سلام: لبنان يرفض توطين النازحين ونؤكد وقوفنا إلى جانب الإجماع العربي
ألقى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام كلمة لبنان في قمة “منظمة التعاون الإسلامي ال13″، قال فيها: “أود أن أتقدم من فخامة رئيس الجمهورية التركية الأخ رجب طيب إردوغان، بوافر الشكر والتقدير على حسن الوفادة، وعلى ما بذله والحكومة التركية من جهود، لتنظيم هذا المؤتمر وتوفير سبل النجاح له. إننا سعداء بوجودنا في اسطنبول، هذه الحاضرة العظيمة التي سكنت ذاكرتنا، وصنعت بعض مخزوننا الثقافي وجزءا أساسيا من تاريخنا الإسلامي. كما نتطلع بإعجاب الى ما حققته الجمهورية التركية من نجاح اقتصادي وتقدم علمي، مما جعلها تحتل موقعا متقدما بين الأمم. إسمحوا لي في البداية، أن أعبر عما أشعر به من ألم، لأنني أتحدث من على هذا المنبر باسم لبنان، بديلا من متحدث أصيل، هو رئيس الجمهورية اللبنانية الذي ما زال مقعده شاغرا منذ قرابة عامين. إننا نأمل في إنجاز الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن، لكي يعود التوازن الى المؤسسات الدستورية وتستقيم الحياة السياسية في بلدنا، ولكي يأتي الرئيس المسيحي الماروني إلى المحافل الدولية متحدثا باسم بلد العيش المشترك… لبنان”.
أضاف: “تنعقد قمتنا هذه وسط تحديات غير مسبوقة تواجه عالمنا الاسلامي، يأتي في طليعتها تحدي الإرهاب الذي ينشر الموت والخراب في بلداننا وخارجها باسم الاسلام، ملحقا إساءة بالغة بصورة الدين الحنيف، ومتسببا بموجة من العداء للاسلام والمسلمين في العالم يصعب حصر أضرارها. نحن في لبنان دفعنا ثمنا غاليا في مواجهة هذا الشر، وما زال عدد من أبنائنا العسكريين محتجزا لدى المنظمات الإرهابية. ومع ذلك، فإن قواتنا العسكرية وأجهزتنا الأمنية تواصل التصدي للارهاب في الداخل وعلى الحدود، محققة قدرا عاليا من النجاح، رغم ضعف الإمكانات ومحدوديتها”.
وتابع: “يواجه لبنان، بإمكانات محدودة أيضا، عبئا هائلا يتمثل في وجود قرابة مليون ونصف مليون نازح سوري على أراضيه، في ظاهرة غير مسبوقة في العالم اذا ما قيست بمساحة بلدنا وعدد سكانه. لقد سبق أن حذرنا من أن عدم توفير المعونة المطلوبة للنازحين وللمجتمع اللبناني المضيف، قد يؤدي ليس فقط إلى مزيد من إضعاف الاقتصاد اللبناني المنهك أصلا، بل إلى حال من عدم الاستقرار الأمني، لأن الفقر والحرمان والبؤس هي المولد الأول للتطرف. إن مقتضيات الأخوة والتضامن التي تقع في صلب روحية منظمة التعاون الاسلامي منذ تأسيسها، تفترض أن هذا العبء هو أيضا مسؤولية أخلاقية، يجب أن تساهم الدول الاسلامية جميعا في تحملها”.
وأردف: “عليه، فإننا ندعو مؤتمرنا الموقر إلى إيلاء هذه المسألة العناية التي تستحق، مؤكدين مرة جديدة أن لبنان يرفض أي شكل من أشكال توطين النازحين السوريين، ويعتبر وجودهم على أراضيه وجودا موقتا يجب أن يزول بزوال مسبباته. إننا نتابع بكثير من الأمل، الحركة الدبلوماسية الناشطة الرامية الى إنهاء الحرب في سوريا، ونتطلع إلى يوم يتوصل فيه السوريون إلى حل سياسي ينهي هذه المأساة، ويحقق طموحات الشعب السوري في العيش بحرية وكرامة في دولة سيدة موحدة”.
وقال: “تشهد المنطقة العربية توترات سياسية حادة ومواجهات عسكرية نتيجة عوامل متعددة. ويشكو العديد من الدول الشقيقة، وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي، من تدخلات خارجية تؤجج هذه الصراعات. إننا نرفض محاولة فرض وقائع سياسية في الدول العربية عن طريق القوة، بما يؤدي إلى تعريض الاستقرار في المنطقة للخطر، وإثارة الضغائن بين شعوب ودول لديها ما يجمعها أكثر بكثير مما يفرق بينها. إننا نعلن تضامننا الكامل مع أشقائنا العرب، في كل ما يمس أمنهم واستقرارهم وسيادة أوطانهم ووحدة مجتمعاتهم، ونؤكد وقوفنا الدائم إلى جانب الإجماع العربي. إن المصلحة العليا للأمة الإسلامية، لا تتحقق إلا بالعودة الى المخزون العظيم للاسلام الحق، وبالإبتعاد عن سياسات التربص وزرع الفرقة، وبتجنيد كل الطاقات والثروات في خدمة الصالح العام للمسلمين. إننا نوجه نداء صادقا إلى الدول الاقليمية، من أجل اعتماد مقاربات مختلفة للعلاقات في ما بينها، بما يعيد الثقة المفقودة، ويخفض التوترات المذهبية، ويفتح الطريق أمام علاقات تحقق الخير لبلدان المنطقة وشعوبها”.
أضاف: “يتعرض القدس الشريف، ثاني القبلتين وثالث الحرمين، لاعتداءات يومية ممنهجة على ماضيه وحاضره ومستقبله، في محاولة لطمس هويته ومعناه، ولتغييب حق أصحابه الى الأبد. إننا مطالبون بعدم السماح للأحداث التي تعيشها أمتنا، بأن تنسينا قضية العرب والمسلمين الأولى، ومدعوون إلى إيجاد السبل لوضع حد للهجمة الاستيطانية الاسرائيلية، ولإحياء العملية السياسية الهادفة الى ايجاد تسوية على اساس حل الدولتين ومرجعية مدريد ومبادرة السلام العربية. إن اسرائيل، العدو الأول لهذه الأمة، تتفرج على حروبنا وانهياراتنا. إنها تحقق علينا الانتصار تلو الانتصار، من دون أن ترفع إصبعا أو تحرك جنديا واحدا… وتسعد بتفتت مجتمعاتنا وتفكك أوطاننا، وتحتفي بنزيف دمائنا وثرواتنا ومقدراتنا. إن ما نحن فيه من أوضاع بالغة الخطورة، يضع على عاتقنا مسؤوليات تاريخية كبيرة”.
وختم: “إن العالم الإسلامي يعج بالطاقات البشرية المبدعة، ويفيض بموارد طبيعية وإمكانات مادية هائلة، ويستند إلى تراث ديني وفكري وحضاري غني. ولذا، فإن التاريخ لن يرحمنا، إن كان الإرث الوحيد الذي سنتركه لأبنائنا هو الخراب العميم. بمقدورنا أن نمنع ذلك، ولن يستطيع أحد، إن نحن عقدنا العزم ووحدنا الإرادات، أن يحول دون خروجنا من البؤس الراهن، إلى موقع في هذا العالم، يليق بنا ويفتح أمام أبنائنا باب الأمل”.