الموائد التي لا يحضرها حزب الله لا تصنع الرؤساء ابراهيم ناصرالدين
«بامكانك ان تقيم موائد العشاء، وان تبذر الاموال على اطعام الوزراء والنواب، وان تحاول «شراء» الود المصطنع للملكة العربية السعودية..لكن لست انت، ولا الامراء، ولا الملك، من يحددون هوية رئيس الجمهورية اللبنانية او موعد انتخابه… دون وجود حزب الله على «الطاولة»، فان كل حملة العلاقات العامة ستبقى مجرد ثرثرة فارغة حول «الموائد» سقفها الاقصى «نميمة» حول نوعية الطعام، وحدّها الادنى «وشوشات» حول من نال الحصة الاكبر من الاطراء في حرم السفارة السعودية»..
هذه خلاصة كلام لم يقله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه في ذكرى السادسة عشرة للتحرير، لكنه عناه من خلال اعادة التأكيد على ثوابت حزب الله من الاستحقاق الرئاسي، الحوار مع الجنرال ميشال عون هو الطريق الوحيد نحو اتمام الاستحقاق الرئاسي، وبحسب اوساط قيادية في 8آذار، اذا كان «الخبز والملح» مع السفير السعودي علي عواض العسيري مقدمة لتراجع المملكة عن موقفها المتعنت من انتخاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح، فان الطريق باتت معبدة امام انتخابات رئاسية في القريب العاجل، اما استمرار «الفيتو» على عون فيعني حكما ان لا انتخابات لا في عيد الفطر، ولا في عيد الاضحى ولا في كل المناسبات المقبلة، وستكون رزنامة» الاعياد الرئاسية تكرارا «مملا» «وفاشلا» لسابقة وضع السعودية ومن معها من حلفاء، مواعيد محددة لسقوط الرئيس السوري بشار الاسد…
واستغربت تلك الاوساط مغالاة البعض في اعطاء عشاء السفارة السعودية اكثر من حجمه، مع العلم ان القيمين على العشاء قد ارتكبوا خطا شكليا في التوقيت حيث لم يحظ هذا «الحدث» «بالهالة» المقدرة له في خضم الانشغال اللبناني بالانتخابات البلدية والاختيارية والنيابية الفرعية في جزين… اما في المضمون فلا يحتاج المرء الى كثير من الفطنة كي يدرك ان الرياض في هذه الايام لا هم لديها سوى استكمال المواجهة المفتوحة مع حزب الله، وفي هذا السياق حرص السفير السعودي شخصيا على اقناع خارجية بلاده، بدعوة مختلف الأفرقاء اللبنانيين المحسوبين على المملكة، والمصنفين ايضا «خصوما» لها، بحكم علاقاتهم الوثيقة مع حزب الله، اما الهدف فهو اظهار ان الحزب في «عزلة» داخلية وان «الطاولة» التي تجمع اللبنانيين لا مكان لحزب الله عليها. وقد تقصد السفير اطلاق مواقف منتقدة للحزب دون ان يسميه في اطار انتقاد دوره في النزاعات من اليمن وصولاً الى سوريا ومروراً بالعراق… طبعا لم يكن في بال احد من الحاضرين الدخول في سجال سياسي مع السفير على «ارض» سعودية فكل من المدعوين ذهب الى العشاء «لغاية في نفس يعقوب»… والكل يعرف بمن فيهم السفير السعودي ان ما يفصل الاوهام عن الواقع مجرد امتار قليلة هي المسافة الفاصلة بين درج السفارة والرصيف المقابل حيث يعود الجميع الى العالم الحقيقي حيث يصعب كثيرا على العسيري ادعاء القدرة على عزل حزب الله او تجاوزه في اي من الملفات الكبيرة او الصغيرة على الساحة اللبنانية…
اما اذا كان السفير السعودي يريد من خلال العشاء ان يطمئن الحلفاء بان مملكته ليست بصدد ترك الساحة اللبنانية بعد ان اصابها الياس من «وكلائها»، فان العشاء ليس كافيا لهؤلاء، فالامر يحتاج الى ما هو اكثر من جلسة حول مائدة، الجميع يمر في حالة افلاس سياسي ومادي، وما لم تفتح خزائن المملكة من جديد فان حملة العلاقات العامة السعودية ستكون «هباء منثورا»، وبحسب المعلومات فان العسيري لم يقدم قبل او بعد هذه المناسبة اي اشارة توحي بتغيير في سياسة «الانكفاء» المالي السعودي، ما يشير الى ان الازمة ستطول عند الحلفاء بانتظار «لاشيء» لان السفير السعودي لم يوضح لمن راجعه عما اذا كان لدى المملكة استراتيجية واضحة يمكن الركون اليها للوصول الى التغيير المنشود في موقفها ازاء التعامل مع الملف اللبناني…
وفي السياق نفسه، لم يصدر عن السعودية بعد ما يفيد بان ال «فيتو» الذي وضعه وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل على العماد عون، قد تم رفعه، ولا مؤشرات جدية على حصول تبدل في الموقف حتى الان وذلك على عكس ما حاول البعض الايحاء به دون ان يقدموا اي اسباب موجبة للاعتقاد بان ثمة تغييراً قد حصل في المملكة، ما يؤشر الى احتمال اجراء الانتخابات الرئاسية قريبا، خصوصا ان السفير السعودي تحدث عن «حلول توافقية» للملف الرئاسي، ولم يتحدث عن الرئيس «القوي»، بما معناه ان المملكة تضع في سياق اولوياتها السعي الى رئيس توافقي على غرار ما حصل في الدوحة، وهذا يعني تكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان بكل «سيئاتها»، وهو الامر الذي لا يمكن ان يقبل به الطرف الاخر وفي مقدمتهم حزب الله الذي لم يعد في «قاموسه» وجود لرئيس «ملتبس»، خصوصا ان فريق 14 آذار قد سلم باحقية رئيس ينتمي الى فريق 8آذارفي الوصول الى قصر بعبدا.
كما ان ما يجري في الاقليم لا يبشر بحصول انفراج قريب يمكن ان ينعكس على الساحة اللبنانية من «بوابة» الرئاسة، فالتصعيد هو سيد الموقف في سوريا والعراق، إضافة الى عدم اهتمام الغرب بالملف اللبناني، والطرف الاكثر تأثيرا دخل في «كوما» الانتخابات الرئاسية، الأميركيون مشغولون بانتخاب رئيس جديد خلفاً لباراك أوباما وثمة ترقب للسياسة التي سيعتمدها في الشرق الأوسط، حلفاء واشنطن في المنطقة غير معنيين بالتخلي عن اي من اوراقهم في المرحلة الانتقالية الاميركية، الرياض تراهن على الوقت وتراجعها الان عن موقفها الرئاسي في لبنان تعتبره «انكسارا» امام ايران وحزب الله، تحتاج الى مقابل في مكان آخر كي تسوق تراجعها وقبولها «بالجنرال» رئيسا، حتى الان لا يوجد اي تفاوض جدي مع الايرانيين الا حول حل ازمة «الحجيج»، وغير ذلك لا «كلام» او «سلام»، وبالتالي لن يكون امامها في الوقت الضائع الا مطالبة الرئيس الحريري تكرار الاسطوانة» نفسها حول مسؤولية حزب الله عن تعطيل الاستحقاق الرئاسي، والاستمرار في «الجدل البيزنطي» حول من يأتي قبل الاخر،الانتخابات الرئاسية او الانتخابات النيابية…
في خطابه نجح السيد نصرالله داخليا في حشر تيار المستقبل عندما سدد «كرة» قانون الانتخابات في «مرمى» التيار «الازرق»، عبر اعلانه بان حزب الله وحركة امل مستعدان للتخلي عن «الثنائية» واشراك الاخرين بالقرار الشيعي من خلال تبني قانون النسبية، وهذا التأكيد جاء في توقيت شديد الاهمية، الانتخابات البلدية فضحت هشاشة وضعف تيار المستقبل ، «عفة» التيار في ترك الحرية لانصاره في البلديات التي لم يقبل الاخرون التحالف معه، دليل على تراجع شعبيته في بيئته، النجاح الوحيد في صيدا يعود لرئيس البلدية «المشهود» له، ولضعف خصومه،لا ينسب النجاح لرئيس لتيار الازرق الذي طلب منه عدم زيارة المدينة قبل الاستحقاق خوفا من تأثيرها السلبي، الرئيس الحريري لن يقبل بالنسبية لانها ستنزع «ورقة التوت» الاخيرة عن «جسد» «التيار» المتهالك، الادعاء بقبول القانون المختلط «بدعة» لانه مشغول على «مقاس» «المستقبل»… ووحده وليد جنبلاط يقول «الحقيقة» في هذا السياق… اما الرسالة الثانية فكانت واضحة للمملكة وتفيد بان «الموائد» التي لا يحضرها حزب الله لا تصنع الرؤساء، ولا تحل الازمات، وما «يطبخ» في السعودية غير قابل «للهضم» في لبنان، ولا بد ان تكون المواد الاولية في الاستحقاق الرئاسي من «حارة حريك» و«الطبخة» في «الرابية»… واي شيء آخر هدر للوقت والاموال…
(الديار)