عقيدة اوباما.. الحلقة الرابعة والأخيرة
جيفري غولدبرغ
ذي اتلانتك..
العلاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانت المحور الأول من هذه الحلقة الأخيرة ويبدي الرئيس الأميركي تقديرا لشخصية نظيره الروسي ويشرح كيف ان إدراكه لحدود القوة الأميركية ووعيه لمخاطر السير في المغامرات المجنونة يدفعانه إلى الحرص على قدر من التواصل حول المصالح المشتركة مع الزعيم الروسي لكنه لا ينسى التركيز على اولوية التحدي الصيني في السنوات العشرين القادمة على الرغم من تسليمه بأولوية التحسب لمخاطر انقلاب المناخ العالمي ونتائجه الكارثية على البشرية .
ويعارض اوباما النزعة المغامرة التي حملتها عقيدة ريتشارد نيكسون في السبعينيات وقادت إلى تصعيد التورط الأميركي في فيتنام بينما يبدي إعجابا خاصا برونالد ريغان الذي عرف برأيه حدود القوة فلم يتورط في لبنان بعد تفجيري السفارة الأميركية ومقر المارينز وهو لم يكن زاهدا في استعمال القوة العسكرية بدليل غزوه لغرينادا الذي كان عملية محسوبة بدقة ومحدودة.
أما حول المنطقة وتوجهات اوباما ينقل الكاتب في نهايات نصه عقيدة اوباما ” توصل الرئيس إلى الاستنتاجات التالية :
الأول هو أن الشرق الأوسط لم يعد مهماً جداً للمصالح الأمريكية.
والثاني هو أنه حتى لو كانت منطقة الشرق الأوسط هامة بشكل بارز، سيظل هناك القليل لرئيس أمريكي يمكن القيام به لجعله مكاناً أفضل.
والثالث هو أن الرغبة الأمريكية الفطرية لإصلاح أنواع المشاكل التي تعبر عن نفسها بصورة أكثر حدة في الشرق الأوسط يؤدي حتماً إلى الحرب ، والي مقتل الجنود الأمريكيين، وإلى التشكيك في مصداقية الولايات المتحدة ونواياها.
الرابع هو أن العالم لا يستطيع أن يرى زوال قوة الولايات المتحدة “.
نص الحلقة الرابعة والأخيرة
وصف اوباما العلاقة مع بوتين بالتي لا تطابق تماماً التصورات المشتركة. فقد كان لدي انطباع أن أوباما نظر إلى بوتين على أنه شرير، فظ، وقصير. لكن أوباما أخبرني أن بوتين ليس شريراً على نحو كبير.
“في الواقع، الحقيقة هي أن بوتين، في جميع مقابلاتنا، كان مهذباً بشدة وصريحاً جداً. مقابلاتنا عملية جداً. لا يدعني أبداً أنتظر لساعتين مثلما يفعل مع الآخرين.” قال أوباما إن بوتين يظن أن علاقته بالولايات المتحدة أكثر أهمية مما يتخيل الشعب الأمريكي. “إنه مهتم دائماً بأن نراه كنظير لنا وكعامل معنا، لأنه ليس غبياً تماماً. إنه يفهم أن موقف روسيا الشامل في العالم يتقلص بشكل ملحوظ. والحقيقة أنه لن يصبح ندا لنا من خلال ما يفعله من غزو شبه جزيرة القرم أو محاولة دعم الرئيس بشار الأسد ولا تراه في أي من هذه المقابلات يساعد في حل مشكلة هامة، فالروس لن يحلوا اي قضايا عالقة من خلال اجتماع مجموعة الـعشرين. غزو روسيا لشبه جزيرة القرم في أوائل 2014، وقرارها باستخدام القوة في دعم حكم بشار الأسد في سورية ، استشهد بهما نقاد أوباما كدليل على أن العالم الذي ما بعد الخط الأحمر لم يعد يخيف أمريكا لذا عندما تحدثت إلى الرئيس باراك اوباما في المكتب البيضاوي في أواخر يناير، أثرت مرة أخرى هذا السؤال عن المصداقية المانعة. ” قلت له إن فلاديمير بوتين راقب موقفك تجاه سوريا وقال إن اوباما منطقي وعقلاني جداً، ويعمل على تخفيض النفقات بشكل كبير، لذلك سأدفعه قليلاً للخوض في أوكرانيا.”
لم تلق طريقتي في الأسئلة إعجاب أوباما كثيراً. قال “أنظر، لكي تعرف ما يحيرني دائماً هو كيف يتجادل الناس. لا اعتقد أن أيا كان يفترض أن جورج بوش كان عقلانيا أو حذرا في استخدامه للقوة العسكرية بشكل مفرط. وعلى ما أذكر، لأنه على ما يبدو لا أحد من هذه المدينة يعلم، غزا بوتين جورجيا على مرأى من بوش، وهي صفعة موجهة لنا أن يكون لديه أكثر من مائة ألف جندي منتشر في العراق.” كان أوباما يشير إلى غزو بوتين لجورجيا عام 2008، الجمهورية السوفييتية السابقة، التي سُلبت للأسباب ذاتها التي جعلت بوتين يغزو أوكرانيا لاحقاً وهي للحفاظ على الجمهورية السوفييتية السابقة تحت سيطرة ونفوذ روسيا.
أوضح الرئيس الأمريكي أن تصرف بوتين في أوكرانيا كان رد فعل لان الدولة العميلة (اوكرانيا) كانت على وشك الخروج من سيطرته، وتصرف بوتين بطريقة لإحكام سيطرته هناك، فقد قام بالشيء ذاته في سوريا، بتكلفة هائلة لبلده كما يبدو جيداً. وفكرة أن روسيا في وضع أقوى الآن في سوريا أو أوكرانيا، مما كانت عليه قبل غزو أوكرانيا أو قبل اضطرارها لنشر قوات عسكرية في سوريا هو سوء فهم جذري في طبيعة السلطة في الشؤون الخارجية أو في العالم بصفة عامة. السلطة الحقيقية تعني أنك تستطيع الحصول على ما تريد دون الحاجة إلى بذل عنف. كانت روسيا أقوى بكثير عندما بدت أوكرانيا كدولة مستقلة ولكن الفساد وصل إلي أعلى مستوياته مما أوقع بوتين فيما حدث.”
نظرية أوباما هنا بسيطة: أوكرانيا هي مصلحة هامة لروسيا لكنها ليست كذلك لأمريكا، لذا ستتمكن روسيا دوماً من الحفاظ على هيمنة متزايدة هناك أضاف اوباما، الحقيقة هي أن أوكرانيا، التي هي دولة ليست عضوا في حلف الناتو، ستكون عرضة للهيمنة العسكرية من قبل روسيا بغض النظر عما نقوم به.
سألت أوباما ما إن كان موقفه من أوكرانيا واقعيا أم معتمدا على القضاء والقدر.
قال “إنه واقعي، لكن هذا مجرد مثال ويجب أن نكون أكثر وضوحا بشأن مصالحنا الأساسية وأين تقع وما يجب أن نحارب من أجله. وبنهاية المطاف، سيكون هناك دائماً بعض الغموض.” ثم تطرق اوباما إلي النقد الموجه ضده، قائلاً “اعتقد أن أفضل رد لهؤلاء الذين ينتقدون سياستي الخارجية هي أن الرئيس لا يستغل الغموض بما فيه الكفاية، ربما لا يتصرف بالطرق التي قد تجعل الناس تفكر وتهتف بابتهاج معربين عن دهشتهم: هذا الرجل مجنون قليلاً.”
نهج “نيكسون المجنون،” يفيد أن إرباك وإرهاب أعدائك يجعلهم يظنون أنك قادر على ارتكاب أفعال غير عقلانية أضاف اوباما “لكن دعنا نختبر نظرية نيكسون، لذا أسقطنا المزيد من المعدات الحربية في كمبوديا ولاوس أكثر مما فعلنا في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية، و في نهاية المطاف، انسحب نيكسون،وذهب كيسنجر إلى باريس، وكل ما خلفناه هو الفوضى والذبح، والحكومات الاستبدادية التي نشأت جراء ذلك الجحيم، عندما أذهب لزيارة تلك البلاد، سأحاول أن أكتشف كيف نستطيع اليوم مساعدتهم في إزالة الألغام التي مازالت تفجر أقدام الأطفال الصغار. ما الوسيلة التي تجعل هذه الإستراتيجية تعزز المصالح الخاصة بأمريكا؟ “
لكن ماذا إن هدد بوتين بالتحرك ضدنا، مثلاً، مولدوفا دولة ضعيفة أخرى بعد انهيار الإتحاد السوفييتي؟ ألن يساعدنا هذا ليظن بوتين أن أوباما ربما يغضب ويجن بسبب هذا الفعل؟
قال “ليس هناك دليل في السياسة الخارجية الأمريكية الحديثة أن ذلك هو رد الفعل الشعبي. رد فعل الشعب الأمريكي قائم على متطلباته، وإن كانت هامة حقاً لأحد ما، وأنها ليست بنفس تلك الأهمية بالنسبة لنا، يعلمون ذلك، ونحن نعلم ذلك، هناك سبل للردع، لكنها تتطلب منك الوضوح الشديد طول الوقت بشأن ما يستحق شن حرب وما لا يستحق. الآن، لو أن هناك أحداً في هذه المدينة التي ستدعي أننا سنفكر في شن حرب مع روسيا حول شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا، فإنهم يجب أن يتكلموا بوضوح شديد عن هذا. فكرة أن الحديث القاسي أو الانخراط في بعض العمليات العسكرية التي تمس منطقة معينة هو ما سيؤثر بطريقة ما على صنع القرار بروسيا أو الصين بما يخالف لكل الأدلة التي قد شهدناها على مدى الخمسين عاماً الماضية.”
استمر أوباما في قول إن الإيمان بالرعونة في التعامل مع الأحداث هو متجذر في “الأساطير” حول السياسة الخارجية لرونالد ريجان.
قال “إن فكرت في أزمة الرهائن في إيران، فهناك ما يحكى وقد تطور اليوم من قبل بعض المرشحين الجمهوريين وهو أنه يوم ترشح ريغان الذي بدا قاسيا في الانتخابات، قرر الإيرانيون أنهم من الأفضل أن يسلموا هؤلاء الرهائن، ولكن ما قد حدث حقاً هو مفاوضات طويلة مع الإيرانيين ولأنهم يكرهون كارتر جداً حتى برغم إتمام المفاوضات استبقوا تلك الرهائن حتى اليوم الذي لم يُنتخب فيه ريجان. موقف ريجان، خطابه، وما إلى ذلك، لم يفعل شيئاً لتحريرهم.
وعندما تفكر في العمليات العسكرية التي قام بها ريجان، لديك جرينادا التي من الصعب الجدال أنها ساعدت قدرتنا على تشكيل الأحداث العالمية، على الرغم من أنها كانت سياسة جيدة بالنسبة له لدعم الوطن. لديك مسألة معاداة إيران، التي دعمنا فيها البرلمانيين اليمينيين ولم نفعل شيئاً لتجميل صورتنا في أمريكا الوسطى، ولم تكن ناجحة على الإطلاق.” ذكرني أن العدو اللدود لريجان، دانيل أورتيجا، هو اليوم الرئيس غير النادم لنيكاراجوا.
نوه أوباما بقرار ريجان سحب القوات الأمريكية على الفور من لبنان بعد مقتل مائتين وواحد واربعين جندياً في هجوم لحزب الله في عام 1983. قال ساخراً “من الواضح أن كل هذه الأحداث ساعدتنا لكسب المصداقية مع الروس والصينيين، لأن تلك هي القصة التي تروى. والآن اعتقد فعلاً أن رونالد ريجان قد حقق نجاحاً عظيماً في السياسة الخارجية والتي كانت تهدف إلي إدراك الفرص التي قدمها جورباتشوف والانخراط في دبلوماسية موسعة و التي صارت محل نقد من قبل نفس الأشخاص الذين يستخدمون الآن رونالد ريجان لتعزيز فكرة أننا يجب أن نثير حماس الجماهير بعبارات رنانة.”
في محادثة في نهاية يناير، طلبت من الرئيس وصف التهديدات التي يقلق أكثر بشأنها وهو في طريقه في الأشهر المقبلة لتسليم السلطة لخليفته رد اوباما “حين أمعن النظر في العشرين سنة القادمة، فظاهرة تغير المناخ تقلقني بشدة بسبب الآثار التي تخلفها على كل المشاكل الأخرى التي نواجهها، إن بدأت في رؤية جفاف أكثر حدة ومجاعات على نطاق اكبر ومزيد من النزوح من شبه القارة الهندية والمناطق الساحلية في أفريقيا وآسيا واستمرار مشاكل الندرة واللاجئين والفقر والمرض، فهذا يعظم من المشاكل الأخرى ويجعلها أسوأ. فظاهرة تغير المناخ تتجاوز القضايا الوجودية للكوكب الذي بدأ الدخول في حلقة مفرغة سيئة ” وألمح اوباما إلى خطورة الارهاب قائلاً إن الإرهاب أيضاً مشكلة طويلة الأجل، عند ربطه بمشكلة الدول الفاشلة.
ما الدول التي يعتبرها باراك اوباما التحدي الأكبر لأمريكا في العقود القادمة؟ قال “من حيث العلاقات التقليدية الكبيرة للدولة، أظن أن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ستكون الأكثر أهمية. إن فهمنا ذلك جيداً وواصلت الصين النهوض السلمي، إذاً فسيكون لدينا الشريك الذي ينمو في القدرة ويشارك معنا أعباء ومسؤوليات الحفاظ على النظام الدولي. وإن فشلت الصين ولم تتمكن من الاحتفاظ بمسار يرضي سكانها وعليها أن تلجأ إلى القومية كمبدأ تنظيمي؛ وإن شعرت بالإرهاق بسبب تولي مسئوليات دولة بحجمها في الحفاظ على النظام الدولي؛ إن نظرت الصين للعالم من منظور النفوذ الإقليمي إذاً فسنواجه صراعاً محتملاً مع الصين، وسنجد أنفسنا نواجه المزيد من الصعوبة في التعامل مع هذه التحديات الأخرى التي ستأتي.”
لاحظت العديد من الناس يريدون أن يكون الرئيس أكثر حزما في مواجهة الصين، خصوصاً في بحر الصين الجنوبي. قد سُمع عن هيلاري كلينتون أنها قالت لأحدهم في جلسة خاصة “لا أريد أن يعيش أحفادي في عالم يحكمه الصينيون.”
قال أوباما ” لقد كنت واضحاً جداً في القول بأن لدينا المزيد من التخوفات من الصين وهي في حالة ضعف اما في حالة النمو والنجاح فسنواجه تهديدا اكبر، اعتقد أنه علينا أن نكون حازمين في التعامل مع الصين حين تعمل على تقويض المصالح الدولية، وبالنظر إلي العمليات العسكرية في بحر الصين الجنوبي، فقد تمكنا من حشد معظم آسيا لعزل الصين بالطرق التي فاجأت الصين، بصراحة، وخدمت مصلحتنا كثيراً في تعزيز تحالفاتنا.”
روسيا المتخبطة الضعيفة تشكل تهديدا كذلك، لكن ليس تهديداً من الدرجة الأولى. قال أوباما “على عكس الصين، فهم لديهم مشاكل ديموغرافية، مشاكل هيكلية اقتصادية تتطلب رؤية وجيلا ليتغلب عليها. المسار الذي يتخذه بوتين لن يساعد في التغلب على تلك التحديات.
لكن في تلك البيئة، التخطيط لإظهار عظمة القوة العسكرية هو ما يميل إليه بوتين. لذا أنا لا أقلل من شأن المخاطر هناك.” عاد أوباما إلى النقطة التي كان قد أدلى لي بها مراراً وتكراراً، النقاط التي يأمل أن الدولة والرئيس القادم يستوعبها جيداً: “تعلم، الفكرة القائلة بأن الدبلوماسية والتكنوقراط والبيروقراطيين بطريقة أو بأخرى تساعد على إبقاء أمريكا آمنة ومأمونة، معظم الناس يعتقدون انه هذا هراء لكنه حقيقة. وبالمناسبة، إنه عنصر من عناصر القوة الأمريكية الذي يقدره باقي العالم بشكل لا جدال فيه. عندما ننشر قوات، هناك دائماً شعور من جانب دول أخرى أنه عند الضرورة، تُنتهك السيادة.”
على مدار العام الماضي، زار جون كيري البيت الأبيض بانتظام ليطلب من أوباما أن ينتهك سيادة سوريا. في مناسبات عدة، طلب كيري من أوباما إطلاق صواريخ على أهداف محددة للنظام، تحت ستار الظلام، “ليبعث رسالة” للنظام. قال كيري إن الهدف ليس الإطاحة بالأسد ولكن لتشجيعه، وإيران وروسيا، على التفاوض بشأن السلام، عندما كانت لحليف الأسد اليد العليا في الساحة، كما كان لديه في الأشهر القليلة الماضية، لم يبد أي رغبة في أخذ توسلات كيري للتفاوض بحسن نية أكد كيري على أن بعض الصواريخ العابرة قد تشد انتباه الأسد ومؤيديه. قال لي مسئول رفيع المستوى في الإدارة “يبدو كيري كأحمق مع الروس، لأنه ليس لديه تأثير “أخبر كيري أوباما أن الولايات المتحدة لن تضطر لأن تتبنى مسؤولية الهجمات، لكن “الأسد” سيعلم بالتأكيد من الذي أطلق الصواريخ.
قاوم أوباما طلبات كيري، ويبدو أنه قد ازداد صبراً مع تصاعد الضغط عليه. “في الآونة الأخيرة، عندما سلم كيري أوباما الإطار العام للخطوات الجديدة مكتوباً لجلب المزيد من الضغط على “الأسد”، قال أوباما، “قدم لي اقتراحا آخر؟” وقد أخبرني مسؤولو الإدارة أن بايدن نائب الرئيس أصبح محبطا هو الآخر مع طلبات كيري بالتحرك،فقد قال على انفراد لوزير الخارجية “جون، هل تذكر فيتنام؟ هل تذكر كيف بدأ ذلك؟” في اجتماع مجلس الأمن القومي الذي عُقد في وزارة الدفاع الأمريكية في ديسمبر، أعلن أوباما أنه لا أحد سوى وزير الدفاع يحضر له مقترحات لعمل عسكري. استوعب مسئولو البنتاجون الأمر وأدركوا أن تصريح أوباما ما هو إلا ضربة موجعة موجهة إلى كيري لمنعه من تقديم اقتراحات عسكرية مرة أخرى.
راهن أوباما على أن ثمن العمل الأمريكي المباشر في سوريا سيكون أعلى من ثمن التقاعس عن العمل.
في أحد أيام يناير، في مكتب كيري بوزارة الخارجية، عبرت عما يجول بخاطري قلت إن كيري منحاز لخيارالعمليات العسكرية أكثر من الرئيس الأمريكي.
اعترف كيري “ربما أنا كذلك. أنظر القول الفصل في هذه الأمور في يديه، أود القول أنني أظن أنه كانت لدينا علاقات تعاون تفاعلية تعمل بشكل فعال جداً. لأنني سآتي مع التحيز نحو تجربة القيام بكل شيء.”
تحذير أوباما بشأن سوريا أثار حفيظة الإدارة الأمريكية التي رأت فرصا في لحظات مختلفة على مدار الأربعة سنوات الماضية، لقلب الساحة على الأسد. ظن البعض أن قرار بوتين بالقتال سيدفع أوباما لتكثيف الجهود الأميركية لمساعدة المتمردين المناهضين للنظام. لكن أوباما، حتى كتابة هذا التقرير، لم يحرك ساكنا، لأنه اعتقد أن وقف روسيا عما تفعله هو أمر بعيد عنه ولكن هذا خطأ فادح. أخبرني “إنهم ممتدون على نحو بعيد، إنهم ينزفون، واقتصادهم قد تقلص لمدة ثلاث سنوات على التوالي، بشكل جذري.”
في اجتماعات مجلس الأمن القومي، كان يشار إلى إستراتيجية أوباما في بعض الأحيان “كمنهج توم سوير” كان رأي أوباما أنه إن أراد بوتين توسيع موارد نظامه من خلال رسم الحدود في سوريا، فيجب على الولايات المتحدة أن تدعه وشانه. في أواخر فصل الشتاء، على الرغم من أن روسيا عندما بدأت تحرز تقدماً في حملتها لترسيخ حكم الأسد، بدأ البيت الأبيض مناقشة سبل تعميق الدعم للمتمردين، على الرغم من بقاء معارضة الرئيس لمشاركة أوسع نطاقاً. في المحادثات التي أجريتها مع مسؤولي مجلس الأمن القومي على مدار الشهرين الماضيين، شعرت بهاجس ينذر بوقوع حادثة على غرار هجوم سان برناردينو، على سبيل المثال هل تُجبر الولايات المتحدة على اتخاذ إجراء جديد ومباشر في سوريا، بالنسبة لأوباما، هذا سيكون كابوسا.
أخبرني أوباما أنه إن لم يكن هناك العراق، أفغانستان، وليبيا، قد يكون أكثر عرضة لتحمل المخاطر في سوريا. ” الرئيس لا يتخذ قرارات في الفراغ. ليس لديه لائحة بيضاء. أي رئيس عميق التفكير، على ما أعتقد، سيعترف أنه بعد أكثر من عقد من الحرب، مع الالتزامات التي لا تزال حتى يومنا هذا والتي تتطلب كميات كبيرة من الموارد والاهتمام في أفغانستان، ومع تجربة العراق، ومع التوترات الملقاة على جيشنا، فأي رئيس عميق التفكير سيتردد بشأن عقد التزام جديد في المنطقة نفسها من العالم مع تواجد نفس الاحتمالات لنتائج غير مرضية.”
سألت الرئيس “هل أنت حذر كثيراً؟”
قال “لا، هل أظن أنه إن لم نكن قد غزونا العراق و إن لم نكن مازلنا متورطين في إرسال مليارات الدولارات وعدد من المدربين العسكريين والمستشارين إلى أفغانستان، فهل كنت سأفكر بشأن القيام ببعض المخاطر الإضافية للمساعدة في محاولة تشكيل الموقف السوري؟ حقا لا أعلم.”
ما أدهشني هو موقف وزير الخارجية الامريكي حين حذر بشأن نهاية مزرية للعالم لأوروبي من جراء الانخراط في سوريا، أوباما لم يقم بإعادة تصنيف الحرب الأهلية في البلاد بمثابة تهديد أمني من الدرجة الأولى.تردد أوباما في القيام بالمعركة من أجل سوريا اتخذه النقاد كدليل أنه ساذج للغاية؛ قراره في عام 2013 ألا يطلق صواريخ هو دليل، يقولون انه كذاب.
هذا النقد يحبط الرئيس. “لا أحد يتذكر بن لادن بعد الآن”، كما يقول. “لا يتحدث أحد عني عندما أرسلت ثلاثين ألف جندي إضافي إلى أفغانستان.” قال إن أزمة الخط الأحمر هي، ” نقطة الهرم المقلوب الذي تقوم عليه كل النظريات الأخرى الباقية.”
بعد ظهر أحد الأيام في نهاية شهر يناير، حيث كنت تاركاً المكتب البيضاوي، ذكرت لأوباما لحظة من مقابلة في عام 2012 عندما قال لي أنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي. حيث قال أنا رئيس الولايات المتحدة، أنا لا أكذب.”
قال “لم أفعل.”
بعد فترة وجيزة من تلك المقابلة منذ أربع سنوات، إيهود باراك، الذي كان وقتها وزير الدفاع الإسرائيلي، سألني ما أظن أن وعد أوباما بعد الخديعة كان خدعة في حد ذاته. أجبت أنه من الصعب تخيل أن رئيس الولايات المتحدة سيخدع بشأن شيء له تبعاته. لكن سؤال باراك رسخ في ذهني. حتى وقفت في المدخل مع الرئيس، سألت: “هل كانت خدعة؟” قلت له إن قلة من الناس يعتقدون الآن أنه فعلاً كان سيهاجم إيران لمنعها من الحصول على سلاح نووي.
قال اوباما “ذلك مثير للاهتمام.”
بدأت في الحديث: “هل أنت ـــ”
قاطعني قائلاً “حقاً كنت لأفعل” كنت سأضرب المنشآت النووية الإيرانية. “إن رأيتهم يتقدمون.”
أضاف، القضية الآن التي لا يمكن حلها، لأنها طارئة، هي قدرة الإيرانيين على صنع قنبلة نووية. ” كانت هذه هي قضيتي مع نتنياهو.” أراد نتنياهو من أوباما أن يمنع إيران من القدرة على صنع قنبلة، ليس فقط من امتلاك قنبلة نووية.
قال الرئيس “كنت على حق أن تصدق ما قاله نتنياهو “. لان ذلك كان يصب في مصلحة أمريكا.”
تذكرت وقتها شيء من ديريك كوليت، مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي، وقال لي: “أوباما مقامر، وليس كاذبا”.
قد وضع الرئيس بعض الرهانات الكبيرة. في مايو الماضي، حيث كان يحاول تمرير الاتفاق النووي الإيراني من خلال الكونغرس، أخبرته أن الاتفاقية تقلقني. رده كان، “أنظر، 20 عاما من الآن، وأنا لا أزال حولها، إن حصلت إيران على سلاح نووي، فسيحمل ذلك اسمي.” قال ” أعتقد أنّه من الإنصاف أن نقول إنّه فيما عدا المصالح العميقة لأمننا القومي، لديّ مصلحة شخصية في إقفال هذه الصفقة”.
في مسألة النظام السوري والجهات الراعية له الإيرانية والروسية، قد راهن أوباما، ويبدو مستعداً لمواصلة الرهان، أن ثمن العمليات الأمريكية المباشرة سيكون أكثر من ثمن التقاعس. وقال أنه متفائل بما فيه الكفاية للتعايش مع غموض قراراته المحفوفة بالمخاطر. وفي خطابه حول جائزة نوبل للسلام في عام 2009، قال أوباما، ” عدم العمل يمزق ضمائرنا ويمكن أن يؤدي إلى تدخل أكثر تكلفة فيما بعد،” اليوم الاراء التي تهدف إلي التدخل الإنساني لا تحركه، على الأقل ليس علناً. هو يعرف بلا شك أن الجيل المقبل من سامانثا باور سوف يكتب ناقداً من عدم رغبته في بذل المزيد من الجهد لمنع الذبح المستمر في سوريا. (لذا سامانثا باور ستكون أيضاً موضع انتقاد من سامانثا باور القادمة.) كما أنه يأتي إلى نهاية فترة رئاسته، يرى أوباما أنه حقق لبلاده معروفا كبيرا عن طريق الحفاظ عليها خارج الدوامة – وقال أنه يعتقد أن المؤرخين سوف يحكمون عليه ويدرجونه تحت قائمة العقلاء يوماً ما نظير ما فعله.
داخل الجناح الغربي، يقول مسؤولون إن أوباما، كرئيس ورث أزمة مالية وحربين ساخنتين من سلفه، وهو حريص على ترك المنصب لخلفه بلا مشاكل.
هذا هو سبب الحرب ضد داعش، وهي جماعة لا يعتبرها تهديدا وجوديا مباشرا للولايات المتحدة، الأولوية الأكثر إلحاحاً له للفترة المتبقية من رئاسته؛ هي قتل المدعو خليفة الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، أحد الأهداف الكبرى لجهاز الأمن القومي الأمريكي في السنة الأخيرة من فترة أوباما الرئاسية.
بالطبع، داعش صارت كيانا بمساعدة نظام الأسد، ووفقاً لمعايير أوباما الصارمة، حكم الأسد المستمر لهذه اللحظة لا يزال لا يرقى إلى مستوى التحدي المباشر للأمن القومي الأمريكي.هذا ما هو مثير للجدل للغاية حول منهج الرئيس، وما سيكون مثيراً للجدل لسنوات قادمة المعيار الذي استخدمه لتحديد ما يشكل بالضبط تهديداً مباشراً.وصل أوباما إلى عدد من الاستنتاجات المختلفة بشأن القضايا العالمية ودور أمريكا في ذلك :
الأول هو أن الشرق الأوسط لم يعد مهماً جداً للمصالح الأمريكية.
والثاني هو أنه حتى لو كانت منطقة الشرق الأوسط هامة بشكل بارز، سيظل هناك القليل لرئيس أمريكي يمكن القيام به لجعله مكاناً أفضل.
والثالث هو أن الرغبة الأمريكية الفطرية لإصلاح أنواع المشاكل التي تعبر عن نفسها بصورة أكثر حدة في الشرق الأوسط يؤدي حتماً إلى الحرب ، والي مقتل الجنود الأمريكيين، وإلى التشكيك في مصداقية الولايات المتحدة ونواياها.
الرابع هو أن العالم لا يستطيع أن يرى زوال قوة الولايات المتحدة. كما وجد العديد من قادة حلفاء الولايات المتحدة أن قيادة أوباما غير كافية للمهام التي أمامه، هو نفسه قد وجد قيادة العالم تريد: الشركاء العالميين الذين غالباً ما يفتقرون إلى الرؤية والإرادة لإنفاق رأس المال السياسي من أجل تحقيق أهداف كبيرة، وتقدمية، وخصوم أمريكا ليسوا في رأيه بنفس القدر من العقلانية. يعتقد أوباما أن التاريخ له جانبين، وأن خصوم أمريكا وبعضاً من حلفائها الوهميين قد تمركزوا على الجانب الخطأ، حيث القبلية والتعصب الديني والطائفية والعسكرية لا تزال تزدهر. ما لا يفهمونه هو أن التاريخ ينحني باتجاههم.
قال لي بن رودس “نقطة الخلاف الرئيسية تتمثل في الحفاظ على أمريكا من الانخراط في أزمة الشرق الأوسط، مضيفاً، مؤسسة السياسة الخارجية تعتقد أن الرئيس يعجل من انحدارنا. لكن الرئيس نفسه يأخذ الرأي المعارض الذي يفيد أن التوسع المفرط في الشرق الأوسط سيضر اقتصادنا في النهاية، سيضر قدرتنا على البحث عن الفرص الأخرى والتعامل مع التحديات الأخرى، وما هو أكثر أهمية، تعريض حياة أفراد الخدمة العسكرية الأميركية للخطر لأسباب لا تصب في المصلحة المباشرة للأمن القومي الأمريكي.”
إذا كنت من مؤيدي الرئيس الأمريكي باراك اوباما، فإستراتيجيته ذات منطق واضح: مضاعفة الانحدار في تلك الأجزاء من العالم لأن النجاح فيها محدود، والحد من تعرض أميركا إلى البقية. بينما يظن ناقدوه أن مشاكل مثل تلك التي نشأت في الشرق الأوسط لا يمكن أن تُحل بدون التدخل الأمريكي أما بالنسبة لسوريا فيظهر التاريخ انحرافاً باتجاه فوضى أكبر، تشكل أكبر تحدي مباشر لرؤية الرئيس.
كان جورج بوش مقامراً أيضاً، ولكنه ليس كاذب، وسوف يُذكر بقسوة عن أشياء فعلها في الشرق الأوسط، أما باراك أوباما فيراهن أنهم سيتذكرونه بكل خير نظراً لأشياء لم يفعلها .