هكذا اكتشف هولاند خطر السعودية على استراتيجية «الرشوة» الاوروبية ابراهيم ناصرالدين
كما كان متوقعا، انتهت زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى بيروت دون نتائج جدية، لكن الرئيس الفرنسي اكتشف امرين اساسيين، الامر الاول عدم وجود رؤية واضحة عند المسؤولين اللبنانيين للخروج من المأزق الرئاسي الراهن، وسط عجز عن تقديم اسباب مقنعة تحول دون اتمام الاستحقاق، والامر الثاني هو ان السعودية تشكل الخطر الرئيسي على استراتيجية الاتحاد الاوروبي في لبنان؟
في الملف الاول، كان هولاند مستمعا، تقول اوساط متابعة للزيارة، محاولا فهم اسباب «العقدة» المستعصية» في انتخاب الرئيس، خصوصا ان الاصطفافات الداخلية وراء المرشحين الرئيسيين الجنرال ميشال عون والوزير سليمان فرنجية، ليست اصطفافات سياسية «عقائدية» مرتبطة بالخطين الايراني والسعودي المؤثرين في الاستحقاق، ثمة اكثر من «قطبة مخفية» بعضها اقليمي سهل ادراكه، وبعضها الاخر محلي، غير قابل «للفهم»، لكل من المسؤولين اللبنانيين وجهة نظره، بعضها لم يقنع محدثه الفرنسي، ولكن هولاند لم يكن في صدد التوقف عن تفاصيل وتعقيدات عرضها البعض، ولكنه فهم بأنه غير قادر على تقديم «ترياق» «لمرض» عجز عن توصيفه، واكتفى بنصيحة موحدة لكل الشخصيات التي التقاها، «ضرورة العمل الجدي لفصل الساحة اللبنانية، والاستحقاق الرئاسي عن الملفات الساخنة في المنطقة، خصوصا الازمة في سوريا»، دون شرح كيفية تطبيق هذه النظرية. وهذا ما عزز الانطباع المسبق بانه لا يحمل معه الا مجموعة من «النصائح» باعتباره طرفا غير «مؤثر» في الساحة اللبنانية، اما وعوده للرئيس نبيه بري بالحديث مع السعوديين حول «الهبة» العسكرية المجمدة، فلا تعدو جزءا من «اللياقة» الادبية للضيف الذي يدرك جيدا ان ثمة قراراً سعودياً بمواصلة التصعيد ضد حزب الله.
وكما كان متوقعا، كان تركيز اهتمام الرئيس الفرنسي في البحث عن السبل الايلة الى عدم انتقال اللاجئين السوريين الى اوروبا، وتبين ان اصرار هولاند على القيام بزيارته اللبنانية، فشل الامين العام للامم المتحدة بان كي مون خلال زيارته الاخيرة الى لبنان، في خلق مناخ مؤات يقلل من مخاوف اللبنانيين حيال مسألة توطين اللاجئين، ويبدو وبحسب الاوساط، ان «زوبعة» الاحتجاجات اللبنانية قد دفعت دول الاتحاد الاوروبي للاصرار على اتمام الزيارة، لما لفرنسا من ارث في «الوجدان المسيحي» على وجه الخصوص، للتأكيد على ضرورة الهدوء وعدم القلق ازاء النيات الدولية، المطلوب من اللبنانيين الهدوء والاستمرار في تقديم الرعاية لهؤلاء، وعدم دفعهم الى المغادرة نحو الشواطىء الاوروبية، وهذا ما يفسر وعد هولاند بتقديم مساعدات للبنان بقيمة مئة وخمسين مليون يورو تتوزع على ثلاث سنوات من اجل المساعدة في استيعاب اللاجئين، وقد حاول الرئيس الفرنسي طمأنة من التقاهم بأن لا توطين للسوريين في لبنان، وتبقى المفارقة في حديثه عن احتمال توطينهم في بلد ثالث، وهي مقاربة بقيت مبهمة وغامضة وتثير الكثير من الريبة…..
وبقيت المعضلة الرئيسية، عجز الرئيس الفرنسي عن تقديم ضمانات بوقف التصعيد السعودي ضد حزب الله، وهو الامر الذي يخلق مناخا من عدم الاستقرار على الساحة اللبنانية، فاذا كانت اوروبا تريد مناخا مؤاتيا لبقاء اللاجئين السوريين في لبنان، فان الرياض لا تساعد على ذلك، ولا تأخذ بعين الاعتبار مصالح حلفائها… فقبل ساعات من وصول هولاند الى بيروت، انتقل موضوع تصنيف «حزب الله» تنظيما إرهابيا من مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية الى «قمة الدول الإسلامية» في اسطنبول، هذا الاصرار السعودي يزيد الامور تعقيدا، واذا كان حزب الله لا يقيم أي اعتبار لهذه القرارات، ولا يرى فيها تأثيرا مباشرا في موقعه السياسي داخل المعادلة اللبنانية، او في قوته وقدراته الاقليمية، في ظل عجز اي فريق داخلي في توظيف الموقف السعودي، فان هذه المناخات المتشنجة تفقد الاستقرار اللبناني «الهش» منعته، وما يخشى منه الفرنسيون والاوروبيين وجود بؤر امنية قابلة للاستخدام والتوظيف في ظل هذا المناخ المتازم، خصوصا في شمال لبنان، وفي المخيمات الفلسطينية.
وبحسب اوساط دبلوماسية في بيروت، الامر المقلق هو ان المملكة تتجه نحو المزيد من التصعيد لاسباب عديدة، فالقيادة السعودية التي تحاول حصار ايران وحزب الله تجد نفسها محاصرة، فبعد ساعات من قرارات «القمة الاسلامية» التقى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الرئيس الايراني حسن روحاني، واجرى معه محادثات بناءة ومثمرة، متجاهلا البيان الختامي لقمة اسطنبول. في هذا الوقت كانت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في طهران تطالب القيادة الايرانية بالصبر على المجتمع الدولي، ثلاثة اشهر للبدء الجدي في تسييل مفاعيل الاتفاق النووي، وما قدمته من آفاق للتعاون المشترك بين دول الاتحاد الاوروبي وإيران، يجعل من كل محاولات السعودية لعزل ايران مجرد كلام على «ورق».
اما شبح المسؤولية عن هجمات 11 أيلول فعاد مجددا الى الواجهة ويبدو أن العلاقة مع الولايات المتحدة تمر بأسوأ حالاتها، خاصة بعدما أوصل وزير الخارجية السعودية عادل الجبير رسالة «تهديد» إلى واشنطن، مفادها بأن الرياض ستبيع أصولها المالية المقدرة بـ 750 مليار دولار في الولايات المتحدة إذا مرر الكونغرس مشروع قانون عن هجمات نيويورك. والرئيس أوباما الذي سيحل ضيفا على الرياض هذا الأسبوع لا يرغب في مواجهة قد يكون ثمنها باهظا على البلدين، لهذا فهو يضغط، على أعضاء الكونغرس لإغلاق الملف وعدم تمرير مشروع القانون، إلا أن المهمة لا تبدو سهلة خاصة أن أعضاء بارزين مثل المرشح الجمهوري تيد كروز يدعمون مشروع القانون الذي تضغط عائلات الضحايا من أجل دفع الكونغرس لتمريره، وهو قانون يسمح بملاحقة مسؤولين سعوديين بتهمة التورط في هجمات نيويورك..هذه الملفات ستزيد من توتر المملكة وتدفعها الى المزيد من «التهور»…
وفي هذا السياق حاول بعض الدبلوماسيين الغربيين وبينهم فرنسيون، خلال وقبيل زيارة هولاند الى بيروت، الحصول على تقدير للموقف ازاء التسريبات الصحافية التي تحدثت عن قرب صدور قرار عن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، بضم كل من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وبعض المسؤولين السوريين إلى لائحة المتهمين بعملية الاغتيال، والاسئلة تمحورت حول ردود الفعل المحتملة من قبل حزب الله، خصوصا مع تسريب معلومات عن مصادر سعودية تعول كثيرا على قرار مماثل لتغيير الوضع القائم في لبنان سوريا…. وعلى الرغم من عدم الجزم باحتمال صدور هذا القرار، لكن هذا التسريب عبر مصادر لبنانية الى صحيفة «روز اليوسف» المصرية، بعد ايام من زيارة العاهل السعودي، يشير الى اسلوب قديم – جديد تم استخدامه سابقا لـ «جس نبض» حزب الله ومعرفة ردود فعله كمقدمة للتصعيد. وهكذا ادرك هولاند ولمس في بيروت، ان الخطر على الاستقرار تتسبب به السعودية، وليس اي طرف آخر، وطالما لا يملك وسائل للضغط عليها، فلا ضمانات جدية بدوام الاستقرار، وبالتالي لا ضمانات بنجاح سياسة «الرشوة» الاوروبية بعدم طرق اللاجئين «ابواب» «القارة العجوز».
(الديار)