حروب الاستقلال بين جمهوريات المقاومة وممالك ما بعد بعد الفراغ محمد صادق الحسيني
في قمة اسطنبول الإسلامية كما في مجلس الامن الدولي فشل النظام السعودي في إدانة إيران وتجريم حزب الله، وبهذا تكون «رحلة الشتاء والصيف» التي كانت تتمنّى الرياض تتويجها في اسطنبول بعد عواصف الحزم ورعد الشمال وشراء الذمم بالمال لتحشيد عالمي عالي المستوى ضدّ جبهة المقاومة ليس فقط لم تأت أكلها، بل وعاد أمراؤها بخفي حنين…!
ليس صحيحاً أبداً أنّ ما يجري من حراك إقليمي وعالمي متعدّد المستويات تشرف عليه كلّ من موسكو وواشنطن وبشكل أخصّ انطلاقاً مما بات يُعرف بالتفاهمات الروسيةالأميركية حول سورية، إنما سيُفضي إلى تسويات ومجموعة صفقات إضافية تعزز «الاتفاق النووي» بين واشنطن وطهران، وتفك ألغاز الحرب الكونية على سورية من جنيف أو تسدل الستار على حرب التحالف السعودي الأميركي «الإسرائيلي» على اليمن، وقطعاً ليس الى إعادة إنتاج الدولة اللبنانية الغارقة في التيه برئيس توافقي…!
العكس تماماً هو ما يتوقعه العارفون بخفايا ما يدور في غرف الظلام الدامس المتزايدة في كوريدورات التآمر الإقليمي والدولي على قضايا التحرّر والحرية والاستقلال، وإن اعترضت موسكو او تصدّت لذلك هنا او هناك بحزم احياناً وبحياء وخجل في أحيان كثيرة…!
فمن تابع صفقة «كامب ديفيد المعدّل» بنسخته السعودية انطلاقاً من «هبة النيل» لجزر تيران وصنافير، وقرار اليابان «الأميركي» الهوى والدوافع، بتشكيل قوة بحرية من أجل حماية طريق النفط من مضيق هرمز الى الشرق الأدنى – وهو ما يحصل لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية – ويتابع تسريبات «الخطة باء» الأميركية حول سورية، يصل الى ما يلي:
1 ـ إنّ ما تمّ توقيعه بين واشنطن وطهران من توافقات حول النووي لم يكن سوى «استراحة محارب»، ليس أكثر احتاجتها الأولى بسبب مرارة الهزائم المتكرّرة على بوابات وأسوار عواصم المقاومة، وقبلت بها الثانية على مضض درءاً لمفسدة أكبر. وهي تفاهمات ليست للتنفيذ بقدر ما هي توافقات سياسية تعبّر عن صيغة متقدّمة لوقف إطلاق النار بين «الشيطان الأكبر» وغريمه الأخطر ممّن وصف يوماً بالبنك المركزي لمحور الشرّ – والتعبير لجورج بوش الابن – وليست تفاهمات ربح – ربح كما يحلو للبعض أن يروّج لغاية في نفس يعقوب، وأنّ حالة اللاحرب واللاسلم التي يعيشها الطرفان في الوقت الراهن لا بدّ أن تنفجر في مكان ما في المستقبل الذي لن يكون بالبعيد، يسعى الأميركي ان يراه في الداخل الإيراني بشكل فتنة قاتلة، وإنْ فشل في ذلك فسيحاول توكيل أذنابه لتفجيرها بصورة حرب استنزافية احتوائية مزدوجة…!
2 ـ إنّ النظام السعودي بنسخته الجديدة بعد تولّي سلمان والمحمدين السلطة في الدرعية، قد تمّ تكليفه أميركياً ليكون شاه الخليج، او كلب الحراسة الأميركي، تماماً كما كان دور نظام شاه إيران البائد، وما يرتّب ويعدّ له الآن هو تظهير هذا الدور بشكل يناسب المرحلة الجديدة، أيّ مرحلة التحاقه بمعاهدة «كامب ديفيد» وتوسعتها ايّ المعاهدة لتشمل مضيقي قناة السويس وباب المندب، والتحفز لأخذ دور فعّال في لحظة انفجار «تفاهمات النووي» في سواحل مضيق هرمز…!
3 ـ ما يعدّ لسورية تحت سقف «التفاهمات» إنما هي مجموعة حروب صغيرة خاطفة ستحاول من خلالها القوى الدولية والإقليمية المهزومة استرجاع زمام المبادرة بعد أن غلبت الروم وغدا بقاء الأسد ودولته الوطنية أمراً محتوماً…!
وتحت السقف الآنف الذكر سيحاول «الإسرائيلي» الموعود أميركياً بتجاوز مرحلة هزيمته أمام المحور الدمشقي الممتدّ من طهران الى حارة حريك، الى ضمّ الجولان بصك أميركي ورضا سعودي «عربي» تعويضاً له عن عجزه بإشعال حرب ضدّ حزب الله…
هذا فيما سيسعى السعودي حثيثاً لجرّ إيران الى حرب إقليمية مدعومة من واشنطن تتجنّبها طهران حتى الآن، يكون مسرحها اما عبر بوابة اليمن او من خلال ترجمة طموح جامح مجنون للعب دور المدافع عن الأمن القومي العربي يترجم بهجوم مفاجئ وخاطف على الجزر الإيرانية الثلاث ابو موسى وطمب الكبرى وطمب الصغرى…
في موسم الهجرة إلى «مالاقا» الذي يعيشه الشيطان الأكبر لملاقاة التنين الأصفر، يرى ساكن البيت الأبيض بأن على الدول العربية التي حوّلت وجهة عداوتها من «اسرائيل» الى إيران ان تدفع هي من لحمها ودمها وبيت مالها – الذي هو بيت مال العرب والمسلمين البتة – تكاليف أمنها القومي لأنّ الكاوبوي المتقهقر اقتصادياً وجيواستراتيجياً لم يعد بقادر ان ينزل قواته من البحر الى اليابسة للدفاع عن انظمة متخشبة متصدّعة أثبتت في أكثر من معركة أنها عاجزة في كلّ مجالات السباق مع جارها الإيراني الصاعد الى لعب دور عالمي وليس إقليمياً فحسب، كما جاء على لسان رئيس وزراء إيطاليا الزائر لطهران في زحمة البحث عن حصته في السوق الإيرانية الواعدة…!
هذا ما يتمناه الشيطان الأكبر وشياطينه الصغار، لكن حساب الحقل وحصاد البيدر المقاوم يشي بأمر آخر لا يفقهه سكان الغرف والبيوت السوداء، ولا يملك قدرة استخلاصه إلا من امتلك البصائر قبل البصر وتمرّس في علم اليقين…
تقول السنن الكونية الحاكمة في مسارات الحرب والسلام بين مَن مذهبه المقاومة ومَن مذهبه المساومة ما يلي:
1 ـ سيظلّ المارد الإيراني الصاعد ماسكاً بالصاروخ بيد وبالحوار باليد الأخرى، ولن يسمح باقتتال داخلي ولا بحرب مفروضة جديدة كما الحرب العراقية الإيرانية، لكنه لن يتوانى في الوقت نفسه عن مقاتلة الأميركي وجعله يتجرّع كأس سمّ جديدة في كلّ ميادين وساحات الحرب بالوكالة من بلاد الشام وجوارها الى مالاقا ومياه البحار والمحيطات حتى استسلامه على بوابات بيت المقدس وتفكيك أسطوله على اليابسة الفلسطينية المسمّى «إسرائيل»…!
2 ـ لن يستسلم السوري الضارب عميقاً في الهلال الخصيب والمتحالف طولاً وعرضاً بكلّ أقاليمه مع القوة العالمية الجديدة الصاعدة بالصورة الروسية وكلّ حليفاتها في «بريكس» وغيرها، بل وسيحوّل بطاقته الذهبية في محاربة الإرهاب التكفيري العالمي جسر نصر جديداً يقضي من خلاله على كلّ أشكال الفاشية والنازية الجديدة…!
3 ـ ستثبت شعوب المنطقة من خلال قواها الحية، وفي مقدّمتها حزب الله اللبناني وحلفائه الأحرار، ويمن الحكمة والإيمان، بأنها ليست فقط قادرة على تشكيل جمهورياتها المستقلة والقادرة والعادلة، بل وحماية مضائقها وأمنها القومي دون الحاجة الى الأجنبي الدخيل، ولا حتى الى مَن هو مستقوٍ به من عساكر العبد الذليل والوكيل، وقادرة كذلك على تداول السلطة والحكم وممارسة السيادة على أراضيها بعد أن تدفع بممالك الفراغ الى ما بعد بعد الربع الخالي…!
بعدنا طيّبين قولوا الله…
(البناء)