مقالات مختارة

واشنطن.. ستة تحديات وسلطة مشلولة

 

استطلعت صحيفة “أرغومينتي إي فاكتي” الروسية آراء اثنين من الخبراء أجمعا على أن الولايات المتحدة تواجه ستة تحديات كبرى تشمل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .

دميتري دروبينسكي الخبير في الشؤون الأمريكية، اعتبر في حديثه للصحيفة أن التحدي الأول أمام الولايات المتحدة يكمن في الوقت الراهن في المشاكل الاقتصادية وسبل خلق فرص عمل جديدة والحد من البطالة.

وأشار في هذه المناسبة، إلى أن الظاهرة السلبية الأبرز على صعيد البطالة ومكافحتها في الولايات المتحدة، تبرز في تراجع نسبة أصحاب الكفاءات العالية بين المواطنين، وانخفاض دخل الطبقة الوسطى للمرة الأولى في 15 عاما.

ولفت النظر فضلا عن ذلك، إلى انخفاض الانتاج الصناعي، وهجرة المعامل والمصانع إلى خارج الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن معظم الناخبين المؤيدين لدونالد ترامب، شاهدون على ذلك، فهم بأنفسهم يعانون آثار هذه المشاكل، التي تعود بجذورها إلى إطلاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وأمريكا الشمالية وبلدان حوض المحيط الهادئ.

وتساءل دروبينسكي، حول كيفية إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد الأمريكي وهو الأكبر في العالم، دون أن يتمخض عن ذلك مشاكل ومفرزات لا تحمد عقباها، حيث لا يمكن اعتبار الولايات المتحدة بلدا يعتمد اقتصاده الابتكاريات رغم تقدمها الاقتصادي، وإنتاجها الصناعي الكبير.

وأكد، أن كل ما يشاع عن أنها تقود قطاع الابتكاريات العالمي وتتصدر منتجيه، ليس إلا خرافة لا أساس لها من الصحة، ومدينة ديترويت شاهدة على ذلك، حيث تفنى في الولايات المتحدة مدن وبلدات بأكملها بصمت، بعد نزوح المؤسسات الانتاجية عنها.

وخلص إلى أن هذه الظاهرة، أي ظاهرة فناء المدن والبلدات تولد سلسلة من الآثار الاجتماعية، وفي مقدمتها احتدام التوتر في مناطق “السود”، وتأجيج الخلاف حول الحاجة للأيدي العاملة الأجنبية، فضلا عن مشاكل الهجرة اللاشرعية، وبروز ما يعرف بـ”الفدرالية الطارئة” المتمثلة في رفض تطبيق التشريعات الفيدرالية على المستوى المحلي في بعض الدوائر الفدرالية والولايات الأمريكية على غرار ما حدث في أوريغون على سبيل المثال.

وأضاف أن الولايات المتحدة منشغلة في الوقت الراهن بمحاولات إعادة إطلاق عجلة اقتصادها، نظرا لاستنفاد موديل الاقتصاد الأمريكي السابق نفسه، فيما سيتحدد مستقبل الاقتصاد الأمريكي وفقا لما ستخلص إليه مساعي واشنطن ومحاولاتها الحالية لتحسينه.

أما التحدي الثاني الذي يعتري طريق التنمية الأمريكية، فيكمن حسب فيكتوريا جورافلوفا كبيرة الباحثين في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية في الانقسام السياسي الحاصل بين السلطة والمجتمع.

واعتبرت جورافلوفا أن الشقاق الفكري بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة بلغ حدا غير مسبوق، فضلا عن الخلاف الذي صار يبرز داخل كل من الحزبين وما يرافقه من تحولات في بنيتيهما، حتى وصل الأمر إلى عجزهما عن التوصل إلى رؤى توافقية تجاه القضايا المحورية في الولايات المتحدة.

ويتمخض عن التخبط الحزبي الأمريكي هذا حسب جورافلوفا، تآكل الوظائف الرئيسية للحزبين في نطاق المنظومة السياسية الأمريكية، وذلك بعد أن كانا يمثلان حلقة الوصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة، الصفة التي فقداها في الآونة الأخيرة.

وأفرز الواقع الحزبي الجديد في الولايات المتحدة حسب جورافلوفا عجز السلطتين التشريعية والتنفيذية المتزاحمتين أصلا، عن العمل المشترك والحفاظ على تناغم أداء السلطة في البلاد، مما خلص في الواقع إلى شلل السلطة الفدرالية الأمريكية وعجزها عن طرح أجندة العمل التشريعي وتطبيقها نتيجة للتناقضات الحزبية.

أما التحدي الثالث، فيكمن كما ترى جورافلوفا في الامتعاض الشعبي غير المسبوق في الولايات المتحدة من أداء السلطة الفدرالية المتدني، إذ صار يجمع 70 في المئة من الأمريكيين على تردّي أداء الحكومة الفدرالية، وتجاهلها مطالب المجتمع وإهمالها، وهذا ما يسوّغ ظهور شتى الحركات السياسية بمقترحاتها البديلة لتخطي الأوضاع الراهنة.

وترى جورافلوفا أن ظهور هذه الحركات والتيارات التي بينها “حفل الشاي”، وOccupy Wall Street، يأتي ردا شعبيا طبيعيا على عجز السلطات الأمريكية، فيما المنظومة السياسية مبنية في الولايات المتحدة على نحو يتيح للجمهوريين أو الديمقراطيين ضمها إلى صفوفهم مما يفضي إلى تبني التيارين مواقف وأفكار خلافية متعنتة تجاه سبل تسوية هذه القضية أو تلك.

فالحزب الجمهوري كما تؤكد جورافلوفا، قد أصبح بعد عام 2009 قريبا في فكره ونهجه أكثر من أي وقت مضى من حركة “حفل الشاي”، فيما مال الديمقراطيون من جهتهم بشكل كبير يسارا، ليتنافر الحزبان من جديد ويعجز كل منهما عن سماع صوت الآخر.

التحدي الرابع بالنسبة إلى الولايات المتحدة، يتمثل كما يرى دروبنينسكي في الإرهاب الدولي الذي يعتبر بدوره المعضلة الأكبر أمام العالم، في ظل تشرذم الدول في مواجهته، فيما وصل الأمر بالولايات المتحدة على صعيد مكافحة الإرهاب إلى أن صارت الزمر المدعومة في سوريا من قبل وزارة الدفاع الأمريكية تقاتل تلك المدعومة من مكتب التحقيقات المركزي الأمريكي حسب مواد صحفية موثوقة نشرت مؤخرا.

وأضاف أن هذا الأمر إذا دلّ على شيء، فعلى أن “اليد اليمنى تؤدي ما لا تعلم به اليد اليسرى”، مما يحتم على الولايات المتحدة وباقي دول العالم، ضرورة تبني مواقف جديدة، وتعاونا أوثق بين مختلف الدول في مكافحة الإرهاب.

وعلى صعيد المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها الولايات المتحدة، أفردت جورافلوفا في المقام الأول اتساع الهوة بين شرائح المجتمع الأمريكي ومناطق الولايات المتحدة، حيث يصل معدل التفاوت في الولايات المتحدة إلى مستويات ما هو سائد في بلدان أمريكا اللاتينية حسب مؤشر “جيني”، إذ يفوق ما لدى الأغنياء من ثروات ما لدى الفقراء بـ45 مرة، فيما يتراوح هذا الفارق في الدول الأوروبية بين 20 و25 مرة فقط.

وهذا يعني أنه توجد في الولايات المتحدة أعداد كبيرة من الفقراء وممن يعيشون على حافة الفقر، حيث أن الأزمة المالية والاقتصادية التي عاشها هذا البلد سنة 2008 أدت إلى تفاقم مشكلة الفقر الذي اتسع نطاقه بشكل حاد بين أوساط البيض من السكان، مما أدى إلى احتدام النزاعات العرقية والإثنية في البلاد.

أما التحدي السادس الذي يتهدد الولايات المتحدة، فيتجسد حسب دروبيتسكي في المشاكل الديمغرافية الناجمة عن زيادة مضطردة في تعداد السكان من الأقليات الإثنية والعرقية تزامنا مع شيخوخة البيض وتراجع تعدادهم.

وأشار إلى أن أمريكا في الوقت الراهن صارت تعايش مرحلة من “التلون” مردّه لأسباب سياسية، وما يحمله ذلك في طياته من أثر على شكل الخارطة السياسية للبلاد استنادا إلى ألوان الناخبين، حيث وصل الأمر بالأمريكيين إلى أن تنتخب الأقليات رئيسا لبلادهم. (روسيا اليوم)

عن موقع رأي اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى