حزب الله مقابل النصرة؟
ناصر قنديل
– لم يعُدْ محرجاً لـ«إسرائيل» ولا محرجاً للسعودية وتركيا ولا محرجاً للقاعدة الظهور كحلفاء في حرب واحدة، فاغتيال الشهيد القيادي في المقاومة مصطفى بدر الدين لا يأتي كحلقة في تصفية حساب مفتوح بين «إسرائيل» والمقاومة وحسب، وهي تقيم الحساب الدقيق لمخاطر الانزلاق لمواجهة تحكمها موازين ردع تعرف جيداً نتائج الاحتكام إليها والذهاب حتى النهاية، وكلّ شيء يقول إنّ تشكيلات القاعدة المتعددة مستفيدة مباشرة من العملية، بتوجيه ضربة لقيادة القوة المحورية في المواجهة التي تخوضها في سورية والتي تستعدّ لجولة حاسمة في شمال سورية.
– لو لم تكن «إسرائيل» ولو لم تكن أميركا على خط الاغتيال، لما كانت «جيروزاليم بوست» سجلت سبقاً بنشر خبر قيام طائرة «إسرائيلية» بإطلاق صاروخ موجّه على مقرّ عمليات حزب الله قرب مطار دمشق، واغتالت الشهيد القيادي بدر الدين، بل لبادرت «إسرائيل» إلى نفي أي صلة لها بالعملية، مضيفة أنّ بدر الدين كان على لائحة أهدافها، لكنها ليست من اغتالته، وثمة سوابق مشابهة فعلت فيها «إسرائيل» ذلك، على عكس أميركا التي تنفي في معرض التأكيد أن تكون إحدى طائراتها فوق منطقة اغتيال الشهيد بدر الدين في توقيت العملية، ما يعني أننا وفقاً لما تقوله الوقائع في السياسة لا مبرّر لانتظار النتائج التحقيقية الميدانية إلا لمعرفة حدود الدور الأميركي والدور «الإسرائيلي» ودور كلّ من تركيا والسعودية و«القاعدة».
– تقدُّم أميركا و«إسرائيل» على العملية لتقولا أشياء كثيرة، أولها أنّ اتفاقاً بين أطراف حلف الحرب هذه قد تمّ على عدم السماح بأن تتمّ نهاية حرب سورية وفقاً لصيغة تتيح لحزب الله أن يخرج منتصراً، وتكون «إسرائيل» فيها تحت سيف التهديد، وأنه إذا كان لا بد من حرب فلتكن والجميع منخرط فيها، فمستقبل المنطقة مترابط ومتشابك، وهزيمة تركيا والسعودية بجيشهما الموحّد الذي يمثله تنظيم القاعدة، بما تعنيه من نصر لسورية ومحور المقاومة، تعني تهديداً للمصالح الأميركية، خصوصاً لأمن «إسرائيل»، ولذلك فالعجز عن خوض حرب رابحة بوجه محور المقاومة لا يجب أن يرتّب تسليماً بالهزيمة الكاملة، بل خوض حرب تحديد سقف تسوية لا منتصر فيها من زاوية الخيارات المفصلية لمستقبل المنطقة، تسوية لسورية التي لا تستطيع العودة قاعدة للمقاومة، ولا سنداً لفلسطين، تسوية تبقى فيها جيوب سياسية واجتماعية وأمنية فاعلة لكل من السعودية وتركيا تحمي المصالح الأميركية وتحفظ أمن «إسرائيل».
– تعرف أميركا و«إسرائيل» ويعرف التركي والسعودي أن هذه التسوية غير ناضجة، وأن قبولها من كل أطراف محور المقاومة مستحيل، وأن حرباً فاصلة لا بدّ منها لرسم توازنات استحالة النصر، وعرض مقايضة تقسيم سورية بتسوية تفخِّخ سورية وتحول دون عودتها قلعة لمحور المقاومة. وهذه وظيفة حرب الشمال، ولو تحوّلت إلى مشروع حرب إقليمية كبرى تنتهي بتسوية إقليمية كبرى، تكون «إسرائيل» شريكاً فيها وتحظى عبرها بالضمانات اللازمة لأمنها، ومستقبل وجودها، أو حرب استنزاف متصلة تنهك القوة التي يمثلها حزب الله في محور المقاومة حد إخراجه من المعادلة، وجعله شريكاً كسيحاً في هذا المحور، وإلغاء حضوره كقيمة مضافة يمنح وجودها في احتفال النصر بريقاً استراتيجياً، يؤشر على مستقبل المنطقة، ولذلك تلتقي طرق هذه الحروب الثلاثة عند حزب الله وتتقاطع عند إضعافه وحصاره واستنزافه، وقتل قادته، وملاحقته بالعقوبات والحملات الإعلامية وصولاً لتصنيفه إرهاباً ومعاملته على هذا الأساس، وهو ما قالته عملية الاغتيال، وقالت معه كيف يتوزّع الحلفاء الأدوار والمسؤوليات.
– الاغتيال إعلان أميركي «إسرائيلي» بأن الحرب المفتوحة مع حزب الله لن تخاض بعد إقفال الجرح السوري، وإعلان للتركي والسعودي للقاعدة بالقتال حتى الفوز بالشمال السوري ومقايضته بتسوية تضمن حصصاً يتوزّعها الجميع، ويتقاسمون عائداتها وفي المقدّمة «إسرائيل»، وأن أميركا ستتولى رعاية تسويات مؤقتة، كلما بان في الأفق نصر لمحور المقاومة، وصولاً لحسم أمر السيطرة على شمال سورية وعرض التسوية التي تناسب حلف الحرب، وفي قلب هذه التسوية مكانة جديدة لحزب الله، خروج مهين من سورية والتزام بمقتضيات الأمن «الإسرائيلي»، وارتضاء دور متواضع في الداخل اللبناني، والاغتيال يترافق مع حملة لبنانية خبيثة تكشف الأهداف، ومع تولي جيفري فيلتمان ملف القرار 1559 تحضيراً لفتح ملف سلاح المقاومة مجدداً. فالحرب على كل الجبهات، وعنوانها حزب الله مقابل النصرة، وهذا هو تفسير قرار الاحتلال بإعلان ضمّ الجولان مجدداً، إما تعويم النصرة على حدود الجولان أو إبعاد حزب الله كخطر عن هذه الحدود أو تسوية تضمن أمن «إسرائيل» الاستراتيجي وتكون هي جزء عضوياً في تكوينها. وها هي الطلقة الحاسمة في الحرب التي تبدأ ويُراد لها رسم مسار تحقيق هذه الأهداف.
– ستقول المقاومة قراءتها وتحدّد منهجها في التعامل مع الاغتيال كفصل من فصول الحرب، وسيكون الرد، وستكون حرب شمال سورية كما كانت بالأصل هي حرب الشهيد مصطفى بدر الدين.
(البناء)