شهور فاصلة في سورية
غالب قنديل
قدر سورية ان تكون المفصل التاريخي الذي يقرر توازنات المنطقة والعالم والمعادلات الدولية الجديدة في زمن التحولات الكبرى الاقتصادية والسياسية ومع تراجع الهيمنة الأحادية الأميركية التي سادت لربع قرن من الزمن منذ انهيار الاتحاد السوفيتي .
جميع المقدمات تؤكد ان الأشهر المقبلة ستكون صعبة وحاسمة كما نوه السيد حسن نصرالله في كلمته الأخيرة ويبدو من المؤشرات السياسية أن الأمور تتجه إلى جولات عسكرية مصيرية ستكون نتائجها هي الرصيد المكون لمسار الصراع عشية الانتقال الأميركي إلى عهد رئاسي جديد ستبقى سياساته الخارجية في دائرة السؤال حتى ربيع العام 2017 كما هي حال مراحل الانتقال في البيت الأبيض .
أظهرت اجتماعات باريس تمسك دول الناتو والحكومات الإقليمية المتورطة في العدوان على سورية بدعم عصابات القاعدة ومثيلاتها من خلال رفض الطلب الروسي لإدراج كل من “جيش الإسلام” و”كتائب احرار الشام” على لوائح الإرهاب وبالرغم من كمية الوثائق والوقائع التي أرفقت بالطلب يبدو واضحا ان مناورات حلف العدوان بالضغط لإخراج القاعدة وفرعها الرسمي جبهة النصرة من قوائم الإرهاب وفقا لما كشفه الوزير لافروف أريد منها حماية فصيلين قاعديين يشتركان مع جبهة النصرة وبقيادتها في غرف عمليات واحدة بل يساهمان معها ومع فصائل اخرى ضمن تشكيلات واحدة مثل ما يدعى بجيش الفتح .
الفرز الذي يتمسك به الروس بين الإرهابيين وسواهم سيبدو عملية صعبة ومعقدة ومن المشكوك بالقدرة على إنجازها بأي أداة غير النيران الكثيفة والعمليات القتالية الهجومية على جميع مناطق سيطرة جبهة النصرة وشركائها بحيث يفرض على أي فصيل “راغب” بفك ارتباطه بالقاعدة أن يميز نفسه بمناطق تواجد منفصلة تصلح لشموله بترتيبات وقف القتال وهو ما تردد ان ضباطا روس اقترحوه في آليات تنفيذ وقف القتال في غرفة العمليات المشتركة التي أعلن عن قيامها في جنيف.
المواقف المتخذة من جانب حكومات العدوان تكشف تصميما أميركيا على إطالة أمد الاستنزاف وممارسة ابتزاز سياسي متواصل وهذا يستدعي من حلفاء سورية سلوكا يقطع الطريق على المناورات الأميركية ومما لاشك فيه ان المحاولات الروسية المتكررة في مجلس الأمن الدولي وعبر القنوات الثنائية واللقاءات المتكررة مع جون كيري لم تقطع التسويف الأميركي وكان نتاجها الأقصى هو ضمان التغطية القانونية والسياسية لمواصلة القتال ضد داعش والنصرة وقد أسقط الانتباه الروسي محاولة إخراج جبهة النصرة من قائمة الإرهاب لحماية واجهتين قاعديتين هما جيش الإسلام وكتائب احرار الشام وثمة سواهما العديد من الفصائل التي تعتنق ثقافة القاعدة ونهجها وتتشابك معها في التكوين كما تعلم روسيا بالتاكيد .
لم يكن التسليم الأميركي بوجهة النظر الروسية بمعزل عن تعديل التوازنات وعن تأثير المبادرات الروسية الهجومية في الميدان وإذا كانت واشنطن تتذرع بعناد الحكومات الإقليمية المشاركة في العدوان على سورية فذلك توزيع ادوار تعرفه موسكو بالتفصيل الممل وهو لا ينطلي على احد .
تحرص روسيا على التوظيف الممكن للتفاهمات التي تمت مع إدارة اوباما واستثمار الأشهر الحاسمة المرتبطة بالانتخابات الأميركية مع العلم ان نتائجها ستحمل تغييرات محدودة على نهج الإدارة الأميركية لكن فرص المضي في تنفيذ التفاهمات الروسية الأميركية سوف تختلف بحيث أنه يتوقع مع دونالد ترامب تعزيز التعاون الروسي الأميركي وفقا لتصريحاته وليس الشيء نفسه مضمونا مع هيلاري كلينتون رغم تبنيها الصريح لأولوية الاهتمام بمجابهة الصين لكن علاقاتها الوثيقة بإسرائيل والمملكة السعودية التي كانت خلف دورها العدواني النشط في الحرب على سورية ستضعف سياسة التجاوب مع المساعي الروسية التي تبناها اوباما وألزم بها جون كيري على مضض.
في الحصيلة ثمة جولات حاسمة قادمة في الحرب الوطنية السورية من اجل الاستقلال والخلاص وهي تحتاج عدة صمود عسكري وميداني واقتصادي سيكون على جميع شركاء سورية الكبار المساهمة في حشدها وضمانها فهي ستقرر في حصيلتها الكثير من النتائج الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية التي تطال العالم والمنطقة معا كما تستدعي بالتأكيد مزيدا من الجلد والصبر وعدم التعجل في بذر الشكوك حول سلوك الحلفاء والشركاء لأن ذلك يضعضع جبهة المقاومة والاستقلال ويلبي مصالح حلف العدوان .