حلوى مصرية وهاوية اقتصادية وأمنية:تسفي برئيل
«قوموا ببث خطابي في وسائل الإعلام لديكم»، هذا ما حث عليه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وسائل الإعلام الإسرائيلية من فوق منصة الاحتفال بافتتاح محطة جديدة للطاقة في مدينة أسيوط. صحيح أنه لم يتم بث الخطاب في إسرائيل بالكامل، لكن على مدى يومين (هذا وقت طويل نسبيا في الواقع الإسرائيلي) كان خطابه مدويا. لو كنا في ظروف اخرى ومع حكومة إسرائيلية اخرى، لكان تأثير الخطاب سيكون أكبر، واقتراح السيسي برؤية «فرصة السلام» كان يمكنه تحريك العملية السياسية.
بعد مرور 48 ساعة، اضطر خطاب السيسي إلى منافسة المهزلة السياسية الإسرائيلية واقتراح تعيين افيغدور ليبرمان وزيرا للدفاع. هذا هو ليبرمان، ومن المؤكد أن السيسي يذكر اقتراحه لقصف سد أسوان، وفقط بعد سنوات وافق ليبرمان على الاعتراف بأن مصر هي حليفة. من المهم معرفة رأي السيسي في هذه الاثناء بتعيين ليبرمان، ولا يقل عن ذلك أهمية رأي فرنسا والولايات المتحدة عن الشريك الجديد في العملية السلمية. يمكن تسجيل نقطة حذرة في صالح السيسي. فهو لم يقترح أن تكون مصر على رأس العملية السياسية ولم يقم بالدعوة لمؤتمر دولي، بل اقترحه كخيار فقط. ولم يطلب تفكيك المستوطنات ولم يظهر في خطابه موضوع حق العودة و»الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني» التي هي شعارات دائمة في الخطاب العربي.
الحلوى البارزة في خطاب السيسي كانت الوعد بأن حل المشكلة الفلسطينية «سيرفع حرارة» السلام بين إسرائيل ومصر. وقد سارع السيسي إلى احداث التوازن عندما طلب من الفلسطينيين المصالحة بين فتح وحماس، المصالحة التي لا تشجعها إسرائيل. النظرية القائلة إن السيسي قد قام بتنسيق وتوقيت خطابه مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، تشعل الخيال. ولكن يبدو أن زيارة وزير الخارجية الأمريكية المتوقعة والنشاط التحضيري لمبعوث الرباعية السابق، توني بلير، هي التي دفعت السيسي إلى اختيار هذا التوقيت. كما قال براك ربيد في «هآرتس» أول أمس. وقد حظي خطاب السيسي بردود متناقضة في وسائل الإعلام المصرية. فمن ناحية اعتبر الخطاب مشابها لزيارة أنور السادات للقدس. ومن ناحية اخرى هاجمه الصحافي وائل قنديل واتهمه بفتح عطاء للاراضي ومحاولة لايجاد «حدود جديدة لسايكس بيكو».
الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين استمر في كونه مكانا جيدا تستطيع فيه مصر التأثير. فهي ليست معنية بالحرب في سوريا، والتحالف العربي ضد داعش في ليبيا ومصر تفكك بعد أن انشأت السعودية التحالف السني. ايضا مصر متعلقة إلى حد كبير بموقف السعودية من الصراعات الاقليمية. لأن السعودية تقوم بحماية الحساب البنكي المصري. وفي المقابل فان «تسخين» السلام مع مصر يوجد تحت سيطرة السيسي، الذي عزز بشكل كبير التعاون الامني والاستخباري ونجح في ادخال السعودية من البوابة الخلفية كشريك في اتفاق كامب ديفيد، بعد منحها السيطرة على جزر سنفير وتيران.
ولكن فيما يتعلق بالعلاقات المدنية وتبادل الوفود والتعاون الثقافي ورفع المقاطعة الإعلامية والفنية عن إسرائيل، فان السيسي يحافظ على المباديء والشروط التي وضعت في عهد السادات ومبارك. وهذه السياسة لا تختلف عن سياسة الملك عبد الله، ملك الاردن. ولكن الفرق بينهما هو أن الملك الاردني لا يمكنه السماح لنفسه بتجاهل التطورات في الضفة الغربية أو الصراع في الحرم أو مكانة حماس في قطاع غزة. أما مصر في المقابل، فهي تنجح في امساك العصا من طرفيها حيث يمكنها اغلاق معبر رفح لفترات طويلة ومنع الفلسطينيين من العبور إلى مصر، واتهام حماس بالعمليات الإرهابية. وفي نفس الوقت تقديم نفسها كصاحبة البيت للعملية السياسية.
إن موضوع العملية السياسية ليس هو القلق الحقيقي للسيسي. فالأهم منه هو التراجيديا التي نزلت عليه أمس مع تحطم الطائرة المصرية في البحر المتوسط. وحسب التقديرات الاولية فان السبب في تحطم الطائرة هو عملية إرهابية. واذا ثبتت صحة هذه التقديرات فإن مصر لن تكون وحدها هي المستهدفة، بل فرنسا ايضا وكل الخطوط الجوية.
إن الحرب المتواصلة ضد الإرهاب والهاوية الاقتصادية التي دخلت اليها مصر، هي التهديد على وجود الدولة. فقد وقع هذا الاسبوع وزير النفط المصري اتفاقا مع شركة «بريتش غاز» يقضي بأن تدفع القاهرة 400 مليون دولار في شهر حزيران كجزء من سداد الدين الذي يبلغ 3.2 مليار دولار.
أوقفت بريتش غاز جزءا من نشاطها في حقول الغاز في الشرق الاوسط بعد أن لم تقم مصر بالايفاء بالتزاماتها. من أين سيأتي المال؟ هل سيأتي من العملة الصعبة الآخذة في التناقص والتي تبلغ فقط 16 مليار دولار؟ أم من التوفير الذي تأمل مصر الحصول عليه من تقليص الاستيراد أو احتياطي العملة الصعبة الذي يريد المستوردون ايداعه للحصول على إذن الاستيراد؟.
قبل بضعة ايام قال متحدثون رسميون في مصر إن القاهرة ستوقع في الشهر القادم على اتفاق مع روسيا لانشاء مفاعل نووي في منطقة دبعة بالقرب من البحر المتوسط، هذا مشروع قومي يتم تأخيره منذ عقود، ومن المتوقع أن يقدم جزءا كبيرا من الكهرباء التي تحتاجها مصر. ولا يقل عن ذلك أهمية أن المشروع سيشغل 20 ألف عامل عند اقامته و4 آلاف عامل صيانة بعد اقامته.
هذه ارقام حقيقية لدولة تحتاج كل سنة بين 700 ألف إلى مليون فرصة عمل لمواجهة البطالة.
لكن اذا نفذ مشروع دبعة في موعده ـ فانه سيبدأ بتوفير الكهرباء بعد ست سنوات فقط. الآن يحتاج السيسي إلى تفسير ليس فقط لماذا لا يوجد ما يكفي من الكهرباء، بل ايضا سبب وجود هذه النسبة من البطالة. حسب استطلاع أجراه «فوكس ايكونوميكس» فان التضخم في مصر بلغ أكثر من 10 في المئة، والدين العام سيزداد من 88 في المئة هذه السنة إلى 91 في المئة في 2017. والتصدير سيتراجع من 22.2 مليار دولار سنويا إلى 19.8 مليار دولار فقط. والدين الخارجي سيزداد هذه السنة من 57 إلى 63 مليار دولار. هذه المعطيات لا يقرأها المواطن العادي، لكنه يعرف جيدا عن غلاء السلع الاساسية وفواتير الكهرباء.
ايضا في مجال الإرهاب، البشائر ليست كثيرة، واعلن حاكم شمال سيناء في هذا الاسبوع عن تمديد حالة الطواريء، الامر الذي يعني استمرار حظر التجول بين السابعة مساء والسادسة صباحا في العريش. الحرب المستنزفة ضد التنظيمات الإرهابية في سيناء وبالذات ضد داعش نجحت بشكل كبير، حيث أن مواقع انصار بيت المقدس قصفت وتم اعتقال آلاف المشبوهين وانخفض عدد العمليات. ولكن تكفي عملية واحدة، كما حدث قبل اسبوعين في حلوان حيث قتل 8 رجال شرطة، من اجل زعزعة الامن مجددا.
في الوقت الذي بقي للسيسي بين الازمة الاقتصادية والحرب ضد الإرهاب، مطلوب منه الاهتمام بقضية جزر سنفير وتيران التي أعادها للسعودية، وقد تظاهر آلاف المصريين في نيسان احتجاجا على هذا التنازل، ويتم الآن نقاش دعاوى في المحكمة من اجل الغاء الصفقة لأنها تناقض بندا من بنود الدستور الذي يمنع التنازل عن اراضي الدولة. وقد ردت الحكومة كالعادة باعتقال بعض المتظاهرين. هذه ليست المرة الاولى خلال حكم السيسي التي يوضح فيها الخطوط الحمراء لحرية التعبير. عشرات الصحافيون في الاعتقال، وكل ذلك لا علاقة له بدعوة السيسي لاحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ففي إسرائيل لن يكون هناك شريك في حلم الشرق الاوسط الذي تريده مصر في السنوات القريبة. وسيكون قلق السيسي هو كيف يمكن منع إسرائيل من تحويل غزة إلى ساحة مواجهة جديدة.
هآرتس