التلاعب الأميركي في حلب
غالب قنديل
فلنبحث عما تدبره واشنطن خلف كل حدث او تطور في منطقتنا وإذا شئنا التعلم من التجربة يمكن لنا القول إن الكذب والخطاب الانفصامي هي ميزات اميركية تقليدية في مراحل التحول فهل صدقنا فعلا ان واشنطن تريد القضاء على داعش مثلا وبعد ما جرى وانقضى ماذا نقول ؟.
واشنطن استولدت داعش من رحم القاعدة في العراق وفي داخل سجون الاحتلال تكون قادتها وكوادرها وعهد بهم إلى المخابرات السعودية والتركية وجميع المظاهر تفيد بان حكومتي تركيا والسعودية قدمتا الحضانة والرعاية وثمة خيوط اتصال باقية خفية وظاهرة إلى اليوم ولم يقطع بعضها سوى جبل النار الروسي .
حين توافق الإمبراطورية الأميركية على عملية سياسية مقيدة بأطر معينة فهي ترضخ لتوازنات متحولة وتراهن على الزمن لحماية عصاباتها وتمد حبال المراوغة في كل اتجاه وتعمل في الخفاء لاختبار التلاعب بتوازن القوى على الأرض ولا ترضخ من جديد لأطر التفاهمات إلا مكرهة وتحت وطأة فشل المحاولة وهل لاحظنا ان رقصة التانغو بين التصعيد والتفاوض هي ذاتها في اليمن وسورية ؟ .
صبر القيادة السورية كبير وقوي دون شك وهي منذ بداية العدوان تلاحق الكذابين حتى أبوابهم وقد فضحت سائر المناورات الخبيثة في كل مبادرة او محاولة او تفاهم وراكمت مصداقية وثباتا ولا شك أيضا في الحزم الروسي الذي يرسم حدودا لبهلوانيات جون كيري العالق في سؤال تصنيف بعض العصابات على لائحة الإرهاب والمتذرع باعتراضات تركية وسعودية ليستر تواطأه المفضوح امام سيرغي لافروف الذي يراه بوضوح ذئبا يتنكر في جلد حمل افترسه للتو.
هل يمكن لعاقل تصديق ان أردوغان او عادل الجبير او بن حمد آل ثاني او ملك الأردن اتخذوا منفردين أو مجتمعين قرار كسر وقف القتال الذي أعلن بتفاهم روسي اميركي فأرسلوا الأسلحة والأموال إلى سورية واطلقت جماعاتهم من القتلة والمرتزقة هجمات جديدة دون علم الإدارة الأميركية وموافقتها وتوجيهها ؟ وهؤلاء جميعا يعملون تحت القيادة الأميركية ؟
وهل يمكن لعاقل ان يصدق تنصل جون كيري من مسؤولية خرق اتفاق وقف العمليات القتالية وتظاهره بالسعي لتثبيته ؟ وهل من المفاجيء مجددا اكتشاف حملات البروباغندا والضجيج والتفجع على الضحايا في حصيلة تحريك الطابور الإعلامي بالتوازي مع طوابير المرتزقة والإرهابيين الذي يرتكبون مجازرهم ضد اهالي مدينة حلب ويروعون أريافها من سنوات ؟ أليس المشهد نفسه يتكرر من خمس سنوات؟ وهولم يقطع إلا حيث حسم الجيش العربي السوري وحلفاؤه الموقف على الأرض ؟
اللعبة الأميركية المزدوجة هي نفسها عبر تدبير وتغذية محاولات لاختبار زحزحة التوازن على الأرض واستنزاف الجيش العربي السوري وحلفائه وعرقلة أي استعداد ميداني لخوض معركة حاسمة ضد جبهة النصرة وداعش ومن جهة ثانية ترك الخطوط مفتوحة مع روسيا تحت شعار تثبيت وقف القتال .
الهدف الأميركي الرئيسي هو تعطيل أي حملات هجومية لتحرير منطقة هامة وحاسمة في الجغرافيا السورية سيعني تحريرها كسر ظهر المخطط العدواني برمته وقلب المعادلات بالنظر إلى الثقل الاقتصادي والسكاني والأهمية السياسية لحلب وريفها فتحرير حلب سيعني تقويض خطة تقسيم سورية نهائيا وقطع أذرعة أردوغان وسحقها .
الولايات المتحدة ما تزال مصممة على تغطية وحماية عصابات إرهابية كأحرار الشام وجيش الإسلام وفصائل التركمان وسواها بينما لدى القيادة الروسية ما يثبت تداخلها وتشابكها العضوي مع جبهة النصرة وقتالها إلى جانبها وواشنطن تراوغ لتحيدها عن أحكام آلية وقف القتال التي تغطي استمرار المعارك ضد عصابات الإرهاب وبالتأكيد ليست عقدة جون كيري في إقناع عادل الجبير او أردوغان بقبول التصنيف الروسي المدعم بالقرائن والوثائق بل إن العقدة هي في حسابات التحول المقبل على معادلات القوة وكيفية تجديد المساعي الأميركية المستميتة لاختراق النسيج السوري ولحماية مواقع نفوذ وعمالة في الواقع السياسي السوري بأي ثمن لأن انتصار الدولة الوطنية وحلفاءها في حلب سيحدث زلزالا سياسيا في سورية والمنطقة برمتها وما بعده غير ما قبله تلك هي الحقيقة التي يعرفها الجميع بقوة وفي ذلك ما يفسر كل ذلك الضجيج والعويل الذي يقع في شباكه بعض السذج الذين ينطلي عليهم نواح مرتكبي تلك الجرائم ضد أبناء حلب عقابا على مواقفهم الوطنية المشرفة وهي الدوافع ذاتها خلف المماطلة الأميركية التي لن يطول الصبر الروسي على استفزازها السمج.