الانتخابات البلدية فألٌ سيّئ على استحقاق 2017؟ نقولا ناصيف
تتزامن جلسات وضع قانون جديد للانتخاب مع إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، كما لو أن الانتخابات النيابية على الأبواب. فضيلة الجلسات الثلاث حتى الآن إجماعها على ما ترفضه، من دون أن تبدو مستعدة لمناقشة ما يمكن أن تتفق عليه
مع أن الجولتين الأخيرتين للانتخابات البلدية والاختيارية ليست فألاً حسناً للزعماء والأحزاب الذين اختبروا لوائح تحالفاتهم، أو دعموا أخرى، أو خسروا عدداً منها، وقد لا يصحّ بالضرورة عدّها قياساً ملائماً للانتخابات النيابية المقبلة، إلا أن مراجعة نتائجها أوجبت الحذر والتحوط والتوجس حتى.
لم تكن العائلات خصماً وهمياً أو خفياً ما دامت الأحزاب تعرفها، وتغلغلت فيها، كما تأثرت بمزاجها، ولا وفاء التحالف وتجيير الأصوات كان ناجعاً وصادقاً ومطلقاً في اللوائح، بل كانت المفاجأة ثالث المتحالفين أو رابعهم أو خامسهم.
وأياً تكن الحجج التي سيقت في قراءة النتائج، سواء لتبرير نجاح الأحزاب، أو إظهار ثبات زعامة البيوت ومرجعيتها ودوام بقائها، وقد عدّت نفسها فائزة أيضاً، كما بالنسبة إلى ظهور منافسين مجازفين جدد لهذين الفريق، إلا أن التصويت السلبي في عدد من بلديات المدن الكبرى الساحلية، كما الريفية، أظهر نبرة احتجاج عالية الصوت. تبعاً لذلك، من شأن الجولتين الأخريين جنوباً وشمالاً أن تفضي إلى خلاصة مماثلة.
وقد ينتظر الجنوب ما أدركه البقاع عندما ارتفعت أصوات احتجاج سلبية ما دامت لا تقترع للمقاومة، ونظرت إلى اللوائح التي يدعمها حزب الله على أنها لوائح حزب وحركة سياسية ليس إلا، تصيب وترتكب، تماماً على غرار التصويت السلبي في انتخابات بلدية بيروت. فصل المقترعون، المسيحيون كما عدد وافر من المسلمين، بين الشعار الذي رفعه ائتلاف الأحزاب معولاً على صورة رفيق الحريري لاجتذاب الناخبين، وبين الواقع المزري الذي انتهت إليه أحوال العاصمة وطبقتها السياسية وروائح الفساد والفضائح. ما إن تردد الفريقان السنّي والشيعي في شدّ العصب المذهبي، أحدهما في مواجهة الآخر على غرار ما يفعلان في الانتخابات النيابية، حتى ارتفعت أصوات الاعتراض والاحتجاج والتصويت الضد.
وبمقدار ما أعادت الانتخابات البلدية والاختيارية إلى الناخبين تمرينهم على الاختيار، في أول اقتراع يعبرون به لستّ سنوات خلت، أهدرت فيها مرتين انتخابات نيابية عامة عامي 2013 و2014، بدا التفكير في الانتخابات النيابية في حزيران 2017 مصدر قلق للأفرقاء جميعاً. في ظاهرهم يرفضون قانون 2008، وفي باطنهم لا يريدون الاتفاق على قانون جديد للانتخاب. بيد أنهم سيكونون أكثر إحراجاً حيال تمديد ثالث بعدما اعتادوا في السنوات الثلاث المنصرمة على هذا الخيار.
على نحو كهذا، للانتخابات البلدية والاختيارية قراءتان: حسابية تتلهى بها المجالس الفائزة، وسياسية يتوقف الأفرقاء المعنيون عند دلالاتها كمؤشر إلى اتجاهات جديدة للناخبين في الاستحقاق المقبل. تعكس وجهة النظر هذه الجلسات الثلاث للجان النيابية الخمس التي تناقش قانون الانتخاب، وستعود إلى الاجتماع في جلسة رابعة في 26 أيار.
إلى الآن، اكتفت الجلسات الثلاث بحصيلة يتيمة هي الاتفاق على حصر المناقشة باقتراح قانون انتخاب مختلط يجمع التصويتين النسبي والاكثري، وفق صيغتي الرئيس نبيه بري (توزيع المقاعد مناصفة بين التصويتين) واقتراح تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية (68 مقعداً أكثرياً في مقابل 60 مقعداً نسبياً). بعدما ناقشت المادة الأولى من مشروع النسبية الذي تقدمت به حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، واختلفت عليها، ارتأت اللجان الانتقال للفور إلى صيغتي القانون المختلط وصرفت النظر عن الاقتراحات الـ15 الأخرى. يخلص رئيس مجلس النواب إلى بضعة انطباعات حيال أعمال اللجان المشتركة حتى الآن:
أولها، حجم التناقض في المواقف، وخصوصاً في ظل صيغتين للقانون المختلط: «لا يكفي رفض قانون الدوحة كي نتوهم بأن الاتفاق على قانون بديل سهل ويمكن الوصول إليه. العكس هو الصحيح. خشيتي من عدم الاتفاق على قانون جديد، مختلط أو غير مختلط، سيعيدنا مرة أخرى إلى القانون النافذ الذي نقول إننا نرفضه. البعض يريده في أكثر من فريق وطائفة. هناك الآن مَن يمكن أن يستفيد منه كالتحالف المسيحي الجديد الذي بات في وسعه، مثلاً، التحرّر من الصوت الشيعي في جبيل وكان يرجح الكفة، والصوت الشيعي في كسروان وإن بـ1200 صوت، والصوت السنّي في زحلة». ثانيها، حسم الخيارات والتسليم بالتصويت المزدوج، الأكثري والنسبي في آن. وهي المرة الأولى يوضع الاقتراع النسبي ــ وإن جزئياً ــ في منزلة جدية ويتحوّل إلى مادة مناقشة بعدما اكتفي حتى الآن برفضه والتهرّب من الخوض فيه.
ثالثها، يتمسك بري بصيغته للقانون المختلط ويلاحظ أن المعترضين عليها لا ينتقدونها، إلا أنهم لا يريدونها بسبب توجسهم من النسبية: «في اقتراحي النسبية مناصفة مع التصويت الأكثري. في اقتراحهم يغلّبون الأكثري على نحو يجعلهم يعتقدون بأنهم بذلك يربحون الانتخابات النيابية على قوى 8 آذار. لم تعد هناك 8 آذار كي يربحوا عليها. ولا هم أيضاً لا يزالون قوى 14 آذار كما يعتقدون. البعض يتصرّف كأننا لا نزال في عام 2005، وثمة مَن يريد أن يأخذ كل شيء ويربح كل شيء. وهو يعرف أن الأمر ليس كذلك، ولم يحصل مرة كذلك». في حجج رئيس المجلس أن اقتراحه يطمئن المسيحيين إلى انتخاب نوابهم أكثر من أي صيغة متداولة حتى الآن: «يفضي إلى انتخاب 52 نائباً مسيحياً وعدد من النواب المسلمين بأصوات المقترعين المسيحيين. لا دوائر جديدة في الاقتراح. التصويت الأكثري في الأقضية الحالية، والتصويت النسبي في المحافظات الحالية. ما إن تدخل في تقسيمات جديدة تقع في المحظور والخلاف».
في الحصيلة، يؤدي الاقتراح، يقول، إلى «نشوء طبقة سياسية جديدة لا أحد يسعه سلفاً الاعتقاد بأنه سيربح الأكثرية المطلقة، بل لن تكون هذه الأكثرية في يد احد، وإنما تبعاً للتحالفات داخل المجلس». يعتقد أيضاً بأن اقتراحه يفقده مقعداً في صور وآخر في مرجعيون. يرجح أن تنقص كتلته نحو أربعة نواب في أحسن الأحوال: «أنا راضٍ بذلك، بينما هم لا».
(الأخبار)