اغتيال ذوالفقار: البديل جاهز ومروحة واسعة للردّ «الساخن» و«البارد» ابراهيم ناصرالدين
عملية اغتيال الشهيد مصطفى بدرالدين ليست حادثا عابرا يمكن تجاوزه بسهولة، «نوعية» الشخص المستهدف واهميته على رأس الهرمية العسكرية في حزب الله، وتوقيت اغتياله في لحظات مفصلية تمر فيها الحرب على المقاومة في ظل استهداف غير مسبوق على المستويات العسكرية والامنية والمالية، تشير الى ان المنطقة قد دخلت في مرحلة دقيقة وخطرة، بعد ان تجاوز «اعداء» الحزب كل «الخطوط الحمراء» في حربهم الاستئصالية المفتوحة… اهمية الشهيد يعرفها كل «الخصوم» ويدركون جيدا ماهية الدور الذي يقوم به او الذي قام به سابقا، اغتيال «ذوالفقار» معنويا قبل سنوات، عندما الصقت به تهمة التورط في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يكفي للدلالة على حجم «الضرر» الذي تسبب به الشهيد لكل الاجهزة الامنية الدولية والعربية التي كانت تلاحقه…
بحسب اوساط مطلعة فان خطورة عملية الاغتيال لا تكمن فقط في كيفية التنفيذ او ما يصطلح على تسميته «الضغط على الزناد»، بل في اتخاذ قرار التصفية، هذا القرار يحتاج الى موافقة صريحة من اعلى مرجعية سياسية لدى الجهة المنفذة، لان من اتخذ القرار يدرك جيدا انه ادخل الصراع في طور جديد ستكون له حسابات اخرى مختلفة… ومن هنا ستتعامل قيادة المقاومة مع الجريمة بقدر كبير من المسؤولية والحكمة لان الموقف يحتاج الى الكثير من التدقيق والمتابعة والرصد لان الاحتمالات مفتوحة على «مصراعيها»، وهي تتدرج من كون هذه العملية مجرد استهداف موضعي للشهيد بمجرد ان اتيحت الفرصة للجهة المنفذة، وصولا الى احتمال ان تكون مقدمة لما هو اكثر خطورة على المستوى العسكري والامني… طبعا الفرق بين هذين الاحتمالين ليسا تفصيلا صغيرا ويتوقف عليهما الكثير من الامور لعل اهمها تقدير حجم رد الفعل وتوقيته…
وفي هذا السياق ترى تلك الاوساط، ان حزب الله يدرس خياراته «بعقل بارد»، هو يملك «مروحة واسعة» للرد على عملية الاغتيال وهو يملك هامشا كبيرا يتجاوز ما كان بين يديه عندما استشهد الشهيد عماد مغنية، فساحات المواجهة مع اعداء المقاومة سواء كانت اسرائيل، او غيرها من المتورطين توسعت بعد العام 2011، لم يعد الامر محصورا في جبهة الجنوب وخطوط التماس المعتادة مع الاسرائيليين، سواء في الخارج او الداخل او على الحدود، ولائحة «الاعداء» باتت اكثر اتساعا، والحرب معهم باتت علنية بعد سنوات مع حروب خيضت من «وراء الستار»، ومن استهدف «ذوالفقار» لم يكن يستهدفه كشخص وانما استهدف دوره على رأس مجموعة من القيادات الرفيعة المستوى من حزب الله تعمل في اطار ادارة مسرح العمليات القتالية والامنية الممتدة من لبنان وفلسطين المحتلة مرورا بسوريا والعراق وصولا الى الساحة اليمنية… المعروف ان الشهيد كانت له بصماته الاساسية والمؤثرة في المشهد السوري، لكن ما خفي اعظم، والكشف عنها يخضع لتقديرات السيد حسن نصرالله في اطلالته المقبلة… لكن المعلومات تشير الى انه جرى مؤخرا توحيد مختلف الجبهات السورية تحت قيادته، في اطار استراتيجية كان قد انتهى من وضع اللمسات الاخيرة عليها بالتنسيق مع الايرانيين والسوريين، لاعادة تزخيم العمل العسكري النوعي «لقلب» المشهد الميداني السوري خلال الاشهر القليلة المقبلة، وهو ما اصطلح على تسميته بـ«لهيب الصيف»… لكن شكل رد حزب الله وتوقيته سيبقى غامضا، توسع جبهات القتال يعطيه «اريحية» في اختيار ما يناسبه من اهداف سواء كانت عبر عمليات امنية موجعة تستهدف شخصيات محددة، او عمليات عسكرية نوعية تكون «رسالة» عملية الى من يعنيهم الامر بأن غياب «قامة» كبيرة وقيادي متقد الذكاء من الرعيل الاول، لم يترك اضراراً جسيمة في «جسد» و«رأس» المقاومة.. ولذلك فان الرد قد يكون هذه المرة «ساخنا» في الميدان العسكري «وباردا» امنيا»…
وتجدر الاشارة في هذا الاطار الى ان حزب الله نجح عقب استشهاد الحاج عماد مغنية في ايجاد صيغة مرنة لتعويض اي خسارة في «رأس الهرم» القيادي، من خلال آلية مرنة او ما يسمى عملية اعادة هيكلة تنظيمية تسمح بملء اي فراغ تلقائياً، وعدم منح الاعداء اي فرصة لاستغلال اي عملية اغتيال، والنفاذ من اي خلل تنظيمي محتمل الى دوائر أخرى، اي بمعنى آخر، اقفال «الدوائر» لكي لا تتأثر مجمل الوحدات الامنية والعسكرية بأي عملية فقدان لرأس وحدة قتالية او امنية، وحلول البديل تلقائيا في موقع القيادة دون الحاجة الى مرحلة انتقالية عادة ما تؤدي الى نوع من «الشلل» في اي جهاز يمر في مرحلة انتقالية بين قيادة قديمة واخرى جديدة، ومن الواضح ان حزب الله قد نجح في تجاوز هذه المعضلة…وهذا يعني ان «البديل» جاهز وباشر ممارسة مهامه…
في هذا الوقت من السابق لاوانه معرفة المعطيات والملابسات الكاملة المحيطة بعملية الاغتيال، التحقيقات التي يجريها حزب الله والاجهزة الامنية السورية ستكشف جزءاً قليل منها، وستبقى الكثير من المعطيات طي الكتمان، حفاظا على سلامة التحقيق، وللاستفادة من عامل الغموض، خصوصا ان بعض اخفاء بعض»الخيوط» سيساعد في فك «احجية» هذه العملية الامنية والعسكرية المعقدة والتي تحتاج حكما الى تعاون اكثر من جهاز امني لتنفيذها…
ووفقا لقواعد التحقيقات لا تستبعد الجهات المعنية اي فرضية، وهي تبدأ من «فوق» الى «تحت»، بمعنى آخر من «الدائرة الكبرى» الى «الدائرة الصغرى»، فالامر يحتاج الى توسيع نطاق العمل من اللحظة التي انطلق منها الشهيد اي «النقطة صفر» الى مكان استشهاده، ثمة حاجة ضرورية لمعرفة عدد الاشخاص الذين عرفوا بوصوله الى الموقع المستهدف، الطرقات التي سلكها، وغيرها من التفاصيل الميدانية المرتبطة «بالتمويه»، «الاستعلام» البشري قضية على مستوى كبير من الاهمية، وطريق واسلوب الاستهداف وغيرها من الادلة، ستعطي صورة واضحة عما حصل خلال الساعات القليلة الماضية…
لكن الشيء الاساسي الذي يعرفه العاملون في الحقل الامني، ويجب ان يعرفه الجمهور، هو الاجابة عن السؤالين المركزين على كيفية نجاح المنفذين في رصد «ذو الفقار»، وهل يمكن اعتبار ذلك مؤشرا على وجود اختراق امني؟ بحسب تلك الاوساط، لا يمكن استباق نتائج التحقيق ولكن في حالة مشابهة لا يمكن توصيف ما جرى بانه انجاز امني «خارق» للجهة المنفذة، خصوصا اذا كان المستهدف هو مصطفى بدرالدين، الملاحق من اهم الاجهزة الاستخباراتية الغربية والعربية والاسرائيلية، ولا شك ان تفعيل التعاون بين هذه الاجهزة قدم مساهمة كبيرة في عملية الاغتيال، لكن النقطة الجوهرية هي ان الشهيد لم يكن في الاشهر القليلة الماضية يقوم بمهامه من «تحت الارض»، بل مهماته التي توسعت داخل سوريا فرضت عليه الخروج اكثر الى «النور»، وهذه الخطوة كفيلة بتسهيل المهمة امام اعدائه الذين يتربصون به، والمعروف في «عالم الامن» ان تأمين الحماية المطلقة لاي شخصية مستهدفة لا يمكن ان تتحقق الا اذا كانت بعيدة عن «الاضواء»، ومجرد خروجها من «الظل» يعني انها باتت هدفاً متاحاً في اي زمان ومكان…
وفي الخلاصة، يدرك من نفذ عملية اغتيال الشهيد مصطفى بدرالدين انه الحق الاذى بحزب الله، لكنه يدرك انه من الصعب الحاق الهزيمة به، يدرك هؤلاء من خلال التجربة انهم لا يستطيعون تغيير اولويات الحزب الداخلية او الخارجية، من يريد تغيير»قواعد اللعبة» في المنطقة ستطاله نيرانها، عندما اسقط رجب طيب اردوغان الطائرة الروسية اخطأ التقدير فجاء «الدب» الى «كرمه» وتغيرت المعادلة السورية، ومن اتخذ في اسرائيل قراراً باغتيال السيد عباس الموسوي اقر لاحقا بارتكاب «خطيئة» وصول السيد نصرالله… «ذوالفقار» ومن معه من قادة استطاعوا ملء فراغ الحاج «رضوان»… ومن اغتاله سيدرك قريبا انه «حسبها غلط»…
(الديار)