أُسود في القفص: عميره هاس
الطرف الثاني للانفاق هو مهارات وقدرات الفلسطينيين في غزة. واذا أزلنا عن هذا التطوير التحت ارضي الهدف العسكري له فنحن ملزمون بالاعجاب بالتصميم والطاقة والجرأة والقدرة على الاختراع والتعلم عند المخططين والحافرين. المهارات المستثمرة في هذه الانفاق، أو بشكل أدق، المهدورة على الهذيانات العسكرية لمجتمع محاصر، هي مجرد تذكير لما هو غير معروف أو يجد التعبير عنه. والى أن تم تدميرها، كانت الانفاق في رفح تستحوذ على الكثير من المهارات والطاقة. والآن هي تقتصر على الحاجة الدفاعية أو الهجومية.
لولا الانفاق والصواريخ لما تم ذكر غزة أبدا في وسائل الإعلام الإسرائيلية. فمن ناحيتنا هي غرقت في البحر تقريبا مع مليونين من سكانها. لذلك، حتى لو لم نعترف بشكل علني بالمهارات الغزية التي مكّنت من حفر الانفاق، فهم الوحيدون الذين يحظون باهتمام مجاني من قبل الاجهزة الإسرائيلية لهندسة الفوضى واخفاء الاسباب الحقيقية للقلق. واحيانا تظهر غزة في وسائل الإعلام لدينا كجالية صماء تحتاج إلى الدعم والى سخاء العالم ومكتب منسق الاعمال في المناطق (الذي ينقذ من حديقة الحيوانات هناك أسود مريضة ويسمح بنقلها إلى طولكرم).
الجيش الإسرائيلي تأخر في الاعتراف بخطر الانفاق، كما كتب أمير أورن في «هآرتس» في 22 من هذا الشهر. بسبب «الطابع الشخصي والتنظيمي لمن يتعطر بالنجاحات دون الاستعداد في نفس الوقت من اجل افشال الامور التي تتجاوز هذه النجاحات». واليكم تفسيرا آخر: السجانون الإسرائيليون والضباط والسياسيون رفيعو المستوى هم ضحية لواقع السجن الذي قاموا بانتاجه بأنفسهم. فقد قلصوا مساحة الحياة إلى الحد الأدنى، الحركة وتطور سكان القطاع، وعندها استنتجوا أن الناس الذين يعيشون هناك لا يستطيعون وليسوا بحاجة إلى المكان والاحلام والخطط وتحقيقها.
في عالم المفاهيم والاعمال للسجانين في وزارة الدفاع وفي الجيش الإسرائيلي، قلصوا الفلسطينيين إلى الابعاد الفيزيائية التي أرادوها داخل هذا القفص. إنهم يعرفونهم إما كمحتاجين للمساعدة من من غرف التحقيق والتعذيب. فهناك يوجد أسراهم في ظروف اهانة ودونية متطرفة. باختصار، السجانون غير مستعدين لأي شيء سوى الاستخفاف بالفلسطينيين. وانسانيتهم ليست واردة في الحسبان.
مثل كل مجتمع انساني، القطاع مليء بالمهارات والقدرات في كل المجالات، وايضا الطموح لتطويرها. دبلوماسيون وموظفون في منظمات المساعدة التي تسمح إسرائيل بدخولهم إلى غزة بسبب دورهم في قائمة مقدمو الصدقة، يتأثرون دائما من الطاقات والقدرات التي يكتشفونها هناك. ولكن ظروف السجن الجماعي لا تخفي القدرات فقط بل تقيدها وتسحقها.
جزء كبير من الوقت والطاقة والمهارات الشخصية والعائلية والاجتماعية يتم هدرها على اعمال يومية من المفروض أن تكون بسيطة (الكهرباء والماء والحاسوب وتحضير الواجبات البيتية). وهي ليست كذلك بسبب القيود الإسرائيلية على دخول مواد البناء والمواد الخام أو بسبب الصراع بين فتح وحماس (الذي يؤثر على توفير الكهرباء). جزء آخر من الطاقة يتم استهلاكه بانتظار الحصول على تصاريح الخروج من القطاع بالنسبة للقلائل الذين يأملون بسماح السجان الإسرائيلي لهم بذلك.
الحصار الذي يستمر منذ 25 سنة قلص ودفن الخطط والمبادرات والاحلام. شيء أساسي مثل الخروج لاستكمال دراسة الطب في الخارج أو المشاركة في مهرجان فرق الاولاد في بير زيت، مثل النزول على القمر. الناس هناك لا يحلمون ولا يخططون حتى لا يخيب أملهم. لهذا ليس غريبا أن الكثيرين يطمحون للهجرة، والكثيرين فعلوا ذلك. وليس غريبا أن يُعجل أو يضطر البعض منهم في لعب دور وممارسة مهاراته في موضوع الانفاق.
هآرتس