التقرير الحقيقي:جدعون ليفي
التقرير الحقيقي لمراقب الدولة لم يُكتب أبدا ولن يُكتب، مثل ملاحقة السلطات لرؤساء عائلات الجريمة الكبيرة ـ الامر دائما ينتهي بالامور الهامشية، اخفاء الضرائب، تبييض الاموال، الابتزاز عن طريق التهديد ـ وهي التي تؤدي بهم إلى السجن. وعلى جرائمهم الحقيقية والثقيلة لا تتم محاكمتهم تقريبا. الاشخاص المناسبون يتم عقابهم على الامور غير المناسبة وغير الصحيحة. هكذا هو الامر في عالم الجريمة.
هكذا هي الحال ايضا في الحكومة والجيش الإسرائيلي. البلاد تعصف الآن: «بيبي تورز» قد تتحول إلى قضية جنائية. ويمكن ايضا أن تعمل على اسقاط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ومثل بعض أسلافه، يمكن أن يسقط لاسباب غير صحيحة. ومثل رؤساء الجريمة، يمكن أن يعاقب هو ايضا على أمور بسيطة ـ رحلة طيران بقيمة 11.920 شيكل لسارة. أما الجرائم الحقيقية فستبقى يتيمة ومغطاة ولن يقوم مراقب الدولة بوضع يده عليها بتاتا. وإسرائيل لن تعصف أبدا بسببها. فتكفيها قضية «بيبي تورز» لتثبت لنفسها أنها أخلاقية.
دولة غير اخلاقية تتحول إلى دولة اخلاقية. أمور مالية ترسل رؤساءها إلى السجن. وهم لا يدفعون ثمن جرائمهم الحقيقية. مثل الجريمة الوحيدة تقريبا التي حوكم بسببها جندي إسرائيلي في عملية «الرصاص المصبوب» عندما قام بسرقة بطاقة اعتماد من مواطن فلسطيني (وهناك شخص آخر حكم عليه مدة 42 يوم سجن بسبب قتل أم وابنتها وهن يحملن الراية البيضاء). إن قتل مئات المواطنين وهدم الكثير من منازل الفلسطينيين وسرقة بطاقة الاعتماد هي الجريمة. هل هذا جيش أخلاقي أم لا، الديمقراطية الوحيدة أم لا.
التقرير الذي لن يُكتب أبدا هو تقرير الجرائم الكبيرة والحقيقية. والتي لن يسقط رئيس الحكومة بسببها. وسائل الإعلام المحاربة والمحققة (بنظر نفسها) لن تصخب أبدا بسبب هذه الجرائم. ولن تستعرضها على الاقل. التحقيق في الامور الهامشية يرضي الجميع، وايضا الرغبة في الهرب من الجرائم الحقيقية.
اذا كان الامر ينبع لدى عصابات الجريمة من غياب الأدلة، فان جرائم الدولة تغيب فيها الجرأة أو الاستقالة. الجرائم علنية والأدلة توجد بكثرة وهي بحاجة إلى الاهتمام بها. ولكن يبدو أن الدولة التي تقوم باعدام مواطنين بشكل يومي تهتز وتعصف بسبب تذكرة سفر. كيف يُعقل أن مراقب الدولة يهتم بتمويل ليلة في فندق ويغض نظره عما يحدث في الجهاز القضائي العسكري المبني على العنصرية والفساد. كيف يُعقل أن الدولة التي يُعتقل فيها 750 أسيرا أمنيا بدون محاكمة «تحارب» فيها وسائل الإعلام الفساد الصغير؟.
هذا لا يعني أنه لا توجد حاجة، بل توجد. ولكن عندما يكون الصراع الوحيد للمحافظين على الديمقراطية من المراقب وحتى المحللين والمحققين، فان الامر يكون ضد الفأر وليس ضد الجبل ـ الحديث يدور عن اخفاق. الاهتمام بالامور الهامشية، وبها فقط، هو فاسد مثل الفساد الذي يكشف عنه، ويخدم حرف الانظار وغسل الأدمغة واستبعاد الضمير القومي. وهو ايضا دعائي: إسرائيل هي «غي فريندلي». وانظروا كيف تحارب الفساد.
هكذا يتم أخذ ملاحقة العدل إلى الهوامش الآمنة. يرسلون ايهود اولمرت إلى السجن بسبب الاموال وليس بسبب حربين فظيعتين. يكتبون التقارير والتحقيقات عن نتنياهو وكمالياته وليس عن مسؤوليته المباشرة على الجرائم اليومية. الدولة المسؤولة عن جرائم الحرب لا يمكنها الاهتمام بهذه الامور الفارغة. وبالتأكيد ليس بها فقط. مراقب الدولة الذي لم يسبق له أن حقق في العفن البنيوي للدولة، لا يمكن تسميته مراقب دولة. ايضا وسائل الإعلام التي يجب عليها أن تحقق ولا تحقق أبدا فيما هو أساسي، لا يمكن تسميتها كذلك.
عضوة برلمان معتقلة بسبب نشاطها السياسي، شاعرة في المعتقل بسبب قصائدها، يتم الاتجار بالجثث وكأنها من أملاك الدولة، شرطة عنيفة وجيش فظ. وإسرائيل تعيش مع «تقرير شديد اللهجة» لمراقب الدولة.
هآرتس