لبنان مختبر المنطقة كان وسيبقى
ناصر قنديل
– ينصرف اللبنانيون إلى التعاطي مع السياسة وأزماتها واستحقاقاتها وينظرون إلى ما يجري في الجوار حولهم بعيون الأمل، وينتظرون زيارات الوفود الدولية الرئاسية والوزارية وهم يتوقعون أن يسمعوا كلمة السرّ التي اعتادوا أن يسمعوها مع كلّ استحقاق، لكن كلّ شيء يتأخر، فيما يبدو الجوار محكوماً بقواعد وقوانين صراع ليس فيها مكان الفعل والفاعل إلا لقوة لبنانية وحيدة هي حزب الله، الذي نجح بمبادرة شجاعة في التحوّل قيمة مضافة في حلف دولي إقليمي يبدو وهو يتقدّم بثقة نحو صناعة نصف نصر، إنْ لم يكن النصر الكامل متاحاً، فنصف نصر دولي ونصر كامل إقليمياً بالرغم مما يستجلبان على حزب الله في ربع الساعة الأخير من حروب صغيرة متفرّقة، وحرب كبيرة شاملة منسقة، تشكل جميعها اعترافاً له بهذه المكانة ووقوفه بالتعامل معها من موقعه الجديد كلاعب إقليمي فاعل من خارج التفاصيل اللبنانية ليصير بهذه الصفة شريكاً فيها، فوق شراكته الطبيعية كفريق لبناني.
– تقدّم سنتين من الفراغ الرئاسي اللبناني، مرّت على إيقاع محسوب بتشجيع دولي وإقليمي على إدارة الفراغ بدلاً من تعبئته، منذ التشجيع على التمديد للمجلس النيابي وتشكيل الحكومة الجديدة استباقاً للوقوع في الفراغ الرئاسي وقبل وقوعه بسنة بالنسبة لتمديد ولاية المجلس النيابي وبستة أشهر بالنسبة لاستيلاد الحكومة الحالية، وكلّ من الأمرين استدعى ما هو أكثر من المواكبة الدولية والإقليمية تحت شعار حفظ الاستقرار، فكانت مشاورات وتوافقات وكان تخلّ عن شروط مسبقة، من نوع لا حكومة مع حزب الله وهو يقاتل في سورية، جرى تخطيها بقدرة قادر، لأنّ الفراغ آتٍ لا محالة، وقد أتى، والمطلوب مجلس نيابي ممدّد ينتظر، وحكومة تصريف أعمال تقف وتتعثر، لكنها تنتظر أيضاً.
– الانتظار اللبناني يبدو بالنسبة لكثير من اللاعبين اللبنانيين، وقتاً ضائعاً يملأونه حتى تحين ساعة الإقلاع في استحقاقاتهم، بينما يبدو بالنسبة للخارج مختبراً لأزمات وحلول المنطقة، ففي لبنان يختبر العالم أربعة خيارات وقضايا، لن يكتب للمنطقة فرصة الانتقال نحو التسويات دون تبلورها وحسمها، أولها توازن القوة المحيط بـ«إسرائيل» في ظلّ الانخراط العضوي المرهق لحزب الله في حرب سورية وبعض من حروب أخرى بنسب مختلفة، وثانيها فرصة نجاح النظام الطائفي اللبناني في تقديم نموذج لإدارة الأزمات يتيح اعتماده في تركيب أنظمة على شاكلته من رحم العاصفة التي تجتاح المنطقة، وهذا معنى كلام المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا عن نموذج لبنان الملهم، وثالثها مكانة المسيحيين في الشرق وقدرتهم على الاحتفاظ بحضورهم كرقم صعب لا يمكن تجاهله، ومن هذا الحضور اللبناني وصخبه تحت العنوان المسيحي للدور والمكانة ستتحدّد كثير من الأشياء المتصلة لمفهوم الدولة المدنية والألوان الدينية والطائفية المتساكنة في ظلّ سلم أهلي، أم الفدرالية، أم الدولة شبه الدينية على الطريقة التركية، وفي لبنان ومن لبنان سيتقرّر وزن ودور الزعامات الطائفية الإقليمي بعدما بات لزعماء الطوائف اللبنانية مكانة القيادة لطوائفهم خارج لبنان وعلى مساحة الإقليم خلال العقود الثلاثة الماضية، منذ زعامة كلّ من الرئيس رفيق الحريري والنائب وليد جنبلاط لطائفتيهما في الإقليم، مقابل الزعامة التي يحتلها مسيحيو لبنان تاريخياً بين أبناء طوائفهم في المنطقة، والاختبار الرابع لمشاريع التوطين سواء للسوريين أو للفلسطينيين كخيار يضمن قدراً عالياً على المستوى الدولي والإقليمي من التأثير في القضيتين السورية والفلسطينية لاحقاً عبر لبنان، ويتيح أمناً عالياً للغرب من مخاطر التلاعب بتكوينات مجتمعات هشة في أوروبا، خصوصاً تجاه بيئتها العنصرية من جهة وأمنها المتأرجح من جهة مقابلة.
– يبدو أنّ لبنان المختبر قد أدّى الوظيفة أو يكاد، وتستمرّ الزيارات لجسّ النبض ومعرفة قدرة الاستمرار والتحمّل، فيبدو النظام الطائفي يحتضر وهو يظهر عقمه في القدرة على استيلاد الحلول، وتبدو الحالة المسيحية حاضرة وقادرة، وتبدو الزعامات اللبنانية للطوائف والمذاهب في الإقليم إلى اضمحلال، ويبدو أمن «إسرائيل» في أسوأ حالاته، ولا يبدو التوطين وصفة قابلة للتسويق، ولا يبدو الحلّ اللبناني متاحاً قبل أن تنجلي الحرب المفتوحة على حزب الله عن تسوية تحدّد التزاماته في الحرب على الإرهاب مقابل مكانته في توفير العباءة اللبنانية لإعادة تكوين النظام.
(البناء)