مقالات مختارة

حضر حزب الله في القمة السعودية – الاميركية… فرفعت ايران «البطاقة الحمراء» ابراهيم ناصرالدين

 

ليس عبثا ان يتصدر حزب الله اهتمام كبار القيادات الدينية والسياسية في المنطقة والعالم خلال الساعات القليلة الماضية، دخول المرشد الاعلى للثورة الاسلامية الايرانية على خط الدفاع عن الحزب، وتوجيه انتقاداته القاسية للسعودية، ليست من فراغ، قول وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر من السعودية ان حزب الله هو مثال لنشاط ايران «الخبيث» في المنطقة، ليس بالامر العابر، «القصة» وباختصار، المملكة العربية السعودية تبحث عن «جائزة» ترضية تعوض لها فشل استراتيجيتها في عزل ايران، لا يرضيها الا الحاق «الهزيمة» بحزب الله، تريد استغلال وجود الرئيس الاميركي في الرياض لممارسة ضغط على الادارة الاميركية لمساعدتها «تصفية» الحزب. اوباما لن يتراجع عن استراتيجية الحوار مع طهران لكن هل هذا يمنعه من «التخلص» من حزب الله؟ سؤال جدول الاعمال في الرياض، لكن ثمة عقبات جدية امام طموحات المملكة الحائرة في تحديد «الخطوة» التالية في التصعيد في ظل ضعف ذاتي، وتردد اميركي.

«الدخول الايراني المباشر على «لسان» السيد خامنئي، هو بمثابة «بطاقة حمراء» علنية اضطرت طهران الى استخدامها في وجه النوايا السعودية «الخبيثة»، هذا ما تقوله اوساط دبلوماسية في بيروت، فتوقيت رفع هذه «البطاقة» جاء في الوقت الذي وصل فيه الرئيس الاميركي الى السعودية، وبعد سلسلة اجتماعات امنية وعسكرية عقدها وزير دفاعه ومستشاروه في المملكة، تحضيرا للزيارة، وكان حزب الله «طبقا» رئيسيا على جدول الاعمال، هذا الامر استدعى موقفا ايرانيا علنيا من اعلى سلطة، لافهام من يعنيهم الامر ان نظرية «الحمار» «والبردعة» غير موجودة في القاموس الايراني، وحزب الله ليس «سلعة» قابلة «للبيع» او «الشراء»، وليس مسموحا استفراده مهما كانت الذرائع او الوسائل…

واذا كانت مقدمات الحملة السعودية- الاميركية على الحزب تدفع الى الكثير من الحذر، فان طهران وقيادة حزب الله يدركان ان الظروف لا تساعد المملكة لتحقيق ما تريده، فواشنطن يمكن ان تواكب التصعيد السعودي من خلال العقوبات المالية، لكن ثمة ضعف بنيوي على الساحة اللبنانية لا يسمح باستخدام الحلفاء في اي «مغامرة»، كما ان اسرائيل غير جاهزة للاستخدام، فهي لا تعمل وفق الاجندة السعودية، وهي ليست بالطبع جمعية خيرية، تحتاج الى مقابل كبير لا يبدو متوافرا بعد…

كذلك فان الاميركيين لا «يشتغلون» عند الامراء السعوديين تضيف الاوساط، والمشكلة ان الخلافات في ظل الادارة الحالية كبيرة جدا، العلاقات بين واشنطن والرياض متوترة وجل ما يمكن لاوباما تقديمه هو تقليل «مخاوف» السعوديين من آثار الاتفاق النووي الذي عقدته الولايات المتحدة مع إيران، لكن اولوياته ستكون تنظيم «داعش« في العراق وسوريا، وليس اي شيء آخر.

وبراي تلك الاوساط، فان الاميركيين لديهم جردة حساب طويلة مع السعوديين، استراتيجية اوباما القائمة على « تشجيع الدول الحليفة» لأميركا على تحمل مسؤولياتها واتخاذ المبادرة، وضعت السعودية امام اختبار صعب، واكتشف الرئيس الاميركي أن هذه السياسة قادت إلى نتائج مضرة بالولايات المتحدة، السعودية تشن حربا على اليمن، وهي اليوم في ورطة، الحرب لم تنته، ولم تحقق اي نتائج حاسمة، والنتيجة الوحيدة الواضحة المعالم، هي توسع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتزايد التنافس الإقليمي مع وإيران… والخلاصة ان الاختبار الاميركي الاول للسعودية فشل، فعندما تحملت السعودية المسؤولية خلقت مشاكل تؤثر على الإستقرار في المنطقة.

وتجربة القيادة السعودية في ادارة الملف السوري ليست احسن حالا، ميدانيا سيطرت التنظيمات الارهابية على الارض، اما المعارضة السياسية فتقدم في جنيف اسوأ اداء يمكن تخيله بفعل ارباك السعودية واداراتها السيئة للملف، فالمعارضة تدرك ان الخسارة قد وقعت، وهي امام خيارين اما التسليم بها، او الانسحاب بانتظار ظروف افضل، وهو تعبير مجازي يستخدمه السعوديون لتقطيع الوقت بانتظار ان يغادر اوباما البيت الابيض، هم يعاندون اليوم ويحاولون افشال تسوية أميركية – روسية دون اي ثمن جدي، الاسد باق، مشاركة المعارضة ستكون في مجلس الوزراء، دون تغييرات جذرية في بنية النظام، وثمة من تندر على التسوية المعروضة على المعارضة بالتذكير ان رئيس وزراء كرياض حجاب، وهو للمفارقة رئيس وفد المعارضة في جنيف اليوم، انشق عن النظام دون ان يترك أي تاثيرات تذكر توازي موقعه المفترض….

وامام هذه الاخفاقات، تسوق السعودية لدى الاميركيين «مضبطة» اتهام ضد حزب الله بحسب الاوساط، فاضافة الى الاتهامات المتعلقة بتدخل الحزب بشؤون الدول الخليجية، بدأت قبل نحو شهر من زيارة اوباما «بدغدغة» مشاعر الاميركيين عبر نشر وثائق تتهم حزب الله والشهيد عماد مغنية بشكل خاص بالتورط في هجمات 11 ايلول. ويتضمن الملف ايضا خلاصات توصلت اليها الاستخبارات السعودية تفيد بان دينامية الحركة العسكرية والامنية لحزب الله سمحت له بالتدخل السريع في الحرب السورية، وكان ذلك حاسما في صمود «النظام» السوري، «ولو كان الرئيس بشار الاسد سينتظر وصول الايرانيين والروس لكان اليوم في «مكان آخر»، فطهران احتاجت الى اكثر من ثلاث سنوات كي تبدا عمليا برفد الجبهات «بالمستشارين»، فيما احتاجت موسكو نحو خمس سنوات لتقرر التدخل، لكن القدرة التنظيمية الهائلة عند الحزب، سمحت لقيادته باتخاذ قرار التدخل التدريجي الحاسم في اماكن منتقاة، وكان لهذا القرار الاثر المباشرعلى افشال مشروع اسقاط النظام السوري»…

لكن حتى الان لا تبدو الردود الاميركية مشجعة، فالقيادة السعودية اصيبت «بالذهول» بعد ان انقلب ملف هجمات 11 ايلول عليها عشية زيارة اوباما، فالكشف عن التهديد السعودي بسحب الارصدة المالية ردا على قانون الكونغرس، جاء عبر صحيفة «نيويورك تايمز» «المحسوبة» على الديموقراطيين، فهم السعوديين «الرسالة» جيدا، فاعلان اوباما انه لن يسمح بتمرير القانون ورقة ضغط بين يديه، هو يقول «مفتاح» ادانتكم في «جيبي» ولست قابلا للابتزاز… ثمة خشية اوروبية واميركية من سوء تقدير سعودي جديد، يضاف الى الاخفاقات السابقة، يرون فيه خطر على مصالحهم، وقد ابلغت اوساط دبلوماسية غربية المملكة بان الاستقرار اللبناني راهنا، هو جزء من الامن القومي الاوروبي الذي لا يخشى فقط تدفق اللاجئين، وانما تسرب «ارهابيين» الى اوروبا عبر موجات نزوح يصعب السيطرة عليها…

وانطلاقا من هذه المعطيات، لا يبدو واقعيا الكلام عن ضغوط سعودية تمارس على الرئيس سعد الحريري لتصعيد الموقف ضد حزب الله، بينما هو يتمنع عن القيام بذلك، الرياض لا تملك حتى الان ضوءا اخضر اميركياً «للتصرف»، هي لا تملك قرار توريط «وكلائها» اللبنانيين بعملية لن تؤدي فقط لتثبيت ضعفهم البنيوي، بل ستعطي حزب الله فرصة لتحقيق انجازات قد تصل الى «قلب الطاولة»… ومن وضع استراتيجية «الشهرين» «وانتظار العيد» في سوريا لم يلحظ في وقتها احتمال اتخاذ قيادة حزب الله قرارا اعتبر يومها «مغامرة» غير قابلة للتنفيذ، «لان الحزب منشغل في جبهة صعبة مع اسرائيل، وغير قادر على التدخل المباشر في حرب غير متناسبة مع واقعه الديموغرافي، وفي بلد مجاور تتجاوز مساحته الاف الكيلومترات»… سبق للمملكة ان دفعت ثمن حساباتها الخاطئة، مرة عندما راهنت على سقوط الحزب في حرب تموز، واستعجلت الاحتفال ببيان «المغامرين»، ومرة اخرى عندما اساءت تقدير ردود فعله في7 ايار 2008…الان المغامرة قد تكون مرتفعة الاثمان..ورغم تدني احتمالاتها الا ان طهران اعادت تذكير الجميع «بموقعية» الحزب لديها، حزب الله العارف بما تضمره السعودية لم يتاخر خلال الساعات الماضية في ارسال اشارات ميدانية بالغة الدلالة «لمن يعنيهم الامر»..ويفترض ان تكون «الرسالة» قد وصلت…

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى