العراق: حكومة التكنوقراط ليست الحلّ حميدي العبدالله
تنحصر معالجات الأزمة القائمة الآن في العراق في مقترح رئيسي واحد ومحدّد هو حكومة الكفاءات، كما يسمّيها السيد مقتدى الصدر، أو حكومة التكنوقراط كما يسمّيها رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي.
ريما تستطيع حكومة التكنوقراط، إذا سمحت الأطراف الحزبية بولادتها، أن تحسّن جزئياً في أداء الحكومة والحدّ من ظواهر الفساد التي فاقت أيّ دولة أخرى في العالم وأرسى أسسها «بول بريمر» الذي سرق في فترة وصايته على الحكومة العراقية أكثر من 9 مليارات دولار، وفقاً لتقرير نشرته مجلة «نيوزويك» الأميركية، وقالت تعليقاً على ذلك أنّ العراق يشهد عملية نهب لا مثيل لها، في تاريخ البلدان. ولكنها لا تستطيع حلّ مشاكل العراق الأساسية وهي مشاكل سياسية، ولا تنحصر في الفساد المستشري، بل إنّ الأسباب والمشاكل السياسية هي التي أدّت إلى انتشار الفساد.
مشاكل العراق الأساسية التي من دون حلها لا يمكن إنهاء أزمات العراق المستمرة والمتواصلة منذ ثورة 14 تموز 1958، والتي أضاف إلى أسبابها الاحتلال الأميركي للعراق أسباباً جديدة، تكمن، على الأقلّ في الوقت الحالي، بوجود دستور ذي صبغة عرقية ومذهبية، والتدخلات الخارجية وفي مقدّمتها الوصاية الأميركية على العراق التي لا تزال حاضرة وإنْ كان بشكل أقلّ مما كانت عليه قبل عام 2011 وتشكل الأحزاب والقوى السياسية على أسس عرقية ومذهبية. دون مواجهة هذه المشاكل لا يمكن إيجاد حلّ سياسي للأزمات المتناسلة في العراق، وحتى إذا تمّ إيجاد بعض الحلول مثل حكومة الكفاءات فإنه سيكون حلاً جزئياً وسيتآكل مع مرور الوقت.
أولاً، يحتاج العراق إلى إصلاح دستوري ينهي العمل بالدستور الحالي الذي وضع بإشراف قوات الاحتلال الأميركي وعبر اقتراحات تقدّم بها خبراء أميركيون يحملون الجنسيتين الأميركية و»الإسرائيلية». ثانياً، لا بدّ أن يشمل الإصلاح الدستوري إلغاء الطائفية والعرقية والمذهبية التي على أساسها يتمّ توزيع المناصب الرفيعة في الدولة، ولا بدّ أن يشمل أيضاً الإصلاح الدستوري والسياسي البنية الحزبية لجهة رفض تشكل الأحزاب على أسس عرقية ومذهبية وتغليب مبدأ المواطنة العراقية على ما غيرها من عصبيات أخرى، بوصف ذلك الطريق الوحيد لخلق وطنية عراقية أقوى من العصبيات المذهبية والعرقية السائدة الآن والتي تقف وراء غالبية المشاكل التي يشكو منها العراقيين.
لا شك أنّ مثل هذا الإصلاح الوطني الجذري بعيد المنال الآن، علماً أنه المدخل الوحيد لقطع الطريق على التدخلات الخارجية، سواء كانت غربية، وتحديداً من الولايات المتحدة، أو كانت من دول المنطقة، واستبدال العلاقات القائمة الآن بعلاقات جديدة قائمة على الندية والتكافؤ، والمصالح المشتركة، ولا سيما بين دول المنطقة العربية وغير العربية، التي يجمعها تاريخ مشترك طويل.
هذا هو الإصلاح الذي يحتاجه العراق، ولكنه لا يزال هدف صعب المنال، ولا سيما في الظروف القائمة.
(البناء)