ألذّئبُ والحمَل ناصيف ياسين
يُقالُ إنّ ذئبًا جائعًا عثَرَ على حمَلٍ قرب نهر ٍ ، فسال لُعابه عليه ، يُريد أكلهُ . وبما أنّ الذئبَ ” عادلٌ وديمقراطيٌّ جدًّا !” وجّهَ تُهمةَ تعكير الماء .، لِلحمَل الذي أجابه : أنت من جهة النبع ، وأنا بعيدٌ عنه … فقال الذئب : أنت فعلتَ ذلك ، في العام الماضي . أجابه الحمَل : لقد وُلِدْتُ في هذه السنة . فقال الذئب : لا بُدّ أنّ أباك أو جدّك ، قد عكّر عليّ الماء ، ولا بدّ من أكلك ؟!
هو منطق الغاب الذي تؤمن به قوى الغرب الإستعمارية وأتباعها المحلٰيّون … فالمُراقب الذي يسمع ويُشاهد باراك أوباما ، وهو يعود بعد خمس عشرة سنةً من أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 ، مُلمّحًا إلى دور أكثرية الإرهابيّين الذين دمّروا البرجين ، بأنهم سعوديّون ، يظنّ أنّ ” صحوةَ ضميرٍ ” قد انتابت الرئيس الأميركيّ وهو يريد أن يُصحّحَ البوصلة ، لكثرة ما أشاعه من نقديّاته المتتابعة لآل سعود ودورهم في تخلّف المجتمع الذي يحكمونه .
لكن ، ها هو ، اليوم ، يلتقي بهم ، ليشدّ من عزائمهم ، ويُمتّنَ أواصر تعاضدهم مع مجلس التعاون الخليجيّ ، بعد كلّ ما أدّوه من إداناتٍ لإيران و” حزب الله ” في كل المحافل التي قادوها ، من جهة ، ويطالب بتعويضاتٍ لأهالي ضحايا البرجين – في عملٍ ابتزازيٍّ- ” لِحَلْبِ ” المزيد من ثروة النفط السعودية ، من جهةٍ أخرى . وتُصبح كل الإعتداءات الأميركية على البلدان الأخرى ، التي افتُعِلَتْ بحجّة ” أحداث البرجين ” باطلةَ الحجّة ، ويمكن إعادتها إلى النوايا ” الذِّئبيّةِ ” المُبَيّتة التي خطّطت لها واشنطن ، لغزو تلك البلدان ، بصرف النظر عن الذرائع المُدرَجَة بمنطق ” الذئب والحمَل ” . وهاكُمُ الوقائع :
يقول الجنرال الأميركيّ المتقاعد والقائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي وللقوات الأميركية في أوروبا ، ويسلي كلارك :
” ذهبتُ بعد عشرة أيامٍ على أحداث 11 أيلول عام 2001، والتقيتُ وزيرَ الدفاع دونالد راميسفيلد ونائبه بول وولفويتز . وبينما كنت خارجًا ، التقيتُ أحد الضباط الكبار العاملين في ” البنتاغون ” ، فقال لي : لقد اتّخذنا القرار: سنشنّ الحرب على العراق . فسألتُهُ : هل وجدتم صِلَةً بين الإرهابيّين والنظام العراقيّ ؟ أجابني : لا ، فنحن لا نعلمُ ماذا نفعلُ بشأن الإرهاب ، ولكن ، لدينا جيشٌ جيّد ، ويُمكننا أنْ نُسقطَ حكومات !
وبعد عدّة أسابيع ، وبينما كانت الطائرات الأميركية تقصف أفغانستان ، عدتُ – يقول كلارك – والتقيتُ الضابط و سألتُه : هل ما زلنا ذاهبين إلى الحرب في العراق ؟ أجابني : إنّ الأمر أسوأ من ذلك . وأمسك بورقةٍ وقال لي : ” أرسلوها لي من مكتب وزير الدفاع . وهي مذكّرةٌ توضحُ كيف سنُدمّرُ سبعَ دوَلٍ في غضون سبع سنوات ، بدءًا من العراق ثمّ سوريا ولبنان وليبيا والصومال والسودان ، وصولًا إلى إيران ” ؟!
إذًا : كان هذا عام 2001 … ولم يردْ إسمُ اليمن ، ربما لاطمئنانهم لنظامه ، آنذاك . إنه منطق الإفتراس ، المُسبق ، وافتراءاتُ الذرائع تأتي لاحقًا… لعلّ حكمة الإمام عليٍّ ما زالت فاعلةً وصالحة : ما غُزِيَ قومٌ في عِقر دارهِم ، إلّا ذُلّوا !
ونحن ، لن يُكتَبَ لنا النجاح إلّا حينما نستعيد روح المبادرة إلى الهجوم ، ولو كان ذلك من موقع الدفاع الايجابيّ . وهو ما يتطلّبُ وعيًا مُسبقًا وتجهيزًا ملائمًا ، وتنظيمًا يكون أثرُهُ على امتداد الوطن العربيّ. فالهجْمَةُ علينا شاملةٌ ، والرّدّ يجبُ أنْ يكونَ شاملًا … والنصرُ لِمن يتحلّى بالصّبر والجلَدِ والإرادة وحُسْنِ التدبير ؟!!