بقلم غالب قنديل

أوغلو ضحية مشروعه

غالب قنديل

انقلاب القصر هو التعبير الأدق عن الإطاحة بأحمد داود أوغلو واضطراره للإعلان بنفسه عن موعد مؤتمر طاريء لحزب العدالة والتنمية سينتخب بديلا عنه لرئاسة الحزب وبالتالي لرئاسة الحكومة ولن تشفع له أبدا عبارات تجديد الولاء لرجب طيب أردوغان او ما قدمه من عرض متلعثم لما يعتبره إنجازات لفترة توليه زعامة الحزب الحاكم ورئاسة الحكومة في ظل الرئيس المتحفز لاجتياز العوائق التي تحول دون الانتقال إلى حكم رئاسي بأي ثمن .

لا يختلف خبراء الشؤون التركية في اعتبار أوغلو العقل المدبر لسياسة تركيا الداخلية والخارجية ومهندس حقبة كاملة من حكم الأخوان المسلمين في تركيا تميزت بخطة الاستيلاء على الحكم في أهم بلدين عربيين مصر وسورية وبمحاولة خلق مساحة نفوذ كبيرة داخل دولة كبرى ثالثة هي العراق وتحولت خطط أوغلو إلى دعم سياسي وعسكري ومالي لأخطبوط من فصائل الإرهاب والتكفير تحت الرعاية التركية المباشرة وبمظلة أميركية أطلسية وكذلك بشراكة وثيقة مع قطر توأم تركيا السياسي والمالي وبحلف صعب مع المملكة السعودية الشريك الإقليمي اللدود وأيضا وأيضا تميزت بعلاقة أخفي عنها الكثير مع إسرائيل شريكة تركيا الحميمة في الناتو وآخر المطاف بصدام خطير وقطيعة مؤلمة مع روسيا القوة العظمى الصاعدة.

خطط اوغلو لكل شيء شهدناه في اسطنبول خلال السنوات العشر الماضية فهو مدبر الدور التركي والقطري في لعبة الخداع الكبير التي استهدفت محور المقاومة بأطرافه الثلاثة إيران وسورية وحزب الله في خمس سنوات من التحايل والمساومة وانتهت بتدبير أعنف هجوم دموي على الدولة الوطنية السورية ورئيسها الدكتور بشار الأسد بعد فشل مساومات خطيرة قامت بها تركيا وفرنسا وقطر لسحب سورية من محور المقاومة واستدراجها إلى المساومة على حقوقها في الجولان وموقفها من الكيان الصهيوني وقضية فلسطين وهو ما كان اوغلو يريده مقدمة لأخذ قيادة حماس إلى صفقة مقايضة الضفة الغربية باجزاء من سيناء التي وافق الرئيس الأخواني محمد مرسي بمشورة أردوغان على اعتمادها لإنهاء قضية فلسطين ولاعتراف حماس بالكيان الصهيوني.

أردوغان هو الزعيم الذي طبق تلك السياسات ولكن الملهم والمخطط و”مفتي السلطان” كان داوود اوغلو الذي قال بعض العارفين بشؤون تركيا أنه حين تأتي لحظة الحساب سوف يختاره سيده كبشا يضحي به ويحمله مسؤولية كل شيء وما جرى بالأمس لم يكن في حشرة حساب على المسؤولية داخل تركيا لكن أردوغان سوف يستطيع لاحقا ان يحمل مستشاره الوفي تبعات الفشل الكبير.

ليست تركيا في احسن حال وهي في غمرة اضطراب امني نتيجة الصدام مع الأكراد الذين يشكلون غالبية السكان في تسع ولايات وهي تعيش في حلقة متصاعدة من الركود الاقتصادي بفعل القطيعة مع روسيا وتراجع السياحة بمواردها الضخمة والمهمة وتوقف الترانزيت البري عبر الحدود السورية وهي في الوقت عينه تحت وطأة ارتداد الإرهاب إلى الداخل التركي المهدد وبعدما كشف الروس حقيقة الارتباط العضوي لداعش بقصر الرئاسة التركية فمن الواضح ان أيا من تلك التحديات الحرجة حين سيتحول إلى سؤال داخل الحزب الحاكم ام على الصعيد الشعبي سيتحرك إصبع أردوغان إلى رئيس الحزب الحالي فهو مهندس تلك السياسات والخطط التي فشلت جميعا وقد تحولت عبارته عن صفر مشاكل مادة للتندر في الحديث عن الاختناق التركي بعد كل ذلك الفشل المدوي في سورية ومصر والعراق وليبيا وبعدما شرع الداخل التركي يسدد جانبا من الكلفة المستحقة بينما تبدو التحولات المقبلة أقرب إلى هزيمة كبيرة انطلاقا من معركة حلب.

أردوغان صمم على التخلص من أي منافس محتمل في طريقه إلى فرض التحول نحو النظام الرئاسي ويفسر كثيرون بهذا الأمر إطاحته برفيق دربه عبدالله غول ومن ثم حملته ضد فتح الله غولين كفيل العدالة والتنمية المعتمد في واشنطن ومنشيء شبكات الأمان الاجتماعي التي استفاد منها جمهور الأخوان في تركيا وهو مرشد الحزب الفكري قبل اعتماد اوغلو.

أردوغان دحرج رؤوس من حملوه على اكتافهم بدون استثناء مستلهما مكائد سلاطين بني عثمان الذين قتل منهم الأخوة أخوانهم في سباق السيطرة على العرش وكلما تراجعت مكانة الإمبراطورية العجوز كانت تلك الصراعات أشد عنفا ودموية لكن بدون شك إن إطاحة أوغلو هي الأشد مأساوية فهو هندس كل المشهد وقاد المغامرات التركية وكتب العديد من خطب الزعيم الذي شارك بنفسه في صعوده السياسي وخطط له فصول تقدمه نحو حكم تركيا منفردا وقد أذله أردوغان حين كلفه بالإعلان بنفسه عن موعد إعفائه من منصبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى