سيئون وسيئون أكثر: عاموس هرئيل
في المثلث الحدودي بين إسرائيل وسوريا والأردن وجنوب الجولان، وعلى بعد كيلومترات معدودة من الأراضي الإسرائيلية، تدور في الاسابيع الاخيرة معركة شديدة بين الاذرع الإرهابية الاكثر تطرفا في الشرق الأوسط. حقيقة أن تأثير ذلك غير ملموس في الطرف الإسرائيلي من الحدود وأن الجولان تستمر في استقبال مئات آلاف السياح من إسرائيل والخارج في كل سنة، تؤكد على الانجاز الإسرائيلي المفاجيء في الجبهة الشمالية. النجاح في البقاء مدة خمس سنوات على هامش الحرب الاهلية السورية وإبعاد المواطنين عن تأثيرات المذبحة الكبيرة التي تجري هناك.
إن بقايا سيطرة النظام السوري على أجزاء من الجولان، تلاشت قبل نحو سنتين. توجد قوات سورية هامشية على بعد معين من الحدود مع إسرائيل. وفي مدينة القنيطرة الجديدة وقرية الخضر الدرزية في شمال الجولان تسيطر مليشيات محلية تحافظ على علاقتها مع النظام. لكن الوحدة الخاصة التابعة للاسد غادرت مواقعها الاخيرة في جبل الشيخ السوري. من الناحية العملية، النظام يسيطر في الشرق، في الممر الواصل بين القنيطرة والعاصمة دمشق. ولم يبق أي أثر للمواقع والقيادات والتحصينات التي انشأتها سوريا في الماضي لمنع تقدم إسرائيل في حالة اندلاع الحرب معها. الوسائل القتالية التي أبقتها وراءها الوحدات التي انسحبت، الدبابات والقذائف والمدرعات، سيطرت عليها مليشيات محلية متمردة، وهي تقوم باستخدامها لمحاربة بعضها البعض في ظل غياب النظام.
في الجهة الجنوبية من هضبة الجولان السوري تسيطر منظمة محلية للمتمردين هي «شهداء اليرموك» التي أعطت ولاءها لداعش في نهاية 2014. وفي القرى المقابلة للحدود مع إسرائيل وفي الوديان وعلى ضفاف نهر اليرموك يعيش حوالي 40 ألف انسان منهم أكثر من 600 مقاتل تابعون لداعش. وفي المناطق الشمالية والشرقية تسيطر شبكة معقدة من المليشيات السنية المحلية، تشمل منظمات يعتبرها الغرب وإسرائيل مليشيات معتدلة نسبيا مثل جيش سوريا الحر. ولكن حرب هذه المنظمات ضد «شهداء اليرموك» تقودها جبهة النصرة التابعة للقاعدة.
نجح نشطاء «شهداء اليرموك» في المعارك الأخيرة في السيطرة على عدد من القرى وقاموا بتوسيع حدود سيطرتهم نحو الشرق. وبعد فترة قصيرة استرجعت جبهة النصرة توازنها وأعادت السيطرة على هذه القرى مجددا. وقد شارك مئات من المقاتلين فقط من الطرفين في هذه المعارك، وبرز استخدام سيارات «تيوتا» مثلما فعل داعش في العراق وسوريا، حيث تحولت هذه السيارات إلى رمز للحرب في المنطقة.
قام طلاب من الاكاديمية العسكرية الأمريكية بزيارة إلى إسرائيل مؤخرا. وقد تفاجأوا عندما قاموا بزيارة هضبة الجولان، حيث سمع الضباط الأمريكيون من مضيفيهم أنه في المواجهة الحالية في الطرف السوري يوجد سيئون، ولكن يوجد ايضا سيئون أكثر. والآن «ليس من أسقطوا لكم أبراج التوائم في 11 ايلول هم الاسوأ في هذه المنطقة». إن خشية إسرائيل من وجود الذراع العسكري لداعش في الجولان، لا تعني منح الشرعية لذراع القاعدة، جبهة النصرة. السياسة التي وصفها وزير الدفاع موشيه يعلون قبل سنتين ونصف في صحيفة «هآرتس» بأنها بقيت على حالها. فإسرائيل تقدم للمليشيات المحلية المعتدلة والسكان الذين يعيشون في القرى المواد الغذائية والملابس والادوية. وقد قدمت العلاج الطبي بـ 2100 شخص في مستشفياتها. جبهة النصرة تقوم بالحفاظ على مسافة معينة من الحدود بطريقة تريح الطرفين. ولكن التقارير الصحافية المقربة من الاسد تتحدث عن وجود تحالف بين إسرائيل وجبهة النصرة، أي القاعدة. الامر الذي تنفيه القدس بشدة. والادعاء هو أن النظام يحاول تقديم النصرة على أنها دمية في يد إسرائيل، وفي نفس الوقت اتهام إسرائيل بدعم الإرهاب.
«هذا سيحدث عندي»
ضابط في الجيش الإسرائيلي، مسؤول عن منطقة الحدود، هو قائد كتيبة غولان الذي سيسمى هنا العقيد ج. الذي كان في السابق قائد وحدة اركان، وقد يشغل في المستقبل مهمات سرية اخرى. وما زال حتى الآن يمنع نشر إسمه وصورته. ج. قال اثناء جولة على طول الجدار الالكتروني أول أمس لصحيفة «هآرتس» إن تبادل اطلاق النار الاخير بين المليشيات في جنوب هضبة الجولان السورية تم سماعه بوضوح من المواقع الإسرائيلية. والمعارك التي تدور هناك لها صلة ضئيلة مع ما يحدث في الحرب الاهلية السورية، وساحتها الاساسية في شمال ووسط الدولة. وقف اطلاق النار بمبادرة روسية في شباط يتم الاخلال به في بعض الاحيان في مناطق كثيرة، لكنه لم ينهر تماما. والهضبة التي كانت في السابق تعتبر مصدرا اساسيا لخوف نظام الاسد، الأب والابن، بسبب الخوف من إسرائيل، هي الآن ساحة هامشية.
وحسب رأي إسرائيل فان جميع العمليات التي جرت في الجولان في السنوات الاخيرة ـ العبوات الناسفة وصواريخ الكاتيوشا وفي احدى المرات أطلق صاروخ ضد المدرعات تسبب بقتل شاب من عرب إسرائيل. هذه العمليات تمت من قبل حزب الله والخلايا الدرزية والفلسطينية التي يقوم بتشغيلها حرس الثورة الإيراني. مصدر القلق الرئيس يتعلق بـ «الشهداء» وهو ذراع لداعش في الجنوب. وقد نجحت جبهة النصرة في السنة الماضية بتصفية زعيمه المحلي بواسطة سيارة مفخخة تم ادخالها إلى المناطق التي يسيطر عليها. وفي البدء تم تعيين قائد محلي بديل. ولكن فيما بعد قام داعش الموجود في الرقة، عاصمة الخلافة في شرق سوريا، بتعيين نشيط سعودي يسمى المدني قائدا جديدا لـ «الشهداء».
لقد ضعفت استقلالية المنظمة المحلية، وهي تتلقى التوجيهات من القيادة. ومنذ ذلك الحين اشتدت الحرب الداخلية بين المتمردين في جنوب الجولان. والقائد السعودي الجديد يقوم بفرض خط ديني متشدد في المناطق التي يسيطر عليها.
يدرك الجيش الإسرائيلي الصحوة التي تعيشها مليشيا «الشهداء». واضافة إلى تهديدات داعش العلنية بتنفيذ العمليات ضد إسرائيل من الحدود السورية في الجولان، تستمر الاعمال في اعمار وتحسين جدار الفصل والعمل الاستخباري والاستطلاع لمعرفة التطورات في الميدان. ج. يستعد للعمليات وهو يقول «لم يعد الامر يقتصر على ثلاثة اشخاص يقومون باجتياز الشريط». من المحتمل أن يحدث هجوم لقوة كبيرة نسبيا يكون هدفها المواقع العسكرية والمناطق المدنية، كما حاولوا فعل ذلك في السابق، لا سيما المنظمات الجهادية على الحدود المصرية. وهناك مواقع سكنية إسرائيلية في الجولان قريبة من الحدود. ولهذا من المهم تعزيز تواجد الجيش الإسرائيلي هناك.
هآرتس