محمد بن سلمان والإصلاح في السعودية حميدي العبدالله
نقل فلاديمير لينين قائد ثورة أكتوبر التي أسّست الاتحاد السوفياتي عن بسمارك قوله المأثور «الحقد موجه سيّئ في السياسة» وقصد بذلك أنّ المواقف المسبقة والعدائية من جهة محدّدة، سواء كانت هذه الجهة دولة أو جماعة من شأنه أن يقود إلى الفشل في معرفة هذه الجهة، نقاط قوتها ونقاط ضعفها، وبكلّ تأكيد من شأن ذلك أن يقود أيضاً إلى وقوع أخطاء من قبل أعداء هذه الجهة وأصدقائها عندما يحدّدون موقفهم منها.
ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، أطلق مؤخراً مواقف غير مألوفة بنظر الكثيرين في تاريخ المملكة العربية السعودية، واستقطبت هذه المواقف تعليقات وتحليلات شارك فيها مؤيدون للمملكة ومعادون لها.
المؤيدون زيّنوا كلّ كلمة قيلت على لسان الأمير محمد، وتعاملوا مع مواقفه وكأنها خطة عمل نقلت المملكة العربية السعودية من عصر إلى عصر آخر، إلى درجة ذهب بعض المحللين الذي عرف عنه حصافته في إطلاق الأحكام إلى اعتبار هذه المواقف خطوة باتجاه الانفصال عن الوهابية. مقابل هذا التصفيق والترحيب من قبل معسكر المؤيدين الذي هو أقرب إلى حملة العلاقات العامة أو «البروبوغندا» الإعلامية، شكك المعسكر المعادي لسياسة المملكة العربية السعودية ووضع رؤية محمد بن سلمان في إطار السعي بكلّ السبل للاستيلاء على العرش وتأمين الانتقال من جيل الأمراء الأبناء إلى جيل الأحفاد بالنسبة لمؤسس المملكة العربية السعودية.
بديهي أنّ مقاربة الأوضاع السعودية من هذين المعسكرين لن تقود إلى فهم ما جرى وما سيجري لاحقاً في أغنى بلاد في الثروة النفطية.
لا يستطيع أيّ محلل منصف وموضوعي استبعاد وجود عنصر الطموح الشخصي في الوصول إلى سدة الحكم بالنسبة لمحمد بن سلمان، ولكن ثمة أسباباً أكثر جوهرية دفعته، بل أرغمته على قول ما قاله لـ«بلوم بيرغ»، من أبرز هذه الأسباب دافعان أساسيان، الأول، قناعة واضحة بأنّ الاعتماد الوحيد على النفط، في ظلّ تزايد عدد الدول المنتجة، وفي ظلّ إمكانية التحوّل إلى النفط الصخري، الذي يشكل منافساً للنفط التقليدي عند مستوى معيّن من الأسعار، من شأنه أن يحمل الكثير من الأخطار الاقتصادية وغير الاقتصادية على الدول التي تعتمد على النفط كمصدر أساسي في تمويل الدولة والإنفاق على المجتمع، والسعودية في طليعة الدول التي تعتمد على النفط كمصدر وحيد، وبالتالي انخفاض أسعار النفط وآثاره على موازنة الدولة كان من الدوافع الرئيسية التي تفسّر قطع محمد بن سلمان عهد بمراجعة سياسة الاعتماد عليه بالقوة التي هي عليها الآن في المملكة العربية السعودية.
الدافع الثاني، إنّ غالبية المجتمع في المملكة العربية السعودية ضاقت ذرعاً من التطبيق المتزمّت للإسلام بتفسيره الوهابي. وباتت غالبية المجتمع من حيث الثقافة والتعليم غير قادر على التعايش مع الصيغ التي تسهر على فرضها «هيئة كبار العلماء» وسلاحها جماعة «النهي عن المنكر والأمر بالمعروف»، فضلاً عن الانتقادات التي توجه للسلطات السعودية حتى من حلفائها والتي تطالبها بإجراء إصلاحات عميقة وواسعة.
لا شك أنّ هذه دوافع أساسية كانت وراء المواقف التي أعلنها محمد بن سلمان أثارت كلّ هذه الردود والتقييمات المتباينة.
(البناء)