الارتدادات الدستورية للانتخابات البلدية بهيج طبارة
في المؤتمر الذي عقدته «طاولة حوار المجتمع المدني» منذ أيام تحت عنوان «من أجل إعادة بناء الدولة»، طُرح سؤال، ما زال يتكرر منذ ذلك الحين، عن مدى تأثير إجراء الانتخابات البلدية في مواعيدها على شرعية مجلس النواب الممدِّد لنفسه مرتين؟
من أجل الجواب على هذا السؤال، لا بد من العودة الى قانون التمديد الذي أقره مجلس النواب في 5/11/2014 وإلى حيثيات قرار المجلس الدستوري الصادر في معرض الطعن بدستورية قانون التمديد.
أما قانون التمديد فقد صدر بمادة وحيدة جاء فيها: «تنتهي ولاية مجلس النواب الحالي بتاريخ 20 حزيران 2017».
وقد استند المجلس لتبرير التمديد على الظروف الاستثنائية.
وبعبارة أخرى، فإن مجلس النواب لم يتعرَّض لموضوع الانتخابات النيابية، فلم يقرر تأجيلها الى موعد معين، بل اكتفى بتمديد ولايته بالاستناد الى الظروف الاستثنائية التي كانت سائدة آنذاك.
أما المجلس الدستوري فقد أكد في قراره رقم 7/2014 على المبادئ الدستورية التالية:
ـ إن دورية الانتخابات النيابية وإجراءها في مواعيدها هو مبدأ دستوري يقتضي الالتزام الصارم به ولا يجوز المس به مطلقاً.
ـ إن تمديد مدة الوكالة النيابية بقرار من مجلس النواب يتعارض مع الدستور ويعرِّض مجلس النواب للطعن في شرعيته وفي شرعية كل ما يصدر عنه.
ـ إن الظروف الاستثنائية التي يمكن أن تبرر تمديد ولاية مجلس النواب هي ظروف شاذة خارقة تهدد السلامة العامة والنظام العام. إلا أن مثل هذا التمديد ينبغي أن يقتصر على المدة الزمنية التي توجد فيها الظروف الاستثنائية فقط.
وباختصار،
يُمكن التأكيد أن المجلس الدستوري، وهو أعلى سلطة قضائية في لبنان، أعلن بوضوح أن التمديد لمجلس النواب الذي يفتقر الى الظروف الاستثنائية هو مخالف للدستور، بحيث أن مجلس النواب الممدَّد له يصبح، خارج هذه الظروف، مطعوناً في شرعيته وفي شرعية كل ما يصدر عنه.
لذلك، فإن إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية على كامل الأراضي اللبنانية، من دون إشكالات تُذكر، يقدم الدليل الحاسم على أن الظروف الاستثنائية التي برَّرت التمديد لمجلس النواب، قد زالت وانتهت، على افتراض أنها كانت موجودة أصلاً.
يترتب على ذلك، وفقاً لاجتهاد المجلس الدستوري، أن مجلس النواب يصبح في وضع غير شرعي، وأن تصحيح هذا الوضع بإجراء الانتخابات النيابية، من دون إبطاء، يكون من أولى واجبات الحكومة.
ولا يُقال إن إجراء الانتخابات النيابية قبل انتهاء مدة الولاية الممدَّدة يحتاج الى صدور قانون جديد من مجلس النواب يجيز إجراءها، إذ إن قانون التمديد، كما أشرنا، لم يتعرَّض لموضوع الانتخابات النيابية ولم يقرر تأجيلها، بل اقتصر على تمديد ولاية مجلس النواب بحجة الظروف الاستثنائية.
إن إجراء الانتخابات هو اليوم قرار بيد الحكومة التي يعود لها أمر تأليف «هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية» وإصدار مراسيم تعيين لجان القيد ودعوة الناخبين. كما يعود لوزارة الداخلية اتخاذ ما يلزم من إجراءات لوجستية لإنجاز العملية الانتخابية وفقاً للقانون.
وهي، أي الحكومة، إن لم تبادر الى الدعوة للانتخابات النيابية، تكون قد أبقت على مجلس فقد شرعيته، وخرقت الدستور، وخالفت صراحة ما أكده المجلس الدستوري لجهة ضرورة:
«إجراء الانتخابات النيابية فور انتهاء الظروف الاستثنائية وعدم انتظار انتهاء الولاية الممدَّدة».
وهل نحتاج إلى التذكير بأن الدستور اللبناني يوازي بين خرق الدستور والخيانة العظمى، ويعتبر في المادة 60 منه أن «لا تبعة على رئيس الجمهورية في حال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العظمى».
إن صلاحيات رئيس الجمهورية، في حال شغور منصب الرئاسة، كما هو الحال اليوم، تناط وكالة بمجلس الوزراء. وقد توافق الوزراء على أن هذه الصلاحيات انتقلت عملياً إلى كل واحد منهم بالتكافل مع باقي الوزراء.
وأنه لا يمكن تصور أن تنتقل الصلاحيات من دون أن ينتقل معها ما يترتب عليها، لدى الممارسة، من تبعات ومسؤوليات.
إلا أننا ما نزال نرجو، ونأمل، أن تُشكِّل الانتخابات البلدية نقطة لانطلاق مسيرة إعادة بناء مؤسساتنا الدستورية وانتظام العمل فيها.
(السفير)