عن الوسط وعن اليسار: آري شبيط
النقاس الذي تطور في هذه الصفحة عن الوسط وعن اليسار في الاونة الاخيرة هو أمر مبارك. لن يحدث تغيير سياسي في إسرائيل بدون وجود وسط نوعي وقوي ودون تجديد يسار عصري وعلى صلة. الانتصار الوحيد الحاسم خلال 40 عام الماضية حققته إسرائيل عام 1992، كان هذا عندما نشأ اتحاد حقيقي وذكي بين الوسط القوي (حزب العمل برئاسة اسحق رابين) وبين اليسار المليء بالطاقة (ميرتس شولاميت الوني، يوسي سريد وامنون روبنشتاين) فقد تجديد اتحاد الوسط يسار سيؤدي لحدوث انقلاب سياسي حقيقي في الانتخابات القادمة، لكن الطريق لهذا الاتحاد لا تمر بتراشق الاتهامات المتبادلة بل بتفهم اخفاقات الوسط واليسار خلال ستة من سبعة انتخابات.
فشل اليسار يكمن بعدم اعترافه بالانفجار الذي حصل عام 2000. من الناحية التاريخية كان اليسار على حق حين تحدث عن الكارثة التي تشكلها الاحتلال والمستوطنات. وتاريخيا اخطأ اليسار حين وعد بالوصول إلى السلام الاسكندنافي في الشرق الاوسط.. الاحداث الدراماتيكية لعام الالفية الثانية (مؤتمر كامب ديفيد، الانتفاضة الثانية) كشفت عن الخطأ وحطمت المواقف الشبه دينية لدى كنيسة السلام.
لكن اليسار رفض بشدة الاعتراف بخطأه بل وتغاضى عن صدمة العمليات الانتحارية التي اصابت وتركت ندبة في الوعي القومي. لذلك بدأ النظر إلى اليسار كحركة سياسية غريبة الاطوار منفصلة عن الواقع الاقليمي وعن المجتمع الإسرائيلي وعن الهوية اليهودية. عدم الاستعداد لمواجهة حقيقة ان إسرائيل هي مشروع انساني رائع، محاط بواقع عنيف، دفع اليسار إلى الانغلاق على نفسه في كاتدرائية معزولة، فاصبح اليسار قوة بدون قوة، دون أن تكون له قدرة تأثير على الواقع.
فشل الوسط هو أنه لم يعرف نفسه ابدا، تاريخيا كان الوسط على حق حين عارض المسيحانية اليمينية والمسيحانية اليسارية، وعكس الروحية الإسرائيلية العملية الايجابية والتي تريد الحياة، تاريخيا اخطأ الوسط لانه لم يؤمن بالمواقف او بالافكار. من جهة فقد حزب العمل منذ سنوات القدرة على اقتراح طريق ثالث، تكون متزنة ومقنعة ايضا. من جهة ثانية، لم تنجح احزاب القائد الواحد (كديما، يئير لبيد 1، يئير لبيد 2، موشي كحلون) بطرح موقف واضح وهوية واضحة.
النتيجة هي ان الوسط الصهيوني في إسرائيل تم النظر اليه كمستهتر، وغير واضح ما الذي يؤمن به وإلى اين يريد الوصول. وليس واضحا ماذا سيفعل في السلطة إذا اعطيت له. اما اليسار فله مباديء ولا توجد لديه براغماتي، اما الوسط فهو براغماتي وبدون مباديء.
إسرائيل بحاجة إلى الوسط الصهيوني القوي ليدافع عن المؤسسات الديمقراطية ويحافظ على القيم الليبرالية ويحارب بشكل لا هوادة فيه من اجل وقف المستوطنات، وانهاء الاحتلال، وتقسيم البلاد.
إسرائيل بحاجة إلى وسط سياسي يبعث على الالهام، هو فقط يستطيع جذب ملايين الإسرائيليين المعتدلين، يرفضون التطرف القومي والتطرف الديني ويريدون العيش هنا حياة سليمة.
لكن الوسط الحالي واليسار الحالي ليسا جاهزين بعد لاداء المهمة الحيوية والتي هي انقاذ إسرائيل من ذاتها. بدلا من ان يهاجم الوسط اليسار ويهاجم اليسار الوسط، من الافضل ان يركز اليسار الان باصلاح اليسار ويركز الوسط على اصلاح الوسط ويحدد طريه بالضبط. هكذا فقط يمكن الوصول إلى صناديق الانتخابات عام 2017 او 2018 مع وسط يسار واسع وملتزم، يستطيع اخيرا احداث التغيير.
هآرتس