على هامش انتخابات بيروت
غالب قنديل
تتعدد القراءات في نتائج الانتخابات البلدية لمدينة بيروت ومؤشراتها وتطغى عليها زاوية الرؤية الذاتية الخاصة بكل فريق ولكن ينبغي النظر إلى ما جرى من حيث هو تجربة كاشفة لمجموعة من الحقائق التي لابد من الوقوف امامها .
اولا يمكن القول إن الشكوى من المال السياسي تراجعت قياسا إلى جميع الدورات الانتخابية النيابية والبلدية السابقة في بيروت ومرد ذلك ما بات رائجا عن تراجع التدفق المالي الذي تميز به تيار المستقبل منذ ظهوره في الحياة السياسية كقوة منظمة بعد اتفاق الطائف .
بالمقابل فقد غاب أي تنظيم قانوني وإداري للحملات الإعلامية وسادت حالة من الفوضى وانعدام التكافؤ في فرض الظهور الإعلامي والتعبير عن البرامج والترويج للوائح وحرم العديد من المرشحين من مساحات مقبولة للتواصل مع الناخبين عبر وسائل الإعلام بينما سخر الهواء السياسي لصالح منافسيهم بما يمثل خرقا فاضحا لمبدأ الحق المتساوي في الظهور خلال الحملات الانتخابية .
ثانيا النسبة المنخفضة للمشاركة في الانتخابات البلدية بالعاصمة ليست مفاجئة قياسا إلى الدورات السابقة فالتراجع فيها ضئيل عن سابقاتها ولا يتعدى ما نسبته الخمسة في المئة فالانتخابات البلدية في بيروت تميزت دائما بمعدل مشاركة يقارب نصف المشاركين في الانتخابات النيابية وثمة أسباب وعوامل ومؤثرات كثيرة لتفسير هذا التفاوت الذي لازم جميع الدورات الانتخابية.
من الواضح ان العنصر الرئيسي في هذا المشهد هو غياب الحافز القادر على إخراج العازفين من بيوتهم يوم الانتخاب فلا اصطناع التهييج السياسي والمذهبي بتصريح الحريري عن حزب الله ولا نداءات الوزير شربل نحاس ولائحة بيروت مدينتي نجحت في توليد موجة ناخبة تعدل الموازين.
ثالثا رغم الثغرات الإدارية التي يتحدث عنها المراقبون فقد فضح نجاح وزارة الداخلية في تنظيم الانتخابات وثبات الاستقرار الأمني في عهدة الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي حقيقة الدوافع التي اجلت الاستحقاق النيابي وقد اجمع المعلقون على الاستنتاج ان إجراء الاستحقاق البلدي يستحضر الانتخابات النيابية .
الحقيقة بانت عارية فتعليق الانتخابات النيابية دافعه الخوف السياسي من المحاسبة الشعبية على فشل القوى المسيطرة وفضائحها وإخفاقاتها الكثيرة التي يدفع المواطنون كلفتها الغالية وبالتالي الخشية من تعديل المقترعين لتوازنات المجلس النيابي ومن نشوء غالبية نيابية جديدة تؤثر في خيارات الدولة الاقتصادية والاجتماعية وفي القوام السياسي للسلطة التنفيذية وهذا الدافع ما يزال خلف عرقلة التوصل إلى قانون انتخاب جديد لمنع الانتقال إلى النظام الانتخابي النسبي .
رابعا انشغل كثيرون بالحديث عن متاعب الرئيس سعد الحريري المالية والسياسية وانعاكسها على نتائج الانتخابات البلدية وما يجب ان يقال بوضوح ان الحريري نجح بواقعية في التغلب عليها من خلال التحالفات التي أقامها في بيروت وخارجها عبر خوض الانتخابات بلوائح تشتمل مرشحين من قوى سياسية منافسة ومختلفة مع المستقبل فهو قاد لائحة تضم سائر القوى السياسية الرئيسية في العاصمة ومن الواضح ان منافسي الحريري احتفلوا باعترافه بوزنهم التمثيلي ولم يتصرف أي منهم على قاعدة افتراق برنامجي او سياسي معه بل إن قيادة الحريري لقطار يضم الجميع كانت مثار الرضا الضمني والمصرح به من شخصيات وجهات كانت متصادمة سياسيا مع الحريرية وبرعت في هجائها لها أو كانت ممتعضة من التعالي السياسي الذي مارسته الحريرية مع حلفائها… إذا حين تعترف الحريرية بأوزان الآخرين يصبح مرحبا بها في ركاب الشراكة وبصفتها القيادية وتخفت جميع الانتقادات فلامشروع جدي مناقض للحريرية التي تجتر وعودها عند أي من ركاب القطار هذه هي رسالة النادي السياسي في جميع الطوائف و”الشوارع” اللبنانية .
خامسا اللائحتان اللتان حاولتا إحداث فرق في الانتخابات وبتباين ظاهر في البرنامج سجلتا رصيدا مهما من الناخبين والسؤال الذي ينبغي طرحه هو ماذا لوكانت الانتخابات البلدية على الأساس النسبي وماذا لو فاز كل من شربل نحاس ونادين بلبكي وربما غيرهما بمقاعد الأقلية الشريكة والمراقبة داخل المجلس البلدي للعاصمة ؟ هذا يعيدنا إلى قانون الانتخابات مجددا الأمر الذي يبقى على جدول الأعمال في أي تحرك شعبي تقوده النخب الراغبة في التغيير سواء كانت من موقع الاعتراض “الإنمائي” ام من موقع العمل لفرض التغيير السياسي.
ان كل ما شهدناه من تفاعلات سياسية وما نلمحه من فرص إيجابية انطلاقا من مبدأ إجراء انتخابات بلدية هادئة وآمنة ينبغي رده أصلا وأساسا إلى نجاح المقاومة والجيش في ردع وحش الإرهاب وإلى نجاح قيادة حزب الله بالتعاون مع الرئيس نبيه بري في احتواء التوتر المذهبي خلال السنوات الأخيرة وهذا ما حال دون استعمال العصبيات في طمس الكثير من الظواهر التي طفت على السطح.