ماذا يُخفي نتنياهو في جعبته؟
ناصر قنديل
– يسير رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في الظلال بعيداً عن الأضواء والمواقف الطنانة، ويشيد بعدم اعتبار حزب الله لـ«إسرائيل» كجهة مسؤولة عن تنفيذ اغتيال القيادي مصطفى بدر الدين، مؤكداً أن ليس لحكومته أيّ صلة بالعملية، وعندما يسير نتنياهو في الظلال فهو يستعدّ لقرارات كبرى، ويذهب نتنياهو لحكومة تحالفية مع اليمين الأشدّ تطرفاً ويمنح أفيغدور ليبرمان وزارة الدفاع، بينما يتشارك نتنياهو مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند التحضيرات لمؤتمر باريس لإطلاق مفاوضات لمسار سلام فلسطيني ــــ «إسرائيلي»، ويتواصل مع الرئيس المصري والرئيس التركي والحكم السعودي للتشاور والتنسيق حول مبادرة في الملف الفلسطيني تسهم في إنعاش المفاوضات.
– يتعاون الفرنسيون والسعوديون والمصريون والأتراك، برعاية أميركية حثيثة استدعت تعديل موقف وزير الخارجية الأميركي جون كيري وحسم أمر حضوره ومشاركته الفاعلة في مؤتمر باريس، والقضية هي من جهة ضمان تشارك حركة حماس وسلطة رام الله برئاسة محمود عباس في المفاوضات لحساب مشروع يلبّي مشتركات الطرفين ويضمن مقتضيات الأمن الاستراتيجي لـ «إسرائيل»، ولا مانع من عنوان فضفاض اسمه المبادرة السعودية للسلام بقبول نظري «إسرائيلي» بدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حلّ لقضية اللاجئين، لكن على مراحل وضمن مفاوضات، وهنا يبدأ التطريز الإسرائيلي لـ «الكانفا» المعروضة على المائدة، فتصير الدولة في غزة ومطارها ومينائها بضمانات مصرية تركية سعودية فرنسية، وحكم ذاتي مديد في الضفة، مفاوضات على الحدود وتوسيع حدود مقاطعة القدس بما يسمح بعد سنوات بمنح أحد ضواحيها عاصمة للدولة، ومسار تفاوضي طويل لقضية اللاجئين يبدأ بعد سنوات بإعادة آلاف من لاجئي لبنان، وتعويض سخي ومسارات هجرة للباقي، وهذا السلام لـ «إسرائيل» يدخلها إلى السعودية والخليج لترجمة تفاهمات أولها جسر نفطي إلى أوروبا في حيفا.
– يفتح نتنياهو خياراته على فرضيتي الحرب والسلام في المنطقة وخيار ثالث يجمع بينهما بحرب تنتهي بتفاوض إقليمي للسلام، ويشكل التوجه لخيار السلام الفلسطيني «الإسرائيلي» إحدى المنصات التي يجري التحضر الجدي لقيامه، لكنه خيار افتراضي سيبقى ينتظر نتائج الحرب في سورية حيث يتقرر الأمن الإستراتيجي لـ «إسرائيل»، فهناك القلق وهناك الجيش السوري وحزب الله ومستقبل توازنات المنطقة ونظامها الإقليمي الجديد، فلا خيار غير هذا المسار التفاوضي إذا سارت الحرب في سورية نحو نصر سوري بائن يتيح خلق توازن جديد بتحالف تركي سعودي «إسرائيلي» معلن تحت شعار أن القضية الفلسطينية قد حلّت، وما يعنيه تلاقي حماس والسلطة في هذا الحل، وما يقدمه من فرصة لإسقاط اصطفاف محور المقاومة تحت علم فلسطين لمقاتلة «إسرائيل»، ويتيح الاشتباك مع هذا المحور الذي تقوده إيران تحت شعار مذهبي.
– ليبرمان وزيراً للدفاع هو خيار احتياطي آخر لترجمة الخيار التصعيدي للحرب إذا تمكّنت النصرة من الفوز بحرب الاستنزاف في شمال سورية بدعم تركي سعودي، عندها يفكر نتنياهو بحرب خاطفة على حزب الله أو عملية توسّع وتطهير جنوب سورية يعقبها ما يشبه القرار 1701، فيكون الإسناد لحرب السعودية وتركيا من جهة أملاً بأخذ سورية إلى الفوضى المفتوحة، وبالمقابل استغلال حرب الاستنزاف لتوجيه ضربات خاطفة لبنية حزب الله تنتهي بوقف للنار بلا منتصر ومهزوم، إذا وجد لها الفرصة المناسبة وفقاً لمعطيات تلك اللحظة وتأثيرات ما يجري في سورية على قوة حزب الله، وإلا وهذا هو الأرجح الذهاب لحرب محدودة جنوب سورية تنتهي بقرار أممي ينشر قوات دولية تشبه وضعيه جنوب لبنان وتمنع امتداد معادلته لاحقاً، بحضور حزب الله إلى جنوب سورية.
– في حسابات نتنياهو لا تغيب فرضية يدرك أنها منتهى المسعى الروسي الأميركي وهي أن تجلس الرياض وطهران على طاولة ترسيم صيغة نظام إقليمي جديد، فإذا بدت المفاوضات السعودية الإيرانية قريبة يخوض نتنياهو حرباً تنتهي سريعاً تحجز لـ «إسرائيل» مقعداً في النظام الإقليمي الجديد، ولا مانع لدى نتنياهو هنا أن يتفاوض تحت علم الأمم المتحدة وبلا مكاسب سياسية واقتصادية مباشرة، لينسحب من الجولان ومزارع شبعا ويقيم دولة غزة ليضمن أمن «إسرائيل» الإستراتيجي، ولا مانع أيضاً من دعوة الروس والأميركيين لنشر مراقبين في مناطق الانسحاب، وأن يتم اللجوء إلى التحكيم الأممي في ما يتبقى من قضايا للنزاع، لكنه بذلك يسقط مصادر أوراق ربط النزاع التي تمنح سورية وحزب الله وإيران مشروعية ومصداقية القضية، ويفتح الباب في المنطقة على خلط أوراق كبير ومعادلات جديدة.
(البناء)