نصرالله : الثقة والمصداقية
غالب قنديل
حسم السيد حسن نصرالله في خطابه المكرس لذكرى القائد الشهيد مطفى بدر الدين اكثر من قضية ومسألة وهو رسم قاعدة جديدة في منظومة الردع الاستراتيجي تتجسد بالتزام حزب الله الردخارج مزارع شبعا على أي استهداف صهيوني لأي مناضل من حزب الله وهو بذلك يوسع من دوائر الرد الرادع بما يتخطى حلقة المزارع التي حصر ضمنها نطاق الرد المقاوم حتى الأمس ولعل الأبرز بعد أسبوع من الجدل والتشويش المعادي هو تثبيت منظومة الثقة والمصداقية التي ميزت تجربة حزب الله كحركة مقاومة ومن البارز أيضا ما عبر عنه قائد المقاومة من مرارة يثيرها ظلم “ذوي القربى” مقابل “إنصاف” العدو .
أولا مقابل الاعتراف الصهيوني لحزب الله بصدقيته المتراكمة تاريخيا وقع الإعلام العربي واللبناني في حمى حملات الكراهية والتحريض التي تستهدف المقاومة وخلافا لأخلاقيات المهنة وقواعدها وأصولها بات مقبولا ان يكتب صحافي معروف بعدائه للمقاومة مشككا برواية حزب الله عن استشهاد قائده الجهادي قرب مطار دمشق من دون أي وقائع صلبة أو معطيات تتيح التساؤل والشك او ان يعلق إعلامي آخر على إحدى الشاشات خارجا عن أصول التخاطب متخطيا كل اعتبار للياقة او التهذيب او لحرمة الموت وكرامة النفس البشرية والغاية من كل ذلك هي إثارة البلبلة والطعن بمصداقية المقاومة وزرع الشكوك في صفوف جمهورها وقد تبدى خلف ذلك فعل منظم لآلة ضخمة من وسائل الإعلام التي جندت دفعة واحدة وبصورة غير مجانية طبعا في جوقة ضجيج وشكوك وتساؤلات غير بريئة جرى رميها في الفضاء الإلكتروني وعلى شاشات البث الفضائي بين المحيط والخليج وتجندت لها طوابير إعلامية غير محدودة .
ثانيا من غير الطبيعي وغير المألوف ان تنجح تلك الحملة في إثارة تساؤلات وشكوك عند بعض انصار المقاومة وداعميها من الإعلاميين الذين اجتهد بعضهم باستباق البيان الرسمي لحزب الله وبتقديم رواية الغارة الصهيونية التي تم ترويجها من باريس وقد واصل البعض تكرار روايته كأنما علق في الورطة التي لا فكاك منها وقد أثار بعض الوطنيين وحسني النوايا جدالا غير صحي حول الموضوع وكأن قيادة المقاومة تخفي حقيقة ما جرى ولا تريد اتهام العدو الصهيوني باغتيال احد قادتها الكبار وهنا سدد خطاب السيد نصرالله في كبد الحقيقة عندما عرض القواعد المنهجية لتعامل المقاومة مع هذا الحدث وأي حدث مشابه بصدق وامانة التزاما بنهجها الذي عرفت به واعترف لها العدو بثباته ورسوخه فمن المفترض دائما انتظار ما تعلنه المقاومة بنفسها والتعامل معه وبثقة كاملة بصدق المقاومة وبشجاعتها وبحرصها على تسمية الأمور بأسمائها أيا كانت الظروف كما عرفت منذ انطلاقتها.
ثالثا لا تخجل المقاومة بخياراتها التي تتخذها بوعي وتصميم وهي تحركت قبل سنوات إلى سورية مدركة ان قوى التوحش الإرهابي التكفيري هي راهنا أخطر اطراف المعسكر المعادي وأشدها نشاطا وعدوانية وهي امتداد عضوي للحلف الأميركي الصهيوني ومحاربتها هي التعبير الأمثل راهنا عن مقاومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على البلاد العربية وهي المهمة المركزية لأي حركة مقاومة تحررية وهذه هي الحقيقة التي أعاد السيد نصرالله تثبيتها في خطابه فالقتال في سورية والعراق ولبنان ضد وحش الإرهاب التكفيري الذي تقوده وتحركه منظومة الهيمنة الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة وكيان العدو والحكومات العميلة والتابعة تتقدمها المملكة السعودية هذا القتال هو المهمة المركزية الراهنة لأي حركة تحرر واستقلال في الوطن العربي وكل من لا يتبنى هذه الفكرة بوضوح أو يتعامل مع فصائل الإرهاب والتوحش بمنطق الخصومة السياسية واختلاف وجهات نظر خارج منطق التناقض الوجودي والمصيري إنما هو ضحية للدعاية الأميركية المضللة ولكذبة ان شبكات التكفير هي قوى معارضة وليست تهديدا وجوديا يخدم اميركا وإسرائيل وحكومات المنطقة العميلة لهما.
رابعا في سورية بالذات تكتسب المهمة ثقلا واهمية من كونها دفاعا استراتيجيا عن محور المقاومة والاستقلال في المنطقة وحيث كلفت جماعات التكفير والتوحش بتعويض العجز الصهيوني عن شن حروب جديدة وقد وجدت الولايات المتحدة والحركة الصهيونية العالمية ان الأقل كلفة لتعويض هزائم الكيان الصهيوني هو مشروع التدمير الشامل لمجتمعات المنطقة ودولها وجيوشها الوطنية بواسطة نشر التوحش التكفيري .
أعاد السيد نصرالله تركيز النظرة الصحيحة إلى ما يجري في سورية فالحرب الكونية على هذه الدولة الوطنية العربية سببها انها دولة تحررية مستقلة مناهضة للاستعمار والصهيونية ولعبت دورا مركزيا في احتضان قوى المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق ورفضت تقديم التنازلات في الصراع ضد الكيان الصهيوني وهذه السورية المستهدفة هي التي حافظت على مبادئها وثوابتها القومية والوطنية وتمسكت باستقلالها رغم كل ما عرض على الرئيس بشار الأسد من إغراءات في المساومات السياسية لنقل سورية من ضفة إلى ضفة في المنطقة وهذا ما يجعل المساهمة العزيزة لحزب الله في الدفاع عن سورية دفاعا عن الشرق العربي برمته وعن سورية ولبنان وعن فلسطين بالذات.