سورية : فيتنام ام نيكاراغوا ؟
غالب قنديل
رغم محاولات توصيف التصعيد السياسي والعسكري الذي يشهده الميدان السوري على انه سعي تركي سعودي لتحسين الشروط التفاوضية فقد أكدت المعلومات المسربة عن خطط أميركية جديدة لدعم الجماعات الإرهابية في سورية تصميم الإدارة على مواصلة الحرب الاستعمارية بالواسطة وهي محور خطتها المتواصلة ضد سورية منذ خمس سنوات.
أولا تؤكد هذا الاستنتاج الوقائع المتراكمة بشأن استمرار الدعم المالي والعسكري التركي والسعودي لعصابات الإرهاب التي انضوت في حملة عسكرية بقيادة جبهة النصرة وفي عدادها فصائل وافقت على اتفاق وقف العمليات القتالية سبق لها ان قبلت القواعد الناتجة عن البيان الروسي الأميركي المشترك الذي حدد إطار وقف القتال بينما لم يصدر اي موقف او تحرك اميركي واضح بشأن تجفيف موارد الإرهاب عبر الحدود التركية والأردنية مع سورية وعلى الرغم من صدور قرارات اممية بهذا الخصوص منذ سنوات.
تفاخر الرئيس الأميركي بتراجع قدرات داعش وهو يعلم ان الضربات القاتلة التي تلقتها الشبكات التركية لتهريب النفط السوري المسروق لحساب داعش نفذتها القوات الجوية الروسية الداعمة للدولة الوطنية السورية وهو يعرف ايضا ان الجيش العربي السوري وحلفاءه هم من حرروا مدينة تدمر وهذا التحالف الذي اظهر تفوقه الميداني هو الذي أثبت امتلاكه الإرادة والقدرة على الحسم في دير الزور والرقة وحيث تتواجد قوات داعش على الأرض السورية.
يبدو ان الرئيس باراك أوباما قد لا يتمكن من تحقيق أمنية مزعومة نقلها عنه القادة الروس إلى دمشق وهي انطلاق العملية السياسية السورية قبل نهاية ولايته الرئاسية وضم ذلك البند من تفاهماته مع الرئيس فلاديمير بوتين إلى محفظة إنجازات الحزب الديمقراطي الحاكم التي ترجح كفة مرشحته الرئاسية في الخريف المقبل.
ثانيا بنتيجة السلوك الأميركي “الرخو” اتجاه الحكومات التابعة تتحرك العملية السياسية السورية على حد التراقص في حلقة الفشل رغم كثافة التمنيات بالنجاح التي يتخيلها المواطن السوري العادي بينما تصدمه خيبات كثيرة تبدأ بنقص قوام التفاوض بتركيب الوفود المعارضة على هوى العواصم المتدخلة وحكومات دول العدوان ولا تنتهي بمحاولات تعويم العملاء والإرهابيين الملطخة أيديهم بالدماء وتحويلهم إلى مفاوضين سياسيين .
ليست الرخاوة الأميركية سلوكا عفويا يبرره البعض بتراجع القدرة الأميركية في العالم بل هي من قواعد وتعبيرات الإدراة من الخلف التي يطبقها المخططون الأميركيون الذين يفتحون أبوابا مواربة للضغوط ولعمليات التفجير والمناورات السياسية الهادفة لانتزاع التنازلات ويخشون تحمل المسؤولية عن التصعيد حتى لا تنقطع شعرة التنسيق الممكن مع كتلة القوى الصاعدة في المحور الشرقي بقيادة روسيا فالولايات المتحدة تريد اختبار فرص تعزيز اوراقها التفاوضية عبر خضات ميدانية لا تريد بالمقابل ان تحمل مسؤوليتها المباشرة بل هي تحمل عملاءها قسطا من تلك التبعات من خلال قواعد إعادة اقتسام التكاليف والأعباء الذي تطبقه إدارة اوباما بدقة في حروبها غير المباشرة عبر العالم وفي منطقتنا خصوصا حيث يتوازى ويتقاطع كل من الطريق الحربي والمسار التفاوضي.
هذا النهج يهدد تفاهمات اميركية روسية حول اكثر من قضية او ملف وبصورة خاصة في الموضوع السوري الذي يحتل مكانة محورية.
ثالثا في التجربة التاريخية نموذجان لتسويات تفاوضية توازت مساراتها وفرصها مع الحروب :
– النموذج الفيتنامي حيث استمرت الحرب الأميركية حتى اللحظة الأخيرة لدخول ثوار الفيتكونغ إلى عاصمة فيتنام الجنوبية سايغون يوم 30 نيسان 1975 وهروب الطاقم الدبلوماسي والمخابراتي الأميركي من سطح مبنى السفارة بينما كانت جولات التفاوض متواصلة في باريس منذ العام 1968 وتعثرت غيرمرة بفعل تشدد الولايات المتحدة والحكومة العميلة في تبني تصورات تعاكس إرادة الاستقلال الفيتنامية. .
– نموذج نيكاراغوا حيث فرض فشل العدوان الأميركي بواسطة عصابات الكونترا وقوع تسوية سياسية أدت إلى انتخابات عامة ورئاسية شاركت فيها جبهة سياسية كان بعض مكوناتها واجهة للعدوان ولكن بعض مكوناتها كانوا يمثلون ثقلا اجتماعيا وسياسيا يعتد به قوامه التجار والمصرفيون ومنشقون عن الجبهة الساندينية وربحت الكتلة العميلة الانتخابات بفارق بسيط وثابر الساندينيون على العمل السياسي والشعبي سنوات قبل استرجاع الرئاسة والحكم بالانتخابات وكانت حكومة السانديين قد ربحت سياسيا ومعنويا على الولايات المتحدة عبر فوزها بقضية تقدمت بها امام محكمة العدل الدولية ضد حكومة الولايات المتحدة التي أدانها الحكم القضائي بالعدوان على دولة مستقلة وبتجنيد عصابات من الإرهابيين والمرتزقة وبتفخيخ الموانيء وتضمن الحكم الذي صدر عام 1986 وتهربت منه واشنطن أمرا بتعويضات لحكوكة نيكاراغوا ولم ينفذ حتى اليوم بالطبع .
لأن واجهات المعارضات السورية التي تشارك في المسار التفاوضي لاتعبر عن واقع اجتماعي سياسي داخل سورية بقدر ارتباطها بالمشغلين الدوليين والإقليميين فإن شرط التقدم في المسار السياسي هو تخلي المشغلين عن الأطماع والأوهام التي تحرك حساباتهم وانتقالهم لتبني نهج واقعي يكرس الاعتراف بحصيلة التوازنات ولذلك فإن احتمال انسداد المسارالتفاوضي وتعثره من جولة إلى جولة يصبح مرجحا وهو ما سيفتح أبواب الحسم العسكري رغم إيجابية الدولة السورية وتجاوبها مع مقتضيات التفاوض منذ البداية فهي لن تنتظر طويلا تفاهما افتراضيا مع واجهات عميلة لتوحيد الجهود ضد الإرهاب.
الخلاصة : إذا لم تفرض واشنطن على عملائها قطع موارد الإرهاب وما لم تتخل هي نفسها عن خطط دعم العصابات العميلة لا شيء سيمنع تقدم شعار : لتكن اكثر من تدمر !