معركة الرقة القادمة … بين تقاعس الحلفاء وحاجة واشنطن للانتصار د. ليلى نقولا
بالرغم من قساوة مشاهد القتل والتفجيرات الانتحارية التي حصلت في كل من جبلة وطرطوس، والتي راح ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى، إلا أن مشهد الحقد والدماء المسفوحة ظلماً الذي تزرعه “داعش” في مختلف أنحاء المنطقة العربية؛ من سوريةإلى العراق، فاليمن وليبيا وغيرها، لم يحجب الأنظار عن المعركة المفترَض أن الأميركيين يتحضّرون لها لتحرير الرقة من “داعش”، معتمدين على “قوات سورية الديمقراطية”، وعمادها الأساسي القوات الكردية.
وقد تكون الأنباء الواردة من الشمال السوري، بعد زيارة قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط جوي فوتيل، وقبلها زيارة بريت ماكغورك؛ المبعوث الخاص للرئيس الأميركيلدى التحالف الدولي ضد “داعش”إلى المنطقة، تأتي لتؤكد أن الأميركيين قرروا خوض معركة حقيقية ضد “داعش” في الرقة، وأن المناشير التي ألقيت على الرقة ودعت المدنيين للرحيل ليست حرباً نفسية كما يسوّق بعض الإعلام الداعم لـ”المعارضة السورية“.
مشكلة الأميركيين في تحرير الرقة، وكما كانت تطرح دائماً حين الحديث عن تحريرالموصل، هي حلفاؤهم، الذين يدفعون الأميركيين إلى اعتماد خيارات أخرى في الميدان السوري، قد تبدل “هندسة” خريطة التحالفات الميدانية، ولو بشكل تكتيكي:
1- بالنسبة إلى حلف “الناتو”، والأوروبيين بالتحديد، والذين يتعرضون لابتزاز تركي غير مسبوق في قضية اللاجئين، المؤسف أن الأوروبيين، دعاة حقوق الإنسان والتنظير بالإنسانية والديمقراطية، يساعدون أردوغان على ابتزازهم، ويشجّعونه على تحويل تركيا إلى دولة – الفرد المتحكّم بكل مفاصلها، والذي يحكم كسلطان عثماني أين منه سلاطين الدولة العثمانية خلال أقسى عهودها تسلُّطاً. يمشي الأوروبيون بحذر في هذه اللحظة المفصلية في حقل ألغام، فلا هم يستطيعون التخلّي عن أميركا في حربها ضد “داعش”، التي تهدد أمنهم وتقتلهم في عقر دارهم، ولا هم قادرون على إغضاب تركيا، التي ترفض أن يكون الأكراد عماد القوة المقاتلة التي ستحرر الرقة. لكن في النهاية، يعرف الأوروبيون قبل غيرهم ألا قدرة لهم على رفض المطالب الأميركية، وأن الوقوف على الجانب الصح، سيجعلهم مرغمين على مساعدة حليفهم الأميركي، شاؤوا أم أبَوْا.
2- أما تركيا التي ترفض فتح مجالها الجوّي لطيران التحالف الدولي لقصف “داعش”، وترفض استخدام قاعدة انجرليك، فقد تدفع الأميركيين والتحالف الدولي إلى الاستعانة بالطائرات الروسية للمساعدة في الإسناد الجوّي للمقاتلين المتقدمين على الأرض. هذا التعاون العسكري الميداني، الذي أعلن الروس مناقشته مع الأميركيين، بينما نفاه الجانب الأميركي، قد يصبح أمراً واقعاً في عملية تحرير الرقة من “داعش”، وقد يمهّد السبيل إلى مزيد من التنسيق بين الجانبين، علماً أنه قد لا يؤدي إلى التفاهم على أسس الحل السياسي بشكل كامل.
3- ويبقى الحلفاء العرب الذي ينادون بضرورة تحرير الرقة من قبَل قوات عربية وليس كردية، فيدرك الأميركيون أنهم غير جادّين وغير مستعدين لحضّ مقاتليهم على الأرض لمقاتلة “داعش”، إذ إن الأولوية بالنسبة لهم هي قتال الجيش السوري، ولو كان ذلك بوساطة التحالف مع الشيطان.
في المحصلة، وبالرغم من كل الضغوط، وتبيان مصالح الحلفاء، وعدم رغبتهم بفعل شيء ضد داعش، فإن معركة تحرير الرقة باتت ضرورية بالنسبة للأميركيين، لأسباب عدّة أهمها:
أ- الإدارة الأميركية، المتهمة بأنها لم تحقق شيئاً في حملتها ضد “داعش” في سورية والعراق، لا تملك ترف الوقت ولا هامش المناورة لكي تمارس مجرد حرب نفسية إعلامية بالإعلان عن نيتها تحرير الرقّة، فتتراجع بعدها، ليشنّ عليها حلفاؤها وخصومها في الداخل – قبل الأعداء – حملة بالتقصير والتقاعس والاتهام بالضعف والتردد، تشبه إلى حد بعيد ما قاموا به بعد تراجع الرئيس باراك أوباما عن شنّ حرب على النظام السوري بُعيد أزمة الكيميائي السوري.
ب- الوقت المتبقي للرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، وحاجته لانتصار ما في الحرب على الإرهاب، تنفي عنه صفة الفشل فيها، بعدما حقق الروس في مدة قصيرة ما عجز عنه التحالف في شهور عديدة،يوجب عليه القيام بتحرير مدينة يضجّ بها الإعلام العالمي، وهكذا تمّ اختيار الرقة،باعتبار تحريرها أسهل وأقل تعقيداً من تحرير الموصل.
ت- اكتساب مزيد من أوراق القوة في المفاوضات حول مستقبل سورية، بعدما استنفد الأميركيون ورقة “المعارضة السورية” المسلّحة المدعومة من السعوديين والقطريين والأتراك. يحتاج الاميركيون إلى أوارق قوة تدين لهم بالولاء أكثر، بعدما أظهر الحلفاء الإقليميون رغبة بالتمرد على قرارات واشنطن، ومَن أكثر من الأكراد استعداداً للطاعة، والذهاب إلى معركة لا يريدونها بالأساس، في ظل وعود لهم بتأسيس كيان مستقبلي يأسسون فيه دولتهم – الحلم؟