اثنان يتنازعان واسرائيل تخسر:ناحوم برنياع
بروكلين، نيويورك ـ بالنسبة للانتخابات التمهيدية في ولاية نيويورك التي ستجري بعد غد، هناك أهمية دراماتيكية للمواجهة داخل الحزب الديمقراطي بين هيلاري كلينتون وبارني ساندرس. يجب على كلينتون الانتصار بفارق كبير، وإلا فانها ستصل إلى الانتخابات العامة وهي مصابة ونازفة. وقد لا تصل أبدا.
المواجهة التي وافق كلاهما على اجرائها في مساء يوم الخميس كانت محطة من المحطات الهامة في الحملة الانتخابية. وبشكل غير متوقع كان هناك مغزى لمكانة اسرائيل. اثناء الحملات الانتخابية كانت اسرائيل مقدسة في أمريكا. فقد كانت تحظى باجماع الحزبين. وها هو مرشح جدي في الانتخابات للرئاسة، وهو مرشح يهودي، يفتح الباب لموقف معاكس وهو يفعل ذلك بشكل متعمد، لا سيما في نيويورك ومن اجل الحصول على الصوت اليهودي. هذا يعتبر كسر للتابو، وليس غريبا أن اليهود في أمريكا يعيشون حالة من التقلب.
ومثلما هو ملائم لنيويورك، فقد كان لكل شيء في يوم الخميس معنى كبير: التوقيت، عشية فتح الصناديق، المكان وهو بروكلين التي ولد فيها ساندرس والذي حدده المرشحان كموقع للهيئات المسؤولة عن الانتخابات والقاعة. ويبدو أن فرانك سناترا وجين كالي ما زالا يرقصان ويغنيان هنا بملابس الملاحين البيضاء في فيلم موسيقي «وطني بالابيض والاسود»، المنظر الطبيعي، منهاتن على خط الأفق بمظهرها الفاخر، جسر بروكلين وهو مضاء من الطرف إلى الطرف والنهر.
القاعة امتلأت بـ 3 آلاف مدعو. وقدمت الاسماء من قبل الهيئات الانتخابية للمرشحين من قوائم النشطاء. الـ «سي.ان.ان» التي قامت ببث الحدث وانتاجه شددت على اعطاء نفس عدد الدعوات لكل هيئة. كان هذا يشبه لعبة لكرة القدم في ستاد «تيدي» مع فارق واحد هو أن الجدار لم يفصل بين المعسكرات المتخاصمة. أحد مؤيدي كلينتون وجد نفسه بين اثنتين ممن يؤيدون ساندرس، والعكس صحيح.
كانت هذه هي المناظرة التاسعة التي شارك فيها الاثنان. وما بدأ كجدل بين اصدقاء وزملاء تدهور من مناظرة إلى مناظرة إلى أن وصل إلى الملل المتبادل. يمكننا أن نفهمهما: حتى الزوجان السعيدان كانا سيجدان صعوبة بعد تسع مناظرات علنية. فما بالك عند الحديث عن سياسيين متنافسين على نفس المنصب.
إن اللغة الوحيدة التي تحدث بها الاثنان مع بعضهما البعض كانت لغة الجسد: ساندرس لوح لكلينتون بيده اليمنى مهددا ومحرضا. وقد كان يبدو وكأنه يريد احداث ثقوب فيها بأصابعه. وكلينتون نظرت اليه بنظرات حادة مع ابتسامة صفراء في بعض الاحيان. الكثير من صراخ الجمهور وأيادي تلوح في الهواء وكأنها تقول «ما هذا الكلام الفارغ الذي يتحدث به هذا الشخص».
إنهما لم يتبادلا ولو كلمة واحدة اثناء استراحة الاعلانات، ولم يصافحا بعضهما في نهاية المناظرة. وعندما انتهى البث توجها إلى المنصة من اجل المصافحة. وكل من توجه اليها لم يتوجه اليه، والعكس صحيح. لقد تابعت من طرف عينها ساندرس وزوجته. وطالما كانا على المنصة فهي لم تتركها. وفقط عند ذهابهما مع نداءات «بارني، بارني» تركت هي ايضا.
ومثل حال الديمقراطيين، فان الجمهور كان ينتمي لجميع المناطق الديمغرافية: بيض، سود ومن آسيا، يهود ارثوذوكسيين مع قبعاتهم، نساء مسلمات بالخمار، رجال ببدلات الاعمال، نساء بفساتين السهرات والى جانبهم شابات وشباب بالقمصان. ولكن كان هناك توزيع واضح بينهم: البالغون مع كلينتون والشباب مع ساندرس.
هذا العجوز الذي يلوح بيديه ويتحدث بكلمات صعبة، معروف بالنسبة لنا جيدا من شوارع تل ابيب ومن شوارع نيويورك. بالنسبة لنا هو تقريبا كاريكاتير، ولكن بالنسبة للشباب المتواجدين في القاعة فهو يشبه نجم الروك. إنه ليس المسن الاول بالنسبة للمشجعين الشباب المتعطشين للحلول الراديكالية، حيث أسرهم بسحره: لقد كان مثل جان بول سارتر في فرنسا، وكان مثل البروفيسور هاربرت ماركوزا في الولايات المتحدة.
عندما كان ساندرس يتهم هيلاري كلينتون بكل كوارث وول ستريت كان الشباب في القاعة يقفون ويرددون اسمه. إنهم يتصرفون حسب الدرس الذي تعلموه من برامج الواقع: المرشح الاكثر تحريكا للجمهور هو المرشح المنتخب. كانت الضجة كبيرة لدرجة أن العريف كان يتوسل اليهم ليخفضوا اصواتهم. والمشاهدون في البيوت لا يمكنهم سماع اقوال المرشحين.
الفجوة بين الاثنين كبيرة، وهي لا تقتصر على الفروقات في المواقف أو الخطط، بل ايضا هناك فرق في الشخصية. التطهر أمام البراغماتية والتقشف أمام الحياة الرغيدة ومعارضة المؤسسة أمام المؤسسة. هيلاري كلينتون التي تتصل بالاموال الطائلة يحتقرها الشباب. لقد كانت ذات مرة مثلهم، قبل خمسين سنة.
وولف بلاتسر، المقدم الرئيس في الـ سي.ان.ان يستخدم صلاحيته ويقوم بادارة المناظرة مثل المدرب في السيرك. إنه أكثر رسمية منهما، وفي مرحلة معينة عندما كانا يصممان على المناكفة، كان يقوم بتوبيخهما.
في هذه الانتخابات يهتم الأمريكيون بالشؤون الداخلية: الفجوة بين الاثرياء جدا، 1 في المئة، وبين الـ 99 في المئة الباقية. مصاعب الحياة للطبقة الوسطى، الهجرة الغير قانونية، التوتر بين الاعراق. بلاتسر يختار توسيع الدائرة إلى الشؤون الخارجية التي يتصل أحدها باسرائيل والفلسطينيين. وقد فوجئت من أن المرشحين ينقضان على الموضوع بكثير من الغضب.
ساندرس قال في مقابلة مع صحيفة «ديلي نيوز» إن اسرائيل قتلت في عملية الجرف الصامد 10 آلاف فلسطيني في غزة. وبعد ذلك اعترف بخطئه في الرقم. لكنه لم يتراجع عن الادعاء بأن الرد العسكري الاسرائيلي كان مبالغا فيه جدا. وعاد وكرر ذلك في المناظرة: كان لاسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكنها بالغت في الرد.
القاعة امتلأت بالتصفيق. «حرر فلسطين»، صرخت احدى الموجودات. ونظرت إلى آلاف الحضور الذين جلس بعضهم في اماكنهم بحرج. شباب ساندرس نهضوا من اماكنهم بلهفة. فبالسبة اليهم كانت هذه لحظة من لحظات الذروة في المناظرة، لحظة التحرر من مواقف قديمة ومن قيود الوضع الراهن. وكان بينهم سود وبيض ويهود وغير يهود. ساندرس لم يتوقف عند غزة. وعلى وقع هتافات الجمهور انتقل إلى نتنياهو. «حان الوقت لتحقيق العدالة والسلام. ونحن نقول إن نتنياهو ليس دائما على حق»، قال. إن وخزته هذه لم يوجهها لنتنياهو بل لكلينتون التي ألقت خطابا مؤيدا لاسرائيل قبل فترة قصيرة في مؤتمر اللوبي اليهودي. وقد اضطرت إلى الرد عليه. حيث كان جوابها متثاقلا. فهي لم تتبنى الخطوات العسكرية لاسرائيل في غزة بل قامت بتفسيرها. وكما هي الحال في مواضيع اخرى، فهي تشدد على دورها في العمل: إنها كانت وسيطة في المحادثات بين نتنياهو وأبو مازن، وهي التي قامت بترتيب وقف اطلاق النار. وعندما ستصبح رئيسة فهي ستهتم بشكل شخصي بالسلام بين اسرائيل والفلسطينيين.
إن ساندرس وكلينتون لم يقولا الحقيقة، وكل واحد بطريقته. الشرق الاوسط يهم ساندرس مثل ثلوج السنة الماضية. نظرته إلى السياسة الخارجية الأمريكية مبنية على الخداع لأن أمريكا تقدر ايضا على تفكيك قوتها العسكرية والقضاء على الإرهاب وفرض العدل والسلام في العالم. والموضوع الخارجي الوحيد الذي يهمه بالفعل هو زيادة حرارة الكرة الارضية.
من يؤيدون كلينتون لا يؤيدون نتنياهو، بل يحتقرونه ويخافون منه. وقد قالت هيلاري لنتنياهو أكثر من مرة اشياء صعبة وقالت عنه اشياء اكثر صعوبة من وراء ظهره. لكن الاحتقار في جهة والسياسة في جهة. إذا تم انتخاب كلينتون فهي ستبذل جهدها للابتعاد عن الصراع. ومن هذه الناحية هي مرشحة مريحة لنتنياهو وحكومته.
في الوقت الحالي كلينتون تنظر إلى ناخبيها بالضبط مثلما يتحدث ساندرس إلى ناخبيه. ناخبوها هم يهود بالغين من نيويورك، الجيل الثاني للكارثة، حيث أن كل مواجهة بين اسرائيل والادارة الأمريكية تدخله إلى حالة ضغط. إنها تحتاج اصواتهم بعد غد، وهذا ما يهمها.
إن فرصة انتخاب ساندرس للرئاسة ضعيفة إلى مستوى الصفر. فليس هو الذي يجب أن يقلق الاسرائيليين. بل ما يجب أن يقلقهم هو رد الشباب الليبراليين من بين الجمهور، ومنهم الكثير من الشباب اليهود. ساندرس فتح البوابة وهم يدخلون إلى الداخل. انتقاداتهم موجهة ليس فقط إلى المستوطنات أو حكومة اسرائيل. المؤسسة اليهودية وكل من يهتمون ويتحدثون باسم الشعب اليهودي من لاس فيغاس وجميع اللوبيين الذين يغرقون في بحر العاب القوة والفساد، هم مرفوضون من قبلهم.
اقوال ساندرس منحته رد ايجابي من اليسار في الجالية اليهودية. ايلان بن عامي، رئيس اللوبي اليهودي الليبرالي، جي ستريت، اعتبر ذلك بشرى.
واللوبي مقاطع من المؤسسة اليهودية وهو نصف مقاطع من قبل السفارة الاسرائيلية. ولكن ليس من قبل البيت الابيض. نائب الرئيس جو بايدن سيلقي خطابا في مؤتمر اللوبي غدا في واشنطن كما ألقى خطابا في مؤتمر الايباك. وبيتر بينارت وستيف كوهين، وهما من الاكاديميين البارزين، ورؤساء منظمات يسارية راديكالية منهم يهود، يؤيدون مقاطعة اسرائيل، كلهم ردوا بحماسة على ساندرس.
المؤسسة اليهودية رفضت هذه الاقوال. «ساندرس يتمسك بأكاذيبه»، قال مالكولم هونلاين، المدير العام الأبدي لمؤتمر الرؤساء. أليوت انجل، وهو عضو يهودي في الكونغرس ويؤيد كلينتون قال لصحيفة «نيويورك تايمز» ما يخجل الآخرون من قوله: «يمكن أن ساندرس يشعر أنه يهودي، يجب أن ينحني إلى الامام والى الخلف كي يثبت أنه متوازن».
السطر الاخير معروف وهو أن اسرائيل تفقد بالتدريج تأييد الناخبين في الحزب الديمقراطي، وبالذات تأييد الجيل القادم للناخبين الليبراليين، يهود وغير يهود. وليس الحديث هنا عن انتقاد هذه الخطوة أو تلك، بل الارتداع عن كل ما عليه اسم اسرائيل. إن حافلات «تغليت» لن تحل المشكلة. هذا هو الاتجاه وهو سيتصاعد ويزداد.
يديعوت