نصرالله يلاقي بري: نسير بالاستحقاقين الرئاسي.. والنيابي معاً نبيل هيثم
تحوّل عيد المقاومة والتحرير، الذي أحيا «حزب الله» ذكراه السادسة عشرة في احتفال مركزي أقامه في ساحة مقام السيد عباس الموسوي في بلدة النبي شيت البقاعــية، أمس الأول، إلى صندوق بريد، وزع من خلاله الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله مجموعة من الرسائل المحلية والخارجية.
رسم «السيد» صورة قاتمة للآتي من أسابيع وأشهر على المنطقة. اكد على ما سبق ان حذر منه قبل فترة وجيزة «من اشهر قاسية» وان المنطقة «مقبلة على صيف حار»، من دون ان يغفل التأكيد على جهوزية المقاومة واستــعدادها لمواجهة اية رياح عدوانية قــد يحملها وصول افيغــدور ليبرمان الى وزارة الدفاع الاسرائيــلية، فــي اتجاه لبنان.
أما المنطقة، فقد وضعتها ادارة باراك اوباما في صندوقة الاقتراع الأميركية، لعل تحقيق انجاز ما يساعد في تظهير صورة الرئيس الاميركي الجديد في الخريف المقبل، وهذا التوجه الاميركي يفتح الباب أمام صورة اقليمية قاتمة، ولو أن «السيد» كان جازما ببدء العد العكسي للنهاية القريبة لتنظيم «داعش».
والثابت لدى نصرالله انه خلال ما تبقى من ولاية الادارة الاميركية الحالية، لا توجد اية مؤشرات ايجابية عن حلول سياسية في كل البقع العربية المشتعلة، والدليل أن «جنيف السوري» بات معطلا، ولقد بدأت نذر التصعيد تطل برأسها من ريف حلب الجنوبي، وصولا الى الفلوجة والرقة، من دون اغفال ما يجري في اليمن.
في الشق السياسي اللبناني، اعاد «السيد» تأكيد المؤكد. لم ينطو كلامه على اية مؤشرات توحي ان هناك تغييرا ما في موقف الحزب، ولاسيما لناحية دعم ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية (ولو أنه لم يذكره بالاسم). كرر موقفه المبدئي، قاطعا بذلك اي رهان على امكان القبول بمرشح بديل حتى لو كان توافقيا، وخلاصة الامر في هذا الجانب ان خريطة طريق «حزب الله» الى الانتخابات الرئاسية تبدأ وتنتهي عند دعم ترشيح عون. وعلى هذا الاساس يريد للانتخابات الرئاسية ان تجري اليوم قبل الغد.
لكن اللافت للانتباه في خطاب نصرالله انه لاقى مبادرة الرئيس نبيه بري الى الحل الرئاسي بطريقة «مدروسة»، فالتقى مع رئيس المجلس في رفض التمديد للمجلس النيابي القائم تحت اي عنوان أو ذريعة. مع التأكيد على ان المدخل الاساس للعبور الى حل الازمة الراهنة يبدأ بالانتخابات النيابية. وعلى اساس النسبية في الدائرة الاوسع، خصوصا ان اجراء الانتخابات البلدية من دون ضربة كف وبلا اية موانع لها في اية منطقة، تنفي كل الذرائع التي يمكن ان يلجأ اليها من يريد تسويق التمديد النيابي.
واضح ان هناك اتجاها محليا عبر عنه الرئيس نبيه بري بالمبادرة الثلاثية التي اطلقها، بهدف اجراء الانتخابات الرئاسية ثم النيابية، او النيابية ثم الرئاسية بما يعيد تكوين السلطة في لبنان من جديد، كما أن هناك اتجاها دوليا داعما لهذا التوجه وبات مسلما بضرورة اجراء الانتخابات، وعبر عنه سفراء وموفدون اميركيون وغربيون. وفي موازاة هذه الصورة، ظهّر السيد نصرالله موقف «حزب الله» بالتأكيد على ان الاولوية والضرورة تقضيان ان تجري الانتخابات النيابية المقبلة (سواء عند نهاية الولاية الممددة للمجلس الحالي، او ان استقر الرأي على تقصيرها)، وفق قانون جديد عصري يؤمن تمثيل كل شرائح المجتمع اللبناني ويأتي بها كلها الى مجلس النواب كما قال «السيد»، وهذا ما يوفره النظام النسبي.
إلا ان إصرار الحزب على اجراء الانتخابات يحمل في طياته فرضية القبول في نهاية الأمر باجرائها على اساس «الستين» باعتباره أهون الشرور، وطالما أن التمديد هو «الشيطان الأكبر».
وكان اللافت للانتباه توقف نصرالله مطولا عند استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية. التقى مع بري في التعبير عن الارتياح الى النتائج التي حققها تحالف «امل» و «حزب الله» في الجنوب، وبرز سعيه الى لملمة اثار الانتخابات على كل المستويات. اقر بأن هذا الاستحقاق البلدي هو الاصعب من بين كل الاستحقاقات، ومع ذلك تم تجاوزه بأقل الأضرار الممكنة، دون اغفال حصول اشكالات او سوء تفاهم داخل البيت الواحد، او حتى داخل التنظيم الواحد. الا انه في الخلاصة انتهى الى إلقاء المسؤولية على المجالس البلدية المنتخبة لكي تطوي الصفحة، ولتنتقل الى مرحلة الافعال والانجاز على صعيد البلدات والقرى كما جعلها مسؤولية سياسية باعتبار أن الارادة السياسية أوصلت هذه اللوائح الى المجالس البلدية.
والاهم في هذا الجانب وأبعد من البلديات، تركيز «السيد» على صلابة التحالف بين «امل» و «حزب الله» أيا كانت التطورات في الداخل والخارج، وهو تحالف يتصل بالحاضر والمستقبل وبالمصير الواحد؛ «نبقى معا.. او ننتهي معا.. وهذا ما لن نسمح به» على حد تعبير مرجع حزبي.
أكد «السيد» أيضا أنه لا يمكن حماية لبنان بشكل عام، والمقاومة ومجتمعها بشكل خاص، من التأثيرات والضغوط الخارجية من دون وحدة وطنية.
رسائل «السيد»
ووزّع السيد حسن نصر الله في خطاب العيد الـ16 للتحرير رسائل في اتجاهات عدة:
أولاً، لبنان ما زال من ضمن بنك الأهداف التكفيرية والإسرائيلية، وبالتالي لا مفرّ من دخول اللبنانيين في مرحلة شدّ الأحزمة الأمنية والسياسية، ومحاولة بناء حائط صد لمواجهة الأخطار المحتملة، وتوفير عوامل التحصين التي تجعل لبنان قادراً على مواجهة أي عاصفة محتملة، ولعل أحد أهم شروط التحصين السياسي هو الحوار بين اللبنانيين وتعاضدهم وابتعادهم عن فتح النوافذ أمام «الهواء الأصفر» الذي قد ينفذ من خلال الخلافات الداخلية، أما الركيزة الثانية، فتتمثل بالحفاظ على معادلة الجيش والشعب والمقاومة، وجعلها على أهبة الاستعداد في مواجهة كل الاحتمالات.. وها هي المقاومة في أعلى درجات جهوزيتها واستعدادها لمواجهة أي طارئ.
ثانياً، ثمة رسالة واضحة الى جمهور المقاومة و «حزب الله» بأن هناك من يسعى إلى إشعال معارك من حولنا وتحديداً في سوريا لتحرقنا نارها، وهذا ما يفرض علينا ان نكون في الميدان دفاعاً عن الوجود وصوناً للانجازات ووصولاً الى تحقيق الانتصار، وبالتالي امامنا محطات جهادية جديدة، قد يترتب عليها تقديم المزيد من التضحيات (والملاحظ هنا أن نصر الله يشدّد على «الانتصار الحتمي» في هذه الفترة، اكثر من أي وقت مضى).
ثالثاً، الى بعض اللبنانيين الذين يناصبون المقاومة «الخصام»، حتى لا نقول العداء، مؤكداً أننا منخرطون أكثر من أي وقت مضى بالمعركة في سوريا وماضون فيها حتى تحقيق الهدف الذي من اجله قررنا المشاركة في هذه المعركة، وبالتالي مهما كان حجم الضغط الداخلي الذي يمارسه البعض، او حجم التهويل او حجم التشويش بالمقالات والشائعات ومحاولات الإرباك، فإن ذلك لن يحبط عزيمتنا.
رابعاً، أهمل «السيد» الحديث المباشر عن السعودية ودول الخليج.
خامساً، بدا «السيد» متوجساً من أمر ما في الساحة الفلسطينية، وهو خاطب الفلسطينيين ألا يقلقوا لأن انتصار محور المقاومة هو انتصار لقضيتهم التي ستبقى أولوية وقال لهم: «احذروا من كل أولئك الذين يستغلون الالتباسات الموجودة في المنطقة، في الصراع الحالي (سوريا خصوصاً)، ويريدون تحويل إسرائيل إلى صديق وحليف، أيّا تكن الحجج. يا أهلنا في فلسطين: احذروا من كل أولئك الذين يريدون، بل فعلوا وغيّروا مسار المعركة».
(السفير)