أوباما في فيتنام !
غالب قنديل
قبل أربعين عاما كان من المستحيلات تخيل قدوم رئيس أميركي إلى فيتنام البلد الذي طرد الجيوش الأميركية في حرب تحرير شعبية كانت هي ملحمة التحرر الوطني والاستقلال في القرن العشرين ولم يكن يرد في المخيلة السياسية للكثيرين ان تذهب العلاقات الثنائية في طريق التعاون الاقتصادي بين البلدين تماما كما حصل في تحرك الرئيس الأميركي إلى مصالحة تاريخية مع كوبا الجزيرة التي أحكم عليها الحصار الأميركي منذ انتصار ثورتها الاشتراكية قبل اكثر من ستين عاما.
خط التسلل إلى فيتنام هو طريق اميركي لاستثمار التناقض الظاهر بينها وبين الصين القوة العظمى التي ساندت الثورة الفيتنامية وقدمت لها السلاح والدعم السياسي والمعنوي والتقني وكانت الراعي الأول لتقدمها ونظر إليها الفيتناميون كحليف موثوق إلى جانب الاتحاد السوفيتي في مراحل الكفاح المرير الذي خاضوه لطرد الاحتلال الأميركي من بلادهم لكن مياها كثيرة جرت في بحر الصين وجنوب شرق آسيا فيها صراعات نفوذ إقليمية صينية فيتنامية منذ الافتراق الذي انعكس في مواقف البلدين من احداث المنطقة وحروبها ( كمبوديا ولاوس وتايلاند وغيرها ) وهي منطقة استمر فيها الوجود الأميركي بثقل كبير.
الجهد الأميركي هناك يوجه اليوم صوب الصين وضد خطر صعودها العالمي كقوة اقتصادية مسيطرة وهذا العامل كان وراء ما عملت عليه الولايات المتحدة تحت تسمية : محور لآسيا وقد كرس باراك اوباما جهوده المباشرة في جولاته الآسيوية للحشد ضد الصين ولنسج حلف يضم اليابان والفلبين وغيرهما من الدول التي تراهن واشنطن على تكتلها اقتصاديا وعسكريا في وجه المشاريع الصينية الطموحة وما تنطوي عليه من استثمار لمخزونات النفط والغاز العملاقة في مياه بحر الصين تحت جزرها الصناعية المنتشرة والمتنازع عليها مع بعض من دول جوارها الآسيوي .
اوباما يراكم في حركته عناصر الاحتواء الأميركي بالقوة الناعمة التي تمثل منظومة من أدوات التأثير والاختراق ويحمل معه عدتها من مخزون التفوق الأميركي الباقي : التكنولوجيا والانفتاح المالي والتجاري وغواية النمط الاستهلاكي كوسيلة فاعلة في التسلل إلى البنيان الاجتماعي لدولتين عاشتا عشرات السنين في مناخ التعبئة ضد العدو الاستعماري الأول لحركات التحرر وللدول المستقلة في العالم والعمل على توليد هاديء للتناقضات الداخلية لاستمالة شرائح اجتماعية إلى التحرك في وجه النظم الاستقلالية وذات التوجه المناهض للهيمنة الاستعمارية والملتزمة بشروطها السيادية المتشددة في شروطها للانفتاح على الولايات المتحدة .
يحلم المخططون الأميركيون بالتوازي بتفكيك المنظومة اللاتينية وبإغراق بلدانها في حالة صراع واضطراب سياسية عبر القوة الناعمة ومن خلال دعم القوى والتكتلات اليمينية التي تصدت للمشروع القاري الذي رفع لواءه الزعيم الفنزويلي الراحل هوغو شافيز وما جرى في البرازيل والأرجنتين وفنزويلا نفسها حتى اليوم هو المثال والبقية قادمة حيث يعمل الأميركيون على استنهاض ودعم معارضة يمينية منظمة وفاعلة قادرة على الفوز بالانتخابات للتخلص من الحكومات الرافضة لهيمنة الولايات المتحدة وتستلهم قيم الاستقلال والتحرر العالمي من الهيمنة الأحادية عبر الانضمام إلى مجموعة البريكس التي باتت على شفير خسارة العضو اللاتيني الأبرز البرازيل بعد إطاحة الرئيسة روسيف وهي تطورات تكشف حالة من الارتباك وثغرات كثيرة في واقع الحركات والأحزاب التي قادت تلك التحولات الكبرى والهامة في جنوب القارة الأميركية ولكن في الولايات المتحدة مؤسسة استعمارية تدرس الثغرات وتعمل على النفاذ منها بتراكم بطيء عبر ادوات القوة الناعمة التي تطال جميع الخصوم الكبار روسيا والصين وإيران والهند وجنوب أفريقيا.
في التقييم العملي باراك اوباما هو اخطر رئيس اميركي يقود الإمبراطورية في زمن مأزقها وهزائمها ويعوض خسائرها وهو يستعد لحزم حقائبه من البيت الأبيض مكرسا جهوده في استثمار خرافة العداء الأميركي مع الإرهاب التكفيري الذي رعته الولايات المتحدة واستخدمته ليعيد القوات الأميركية إلى العراق الذي غادرته تحت ضربات المقاومة التي فككتها بالنظام الطائفي الذي أرساه بول بريمر وهو يسجل إنجازا اميركيا واستعماريا كبيرا بنشر قوة في سورية التي لم يدخلها جندي اجنبي منذ ثورتها ضد الاحتلال الفرنسي وانتزاع شعبها العظيم لاستقلالها الوطني كما يتحضر تحت الغطاء نفسه أي الإرهاب لغزو عسكري مشهدي في ليبيا تحت شعار مساعدتها في التخلص من الإرهاب تماما كما يفعل في اليمن المستنزف بنتائج حرب الإبادة السعودية المدعومة من واشنطن.