حماس: استفزاز بدافع الضائقة: ايال زيسر
كعادتها تسعى حماس لان تستمتع بكل العوالم. من جهة، ان تحافظ على وقف النار مع إسرائيل، والتي تحت رعايته تعيد بناء مكانتها السياسية وقدرتها العسكرية. ومن جهة اخرى ان تعرض نفسها كمنظمة مقاومة تلتزم بالكفاح العسكري ضد إسرائيل وتسمح باعمال إرهابية ضد إسرائيل من جانب رجالها ومن جانب منظمات اخرى تعمل في القطاع، كتنظيم الجهاد الإسلامي الكفاحي.
وقف النار هام لحماس ايضا لان مليوني غزي يعيشون تحت حكمها يحتاجون إلى الهدوء الذي يوفره لهم وقف النار، وعليه فانهم يتوقعون من قيادة حماس ان تحترمه وتحافظ عليه لتسمح لهم بان يعيشوا حياتهم ويواجهوا الضائقة الاقتصادية التي اصبحت من نصيب الجميع في القطاع. ولكن حماس لا تعمل دوما وفقا لمصالح سكان غزة. وعلى اي حال، فان القرار ليس موجودا بالضرورة في يد قيادة حماس السياسية، مثل رئيس وزراء غزة، اسماعيل هنية، الذي سعى في خطابه الاخير في نهاية الاسبوع إلى أن يأكل الكعكة وان يبقيها كاملة، اي ان يحافظ على الهدوء في نفس الوقت ان يضع لإسرائيل خطوطا حمراء حول ما هو مسموح وما هو ممنوع للجيش الإسرائيلي على طول حدود القطاع.
تفيد تجربة الماضي بالذات بان القرار في الشؤون العسكرية وبالنسبة لنا، استئناف اطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، موجود في يد القيادة العسكرية لحماس، وعلى رأسها محمد ضيف، ولهذه منطق وتفكير خاص بها.
ترى منظمة حماس نفسها كمن تسير بمشورة اصدقائها الإيرانيين وفي اعقاب منظمة حزب الله اللبنانية. هكذا مثلا حرصت على اقامة منظومة الصواريخ التي تغطي اجزاء واسعة من الاراضي الإسرائيلية، بما في ذلك وسط البلاد، كي تحقق قدرة ردع ضد إسرائيل كتلك التي توجد في يد منظمة حزب الله. وتحاول حماس الان ان تقرر قواعد لعب حيال إسرائيل حسب النموذج اللبناني، والتي تعني أن إسرائيل لا يحق لها أن تتجاوز خط الحدود وان تعمل خلفه، حتى لو لاحظ الجيش الإسرائيل استعدادات لمقاتلي المنظمة لنشاط إرهابي وحتى لو كشف انفاقا حكومية تحفرها حماس إلى داخل اراضي إسرائيل السيادية.
إسرائيل من جهتها توضح من جديد للمنظمة بانها تبقي لنفسها حرية العمل في الجانب الفلسطيني من الحدود وانها سترد ليس فقط على كل عمل إرهابي ينفذه رجالها بل على كل استعداد لتنفيذ كل عمل كهذا. في ضوء الوضع السائل السائد في القطاع وعلى كل حدوده مع إسرائيل، فان الموقف الإسرائيلي منطقي بل ومبرر. ففي الاسابيه الاخيرة فقط عاد الجيش الإسرائيلي فاكتشف انفاقا هجومية موجهة نحو اراضي إسرائيل، وفضلا عن ذلك فان تنازل اليوم هو خط البداية للمفاوضات غدا، وفيه ما يدهور إسرائيل إلى الواقع السائد على طول الحدود في جنوب لبنان، والذي تقيد فيه إسرائيل من حيث قدرتها على أن تمنع بشكل مبادر اعمالا لحزب الله ضدها. وعليه، محظور على إسرائيل ان تسمح لحماس بان تجرها إلى حرب استنزاف محدودة على طول الحدود يدفع ثمنها سكان غلاف غزة.
فضلا عن ذلك، على الحدود اللبنانية، التي تنظر اليها حماس كنموذج للقدوة، نصت إسرائيل وقف النار الهش الذي تنفذه مع حزب الله في قرار لمجلس الامن، في نشر الجيش اللبناني على طول الحدود وبتواجد قوات الامم المتحدة. كل هذا لا يستجيب كما هو معروف للاحتياجات الأمنية الاساس لإسرائيل، ولكن حتى هذا الحد الادنى لا يوجد في حالة قطاع غزة. ان استعداد حماس لمحاولة المساومة مع إسرائيل من خلال تبادل لاطلاق النار والحوادث على طول الحدود ليس بالضرورة تعبيرا عن قوة. فالمنظمة تعيش ضائقة في الداخل وفي ضوء الاغلاق الذي فرضه عليها المصريون، وهذا وضع هش يستدعي حوادث وتصعيد. يحتمل ان تكون حماس استمدت تشجيعا من حقيقة ان إسرائيل قررت تركها في الحكم في القطاع. ولكن في مثل هذه الحالة عليها أن تأخذ بالحسبان بانه إذا توصلت إسرائيل إلى الاستنتاج ان حماس لا تريد بل ولا تستطيع الحفاظ على الهدوء على طول الحدود، فلن يتواجد في إسرائيل من يدعو، مثلما حصل في اثناء حملة «الجرف الصامد»، إلى تركها في الحكم وتفضيلها على مجموعات اكثر تشددا منها من شأنها أن تحتل مكانها.
إسرائيل اليوم