أوباما لن يغلق الملفات
غالب قنديل
تظهر القيادة الروسية تصميما وعنادا كبيرين في اختبار الاستعداد الأميركي للعمل على تجسيد العديد من الاتفاقات والتفاهمات التي تتعلق بجبهات الحروب الأميركية الفاشلة والمتعثرة ويمكن الاستنتاج بعد أشهر من الخيبات والنكسات والانقلابات ان إدارة الرئيس باراك اوباما لا تظهر جدية كافية في التقاط فرص التفاهم مع روسيا بل إنها تتخذ خطوات استفزازية جديدة اقلها تمدد الحلف الأطلسي في اوروبا الشرقية وتعزيز حشد الأساطيل على مقربة من الحدود البرية والمياه الإقليمية الروسية.
اولا يتخطى الأمر واقعيا حدود ما سمي بالهدنة في سورية بما فيها من مكاسب ومن ثغرات حيث قاد الأميركيون لعبة خبيثة لتعزيز قدرات العصابات الإرهابية بالشراكة مع تركيا والسعودية.
كشف الخطاب العدواني لجون كيري حول الموضوع السوري تهديدا بالعودة إلى نقطة الصفر خصوصا لجهة الحديث عن خطة بديلة لمساعي التسوية مناقضا شروحات رئيسه عن حيثيات التراجع عام 2013 عن التهديد بضرب الجمهورية العربية السورية وغزوها عسكريا بدلا من مواصلة الحرب بالوكالة التي ما تزال الإدارة الأميركية تتولى قيادتها فعليا ولو تلطت احيانا خلف واجهة حلف العدوان من الحكومات العميلة والعصابات الإرهابية وجيوش المرتزقة التي تنشط في الميدان السوري بعدما حشدتها الولايات المتحدة والحكومات العميلة والشريكة.
ليس أدل على التلاعب الأميركي من المجادلة في طلب إخراج فرع شبكة القاعدة الرسمي جبهة النصرة من لوائح الإرهاب وممارسة ابتزاز غايته حماية تشكيلين تكفيريين آخرين هما جيش الإسلام وحركة احرار الشام امام التصميم الروسي المسند بالوثائق على تصنيفهما ضمن قوائم الإرهاب وقد تم إحباط المسعى الروسي جهارا حتى الساعة فالولايات المتحدة صانعة الإرهاب وراعيته مع عملائها تستخدمه لشن حروبها بالوكالة وكذريعة لتدخلاتها الواسعة وهي تريده قوة استنزاف مانعة للنهوض السوري.
ثانيا ما يلفت الانتباه رغم الابتسامات العريضة والمصافحات الدبلوماسية الحارة هو ان روسيا تواجه حاليا تصعيدا اميركيا عدائيا للحملات التي تستهدفها مباشرة وتنسف الوقائع كل ما افترض ناقدو الهدنة السورية والمحتجون على الحماسة الروسية للتقيد بأحكامها انه مقايضة للحصول على تنازلات أميركية في الملف الأوكراني ولتراجع موعود افتراضيا في وتيرة العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية ضد روسيا فالحاصل العملي هو العكس تماما بل إن الدرع الصاروخي والحشد الأطلسي في اوروبا الشرقية وخطوات عدوانية اخرى إضافة إلى التصعيد السياسي والإعلامي الغربي تكشف جميعا اننا لسنا في مناخ صفقات روسية اميركية بل في جو مشحون وتصادمي رغم المبالغات الكلامية والمجاملات الفارغة بين وزيري الخارجية الروسي والأميركي .
الحقيقة التي ترسخها الأحداث هي أن الولايات المتحدة تفتح المسارات السياسية بعد فشل الحروب العسكرية او تعثرها وتمارس كل ما يلزم من المناورات والمساومات لتمرير ما تسمح به التوازنات من شروطها المنافية للسيادة والاستقلال مباشرة او بالواسطة وهي تقدم اوسع تغطية سياسية وإعلامية لمناورات عملائها. هذه هي حقيقة ما يجري في الموضوعين السوري واليمني حيث الهاجس الأميركي الرئيسي هو منع أي حصيلة سياسية تسمح للرئيس بشار الأسد بإعلان النصر كما قال اوباما شخصيا في حواره مع مجلة اتلانتكس كما تريد الإدارة الأميركية الحؤول دون ظهور هزيمة سعودية واضحة في اليمن وبينما تراوغ وتناور سياسيا تقوم الإدارة نفسها بإرسال مزيد من وحداتها العسكرية إلى سورية واليمن كأنما هي تحضر رؤوس جسور لتدخلات اوسع قد تتجه نحوها الإدارة الجديدة بعد الانتخابات وهي قامت بالشيء نفسه في ليبيا المرشحة لقرار بالغزو الأميركي قد يكون قريبا وربما قبل الانتخابات او بعدها بقليل.
ثالثا لفهم أوسع وأعمق للسلوك الأميركي يطرح السؤال : ماذا جنت إيران حتى الساعة من الوعود الأميركية والغربية التي صاحبت توقيع الاتفاق النووي ؟ بالإجابة على هذا السؤال يؤكد العديد من الخبراء ان الحاصل هو فوق الصفر بقليل على الصعيدين السياسي والاقتصادي والمالي فأولوية الدول الغربية هي استكشاف فرص العقود او الغنائم التي تسعى خلفها في إيران بينما هي تحكم قبضتها على الودائع الإيرانية وتحمي منظومة الحصار والعقوبات التي ما زالت تقيد النشاط التجاري والمصرفي والاقتصادي الإيراني بما في ذلك استمرار حجز ودائع إيرانية ضخمة وعرقلة فتح الاعتمادات التجارية والتعاملات المصرفية التي تريح الاقتصاد الإيراني وتسهل انفتاحه على العالم وهذا الأمر ينطوي على تخطيط أميركي وغربي يستهدف الجمهورية الإسلامية واستقلالها ودورها عبر الابتزاز والضغوط وهو ما سبق ان حذر منه فعليا السيد الخامنئي مرشد الجمهورية.
تقترب الشهور الباقية من ولاية الرئيس الأميركي من خواتيمها ويتأكد بالدليل القاطع ان تحول التوازنات الذي أرغمه على قبول الدور الروسي الصاعد والاعتراف به وأكرهه على السير في طريق التفاوض مع إيران كما أرغمه على التراجع عن قرار ضرب سورية ذلك التحول وبخطوات تستهدف تأكيده في ميادين الصراع السياسي والعسكري هو وحده الذي يرغم الولايات المتحدة على تنفيذ التعهدات التي عهد الرئيس الأميركي إلى وزيره الدجال المنافق جون كيري التلاعب بها والتنصل منها ولن يفيد الوزير الفطين سيرغي لافروف في الحد من تلك المناورات كلام من نوع ” نحن لا ندعم الرئيس بشار الأسد ” فهذا الرئيس هو زعامة وطنية وشعبية سورية وقائد يدافع عن شعوب العالم وعن حقها في التحرر من هيمنة الاستعمار وهو ركن في محور المقاومة والاستقلال اتاح لروسيا بصموده وبصلابته ان تسترجع مقعدها المقرر في معادلات العالم امام الهيمنة الأميركية الصلفة والوقحة التي لم توفر سبيلا للتدخل في العمق الروسي وليس فحسب في المحيط الحيوي للقوة العظمى المنافسة.