من جنوب السودان إلى تيران!! بقلم: بنت الأرض
في تسعينيات القرن الماضي نازعنا جارنا في الضيعة على أرضنا وحرث خطين من سهمنا لصالحه وقد حاول والدي رحمه الله أن يستعيد هذين الخطين بالحسنى ولكنه لم يستطع فقرّر إقامة دعوى قضائية عليه استمرت سنوات وكلفته أضعاف ثمن الأرض من محامين ومفتشين ورحلات لمن يكشف على الأرض ويأخذ القياسات ويرفع النتائج. وحين حاولت إقناعه بالتخلّي عن هذه الدعوى التي كلفته الكثير مقارنة بخطيّ الأرض المسلوبين أجابني: ألم تسمعي الرئيس حافظ الأسد يقول “لن أتخلى عن ذرة تراب من الجولان”، ذلك لأن الأرض يا ابنتي لا تقدّر بثمن فمن يتخلّى عن أرضه يتخلّى عن كرامته.
وقد كدت لا أصدق حين سمعت أخبار بيع جزيرتي تيران وصنافير المصريتين إلى السعودية واستذكرت خطب الرئيس جمال عبد الناصر والذي رحبّ بالحرب دفاعاً عن حق مصر في هاتين الجزيرتين حيث قال: خليج العقبة أرض مصرية وعرضه أقل من 3 ميل موجود بين ساحل سيناء وجزيرة تيران المصرية وساحل سيناء مصري وجزيرة تيران مصرية وإذا قلنا أنّ المياه الإقليمية 3 أميال فهي إقليمية مصرية وإذا قلنا أنها 6 أميال فهي إقليمية مصرية وإذا قلنا أنها 12 ميل فإنها أيضاً إقليمية مصرية. “وقال” لن تستطيع قوة من القوات مهما بلغ جبروتها أن تمس حقوق السيادة المصرية وأي محاولة من هذا النوع سوف تكون عدواناً على الشعب المصري وعدواناً على الأمة العربية كلها”.
لا شك أنّ الوثائق الدولية جميعها تؤكد أنّ جزيرتي تيران وصنافير مصريتان، في ضوء الرشاوي الموزعة فلا شك أنّ تنازل مصر عن هاتين الجزيرتين يؤكد مصريتها وقد اعترف وزير الأمن الإسرائيلي موشي يعالون أنّ “اسرائيل” قد وقّعت اتفاق نقل جزيرتي صنافير وتيران من السيادة المصرية إلى السعودية وأنّ الموقعين كانوا أربع : وهم مصر والسعودية والولايات المتحدة واسرائيل وذكر أنّ السعودية أعطت اسرائيل ضمانات مكتوبة لحرية مرور السفن الاسرائيلية عبر مضيق تيران كما وقعت السعودية الملحق العسكري لاتفاق السلام المصري – الاسرائيلي لعام 1979 أي أن السعودية أصبحت طرفاً معترفاً رسمياً باتفاق كامب ديفيد بين مصر واسرائيل وأن مضيق تيران سيكون ممراً لعبور البضائع الاسرائيلية إلى السعودية ودول الخليج كافةً وكل ذلك قبل أن يعلم الشعب المصري أي شيء عن الموضوع وكأنه شيئاً لم يكن.
وبغض النظر عن الكتابات الموجّهة التي صدرت في هذا الصدد فإنّ هذا الحدث يعتبر تطبيعاً مباشراً وعلنياً هذه المرّة بين السعودية واسرائيل وينقل وجود الكيان الصهيوني في المنطقة خطوة إلى الأمام باتجاه السيطرة التي يخطّط لها هذا الكيان الصهيوني في المنطقة المنطقة برمتها. وتأتي هذه الخطوة لتساهم في فتح قنوات لهذا الكيان على دول الخليج والأردن ومنها ربما إلى دول عربية أخرى كقطاف هذا الجحيم العربي الدموي الذي خطّطت له الصهيونية ومولت إرهابه السعودية وأدارته العثمانية الجديدة. إذ لا شك اليوم أن ما تقوم به داعش والنصرة وعشرات من العصابات الإرهابية الإجرامية من قتل الملايين من العرب وتهجيرهم وتخريب حياتهم. وتدمير آثار سورية والعراق ومحاولة تقسيم بلدان عربية عدة اليمن وبث الفوضى في ليبيا، إنّ كلّ هذا مدعوم سعودياً واسرائيلياً وتركياً وأن أي كلام خارج عن هذا التشخيص هدفه ذرّ الرماد في العيون وتعمية الأبصار عن الحقائق الصلبة التي تصفع التاريخ على وجهه.
لم يبق اليوم، في وجه هذه الجرأة ببيع الأرض والحقوق والكرامة علناً أمام العرب سوى إعادة قراءة واقعهم بشكل جذري ووضع خطط استراتيجية لإعادة إحياء فكر وروح هذه الأمة لكي تكون قادرة على الصمود والمقاومة. وفي اليوم الذي تجاهل العرب نُخبهم ومفكريهم وأصبح أصحاب الثروات هم النخب الحاكمة في ذلك اليوم بدأ التراجع الحقيقي في هذه الأمة على الأرض والحقوق والتاريخ والحضارة والمستقبل فهؤلاء معتادون على البيع والشراء. في خضم إرهاب الجحيم العربي مؤشر على الدرك الذي وصلت إليه هذه الأمة لابُدّ من إشعال نار أخرى تحت الرماد، نار العلم والعمل الحقيقيين لإنقاذ العرب من الهاوية التي يدفعهم الأعداء إليها.
التخلي عن تيران تذكرنا بتخلي النظام السوداني عن ثلث السودان بحجة أن سكانه مختلفون دينياً !!! ربما مثل هذه المواقف هي التي فتحت شهية نتنياهو على الجولان السوري المحتل فأخذ يصرّح مؤخراً أنّ الجولان السوري المحتل لن يعود أبداً إلى سورية غير مدرك أنّ الجولان عربي سوري منذ الأزل وأنّ سورية لن تتخلى عن ذرة تراب من أرضها الغالية ولن تنسى شعبها تحت الاحتلال البغيض. كما أنها لن تتخلّى عن حقيقة أنّ فلسطين هي بوصلة كلّ ما يجري على أرض هذه الأمة وأنّ الصراع العربي – الإسرائيلي يقع في صلب كلّ الأحداث التي تتعرض لها الدول العربية، وإنّ غداً لناظره قريب.