«الشراكة الامنية» السعودية ـ الاسرائيلية .. قلق من نجاح «عنزة لعبت بعقل تيس» ابراهيم ناصرالدين
قبل ايام قليلة من خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله منتصف شباط الماضي في ذكرى القادة الشهداء، «رن» هاتف «ضابط» الارتباط الميداني في المقاومة الاسلامية المكلف «المتابعة» مع القوات الدولية العاملة في الجنوب، المتصل لم يكن غريبا، لكن مضمون اتصاله كان مثيرا للاستغراب، عادة يتصل الضابط «الاممي» المسؤول عن العلاقة مع حزب الله للتنسيق مع المقاومة في مناطق انتشار قواته، لكن هذه المرة كان فحوى الكلام مختلفاً، «ثمة شيء مريب على الجهة المقابلة من الحدود ويحتاج الى متابعة دقيقة»، انتهت المكالمة هنا دون المزيد من التفصيل، لكنها كانت كافية لتأكيد استنتاجات حزب الله بان ثمة تحضيرات اسرائيلية تستدعي رفع جهوزية المقاومة على الحدود… بعد ساعات قليلة خرج السيد نصرالله بخطابه الشهير عن «القنبلة النووية» وخزنات «الامونيا» في حيفا، واتبعها باطلالة اعلامية شرح خلالها بالتفصيل جهوزية المقاومة لخوض حرب نوعية غير مسبوقة مع الاسرائيليين…
مناسبة كشف هذه المعطيات، خطاب السيد نصرالله الاخير والذي لمح فيه الى اشهر صعبة قادمة، لا تبشر بحلول او تسويات وانما بمزيد من التصعيد بسبب استراتيجية «العناد» السعودي في المنطقة، ووفقا لاوساط مطلعة على الوضع الميداني جنوبا، فان المعطيات الميدانية في شباط وآذار، تشير الى ان القوات الاسرائيلية تتحرك وفق استراتيجية التحضير لعدوان يتجاوز حدود تنفيذ ضربة محدودة، خبرة قيادة المنطقة الحدودية في المقاومة والمعروفة بـ «عزيز» سمحت لها بالاستنتاج بأن ما يجري شبيه بما حصل قبيل شن الاسرائيليين سلسلة حروبهم السابقة، اتصال «القوات الدولية» جاء ليعزز هذه المعطيات، قيادة «اليونيفيل» لا تريد حربا اسرائيلية تغرق الشواطىء الاوروبية بالنازحين السوريين ومعهم اللبنانيون، تحذير حزب الله جاء في هذا السياق، وهو بالطبع ليس جزءا من «الحب المستحيل» بين الطرفين…ميدانيا اتخذ الحزب ما هو مطلوب لافهام الاسرائيليين ان الجهوزية تامة، بعض «المناورات الصامتة» ادت المهمة المطلوبة منها… كالعادة اهتم السيد نصرالله بالجانب الدعائي مطلقا «معادلاته» الاستراتيجية…انخفض التوتر على الحدود، عادت الامور الى سابق عهدها. لم يعرف حتى الان ما كان يحضر له الاسرائيليون، وما هي حدوده، ولكن المهم هو انه تم «اجهاضه»…
هذا الحراك الاسرائيلي لا ينفصل عن التطورات المتسارعة في المنطقة عامة وفي سورية بشكل خاص، لكن ثمة معطى جديداً يحتاج الى متابعة، في كلامه الاخير ركز السيد نصر الله على العلاقة المتنامية بين اسرائيل – والسعودية، وهنا يجب وضع اكثر من «خط» تحت هذا التحول الذي سيكون له تاثير شديد الاهمية في مجريات الاحداث، خصوصا اذا ما صدقت التقارير الاستخباراتية المسربة عن رغبة السعوديين في ان يكون الاختبار الاول للعلاقة مع اسرائيل المصلحة المشتركة في التخلص من حزب الله، ومروحة التعاون واسعة تشمل الاعمال الامنية وصولا الى الجانب العسكري الذي لا تمانع الرياض في تأمين التغطية المناسبة له…
هذا جزء من المخاطر التي لم يتحدث عنها السيد نصرالله «مباشرة» في خطابه، وهو امر يرتبط بالوضع المرشح للتدهور في سوريا، فالسعودية تتعمد افشال المحادثات السياسية في جنيف، وتعمل مع انقرة والدوحة على افشال اتفاقيات وقف اطلاق النار للضغط على الولايات المتحدة لتنفيذ ما اصطلح على تسميته «بالخطة باء» والتي اتضح انها غير موجودة… هذا يعني ان الوضع مرشح للمزيد من التعقيد في سوريا في الاسابيع والاشهر المقبلة خصوصا في حلب بسبب عدم القدرة على فصل ما يسمى جماعات المعارضة «المعتدلة» عن «جبهة النصرة» موسكو ترى انه يمكن استهداف «النصرة»، في حين تصر الولايات المتحدة بضغط من حلفائها على ان عملية الفصل بين هذه الجماعات أمر غير عملي… السعودية ومعها قطر نجحتا من خلال العلاقات الوثيقة الصلة مع حركة طالبان في اقناع زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري باعفاء محمد الجولاني من «بيعته»، والهدف واضح، تغيير الموقف الاميركي من «اتنظيم».. في هذا الوقت دخل الايرانيون بقوة على خط النقاش مع الروس، ثمة اصرار ايراني على الاسراع في حسم الموقف الروسي لان الاستنزاف الميداني لم يعد مقبولا وثمة حاجة لحسم سريع في بعض مناطق حلب وريفها، خصوصا ان الايرانيين وحزب الله والجيش السوري قد انهوا استعداداتهم الميدانية لعملية عسكرية واسعة لم تعط موسكو بعد «الضوء الاخضر» لانطلاقها بسبب النقاش المستمر مع الاميركيين، ولكن فترة الميوعة لا يبدو انها ستستمر طويلا في ظل المعلومات الموثوق بها عن خطط تركية – سعودية لزيادة الدعم العسكري النوعي للمجموعات المسلحة بعد ادخال الاف المقاتلين الى الجبهة الشمالية في الاسابيع الماضية…
والمفارقة في هذا السياق ان الروس يحاولون إنجاز اتفاق حول سوريا قبل رحيل أوباما، وهم مقتنعون بأن أي رئيس أميركي مقبل لن يقدم لهم تنازلات كما يفعل هو الآن، ولن يكون، أي الرئيس الأميركي المقبل، بضعف أوباما، ولذلك فإن الروس يعوّلون على اتفاق ينجز في عهد أوباما نظرًا لقناعتهم بأنه سيمنحهم الكثير، وهذا ما لا يعول عليه الايرانيون، فهم من خلال خبرتهم الطويلة في المفاوضات النووية يدركون جيدا ان الادارة الحالية لا تريد الدخول في تسويات جديدة في المنطقة خصوصا حول الملف السوري، فالرئيس الاميركي يريد ان «يورث» مشكلة سوريا الى من يأتي بعده، وهو لا يريد ان يخاطر في مقاربة هذا الملف على نحو خاطىء او متهور بحيث لا يريد ان يجهض ما تم الاتفاق حوله مع طهران بشان الملف النووي، ولا يريد في الوقت نفسه تسجيل المزيد من الخسائر في العلاقة مع الحلفاء التقليديين في الخليج، ولهذا فان «لعبة» تضييع الوقت وتمريره ستكون السمة الغالبة لما تبقى من ولاية اوباما في البيت الابيض، في المقابل تبحث الرياض عن شريك موثوق به يمكن العمل معه على الارض ويبدو انها وجدت ضالتها في اسرائيل.. وفي الوقائع عندما كشف جون كيري في شهادة له أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي إلى وجود «نقاشات مهمة» مع ادارة الرئيس باراك أوباما في شأن «الخطة ب» في سوريا، سارع السعوديون الى محاولة ترجمة الفكرة عمليا، لكن اتصالات وزير الدفاع السعودي ولي ولي العهد محمد بن سلمان مع نظيره الاميركي اشتون كارتر كانت مخيبة، واتضح من خلال هذا الاتصال أن «الخطة ب» هي مجرد فكرة أكثر منها مسار محدد للتحرك العملاني على الارض، أي أن مسؤولي الأمن القومي في الإدارة الأميركية لا يملكون خطة محددة للتحرك في سوريا، ولم يكن على اجندة الرئيس الاميركي سوى خطة لزيادة عديد القوات الخاصة لتنفيذ عمليات محددة ضد قادة تنظيم «داعش»….
هذه التعقيدات الدبلوماسية والميدانية، جزء من الاسباب التي دفعت السيد نصرالله الى التحذير من التطورات في المرحلة المقبلة، «الشراكة» الاسرائيلية – السعودية تحتاج الى متابعة دقيقة، صحيح ان الاسرائيليين لا «يشتغلون» عن السعوديين، لكن العداء لحزب الله «يعمي القلوب»، اسرائيل بعثت «برسائل» مقلقة في شباط وآذار، التفكير» بعقل بارد» يشير الى عدم وجود مصلحة اسرائيلية بشن حرب جديدة، لكن مقاربة العلاقة المستجدة مع السعودية يبقى السؤال مفتوحا… ماذا لو صح المثل اللبناني»عنزة» لعبت بعقل تيس»… احتمال وارد ولذلك الحذر مطلوب..
(الديار)