التفاهم الروسي الأميركي… خطوة إلى الأمام؟
ناصر قنديل
– التأني في قراءة ما بين السطور في التفاهم الروسي الأميركي بنسخته الجديدة يوصل إلى الاستنتاج أنّ روسيا التي تلقت عرضاً أميركياً لمطالب سعودية تركية قوامها العودة إلى الوراء في صيغة الهدنة، تتبنّاها واشنطن وعرضها وزير خارجيتها جون كيري، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وقوام العرض تأجيل العمل باستثناء «النصرة» من أحكام الهدنة وحصر هذا الاستثناء بـ»داعش»، والتعاون لتثبيت وقف النار في كلّ المناطق الواقعة خارج نطاق سيطرة «داعش»، مقابل تعهّد بضمان التزام «النصرة» بالهدنة وعودة جماعة الرياض إلى المفاوضات. وكان كلام لافروف حاسماً برفض هذا العرض، ولهذا بقي الوضع متفجّراً.
– بقي التمويه التركي السعودي بشراكة جماعة الرياض على وجود «النصرة» وتوصيف كلّ المواجهة شمال سورية كحرب بين الدولة والمعارضة، ودفعت تركيا والسعودية بكلّ قدراتهما مالياً وتسليحياً وتعبوياً لتأمين فرص عالية لخوض حرب قاسية شمال سورية أملاً بدفع موسكو لتغيير حساباتها، وأمام إصرار موسكو على البقاء على نظام التهدئة المؤقت، ريثما تحسم واشنطن موقفها بين العودة لأحكام الهدنة التي تستثني «النصرة»، أو سقوط الهدنة ومعها صيغة جنيف ومن ورائهما تفاهمات فيينا، والاحتكام للميدان في ظلّ حشود سورية ومعها كثافة حضور لوحدات إيرانية وقوات نخبة من حزب الله، استأنفت واشنطن المفاوضات على عتبة لقاء باريس الذي ضمّ كلّ حلفاء واشنطن في حرب سورية، وسعت بمفاوضات مزدوجة مع المجتمعين في باريس ومع موسكو وطهران وعبرهما مع دمشق على الضفة المقابلة، للوصول إلى صيغة لا تضع الأمور في سورية خارج نطاق التسوية وتنتهي بصيغة نصر كامل وهزيمة كاملة، تتوقع واشنطن أن تكون الهزيمة فيها من نصيب حلفائها ولو بقدرة تضع على المنتصر كلفة عالية.
– عرضت واشنطن وتلقت الكثير من العروض، وبقيت موسكو تربط كلّ شيء بالموقف من «النصرة»، فكان العرض التركي السعودي لإحياء الهدنة وجنيف أن تحسم حلب وأريافها حتى الحدود التركية كمناطق للمعارضة وتوضع ضمن الهدنة، ويصرف النظر عن المطالبة بتصنيف «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» على لوائح الإرهاب، وتقبل حصرية تمثيل جماعة الرياض بتركيبتها الراهنة، مقابل العودة للهدنة وجنيف وقبول استثناء «النصرة» منهما، وكان ما وصل إليه كيري مع لافروف وتوافقا عليه، هو أنّ كلّ شيء يتوقف على تحديد مواقع سيطرة «النصرة» ومناطقها، وفقاً لمعلومات الأميركيين والروس الميدانية والاستخبارية، والتي لا تضع «النصرة» خارج حلب وأريافها، وتقييم أداء «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» على كيفية تصرفهما من الحرب مع «النصرة»، مع تأكيد إقفال الحدود التركية السورية، في نقاط سيطرة «النصرة» و«داعش» بداية، وتأكيد أنّ العودة إلى جنيف غير مشروطة، وأنّ المسألة المتصلة بوفد جماعة الرياض وتركيبته مؤجلة، كما حُسم الموقف من توسيع تمثيل المعارضة.
– كلّ شيء ما بعد حسم الحرب مع «النصرة» سيُحسم، هذا هو الموقف الروسي وهو الموقف الذي ارتضته واشنطن، وذهبت به إلى حلفائها وخرجت بيانات تؤيده، وخلال الأسبوع المقبل سيُعدّ كلّ من حلفاء واشنطن ما يظنه فخاخاً لتفجير الاتفاق في اجتماع فيينا المقبل الذي يجب أن يصادق على التفاهم، تمهيداً لعودة جنيف، وإنجاز غرفة العمليات الروسية الأميركية في جنيف خرائط تحدّد مناطق «النصرة» و«داعش» ومناطق جماعة الرياض التي ستشملها الهدنة، والمناطق المختلطة المطلوب حسمها من جماعة الرياض إما بالسيطرة عليها أو بالانسحاب منها.
– بعيداً عن التفاصيل ومناقشتها يبدو الجوهري في التفاهم هو تقديم تسهيلات روسية للحسم مع «النصرة»، ويبدو أنها تسهيلات متفق عليها مع إيران وسورية، ليصير السؤال عن ماذا سيحدث إذا عجزت الجماعات المسلحة المدعومة من حلفاء واشنطن عن تنفيذ الالتزامات، وماذا سيحدث إذا نفذوها. ففي الحالة الأولى يضعون أنفسهم خارج غطاء أميركي يسمح باعتبارهم امتداداً لـ«النصرة» وسيخرج مشغّلوهم الأتراك والسعوديون معهم كلياً من المعادلة، وفي الحالة الثانية سيصبحون قوة هامشية عسكرياً في زمن ما بعد «النصرة»، وسيصبح سقفهم وسقف تركيا والسعودية السياسي بحجم حضورهم الهزيل، وفي الحالتين تبدو موسكو قد نجحت بفرض جوهر أهدافها الاستراتيجية كخارطة طريق، لتكون النقلة الجديدة ترجمة تفصيلية لتفاهمات ميونيخ وفيينا التي بقي يلفها غموض التطبيق.
– حرب «النصرة» آتية وسيتغيّر معها اتجاه الحسابات في سورية.
(البناء)