوجة على وقع المواقف الأميركية ومواقف دول المنطقة من «داعش»، ولا سيما تركيا.
لكن الولايات المتحدة اضطرت إلى تغيير موقفها من تحرير الفلوجة تحت تأثير عاملين، الأول، حاجتها إلى مشاغلة «داعش» والضغط عليه لتسهيل معركتها في الرقة. والعامل الثاني، ضغوط أطراف عراقية وإصرارها على إعطاء الفلوجة أولوية لتأمين العاصمة العراقية من جهة، وللحؤول دون تآكل المكاسب التي تحققت في السابق من جهة ثانية.
تحرير الفلوجة بعد اتخاذ القرار السياسي بات مسألة وقت. قد تستغرق العملية أياماً وربما أسابيع، ولكن تحريرها بات أمراً مؤكداً وفي وقت غير بعيد.
إنّ تحرير الفلوجة يختلف بانعكاساته وتداعياته على الأوضاع في العراق وسورية عن تحرير تكريت ومناطق في محافظة صلاح الدين، أو تحرير الرمادي، لأسباب كثيرة أبرزها أنّ الفلوجة تمثل القاعدة الأهمّ لتنظيم «داعش» وأنّ عملية تحريرها ستقضي على القوة الرئيسية لهذا التنظيم، وستؤثر على معنوياته وزخم الرهان عليه، سواء من قبل جهات عراقية أو من قبل جهات إقليمية ودولية، وسوف يساعد أكثر على وصول القوات العراقية إلى الحدود السورية والعراقية، حيث ينتشر «داعش»، ومن شأن كلّ ذلك أن يغيّر معطيات الميدان الاستراتيجية.
(البناء)