هذا كله غير شرعي !
غالب قنديل
وفقا لقانون المرئي والمسموع تخصص قنوات للبث التلفزيوني التماثلي لكل مؤسسة تلفزيونية مرخصة وترددات للمؤسسات الإذاعية وتتقاضى الخزينة من المؤسسات المرخصة بدلات تأجير في صيغة رسوم سنوية تحت طائلة سحب الترخيص في حال عدم السداد وهذا مبدأ طبق استنسابا لمرة واحدة بدافع الكيد السياسي فالرسوم تراكمت حتى اليوم جبالا بلا سؤال فما هو واقع الحال في البث التلفزيوني والإذاعي الذي يقع شقه التقني ضمن مسؤوليات وزارة الاتصالات التي انشغلت مؤخرا بملاحقة الأنترنت غير الشرعي وهذا جيد رغم كونه جاء متاخرا ولكن ماذا عن كل ما هو غير شرعي في حلقة مسؤوليات وزارة الاتصالات وخصوصا في البث التلفزيوني والإذاعي؟
الفضاء الإذاعي يضج بفوضى البث غير الشرعي الذي قدرته الهيئة المنظمة للاتصالات بمعدل ثلاثين بالمئة من البث الإذاعي في لبنان بنتيجة المسح الترددي الشامل الذي أعدته الهيئة العام الماضي ففي الفضاء اللبناني إذاعات غير مرخصة تشغل حيزا من الترددات وبعضها أحدث لخدمة الحرب على سورية عبر محطات بث إذاعية أقيمت في عدة مناطق حدودية تحت حماية سياسية محلية وقد وردت مراسلات بهذا الخصوص من الجهات الحكومية السورية كان مصيرها الإهمال في تصرف سياسي كيدي يخالف الاتفاقات الثنائية بين الدولتين.
أما تلفزيونيا فالبث الأرضي على القنوات المحددة وفق القانون تقلص لدرجة تقارب العدم بالنسبة لمعظم المؤسسات التلفزيونية اللبنانية التي واجهت طوال عشرين عاما منافسة غير مشروعة تحت عين وزارة الاتصالات مصدرها شبكات التوزيع المنزلية المنتشرة في جميع المناطق اللبنانية والتي اصطلح على تسميتها بمجموعات الكابل التي هي كناية عن شركات تجارية تعمل بصورة غير شرعية ومخالفة للقوانين والأنظمة فلا هي تخضع محتوى ما تقوم بإعادة توزيعه من قنوات لموافقة أي جهة حكومية وضمن رزمتها التي تصل إلى بيوت اللبنانيين قنوات تحرض على العنف والفتنة والكراهية الدينية والمذهبية وقنوات اخرى تبث أفلاما إباحية وموادا خلاعية محظورة وبعض تلك المجموعات انشا قنوات خاصة به يوزعها ضمن رزمته إلى المشتركين كما تستخدم مجموعات الكابل منشآت بلدية وشبكات عامة للإنارة والاتصالات من غير أي ترخيص اوبدل او رسم وقد تكرست كأمر واقع على حساب ممارسة الدولة لحقها ولمسؤوليتها في امتلاك شبكة وطنية للبث التلفزيوني الأرضي أسوة بسائر دول العالم خصوصا مع الانتقال إلى البث الرقمي الأرضي الذي عرقلته اجتهادات خارج العلم والمنطق نتيجتها حماية وتكريس الواقع غير الشرعي وحماية ما يرتبط به وينشأ عنه من مصالح في هذه المنظومة المتشعبة التي تتوسع كالفطر منذ ربع قرن خارج القانون وبدون أي ضوابط تحمي المؤسسات الإعلامية المرخصة وتحفظ حقوقها وتضمن الحقوق الوطنية السيادية للشعب اللبناني والحديث يدور هنا عن كتلة مالية ضخمة ولا يستهان بها.
بكل أسف إن البعد الوحيد الذي اهتمت له الحكومة اللبنانية طوال عشرين عاما هو شكوى مجموعات فضائية سعودية ضخمة من إعادة بث قنواتها وبرامجها عبر شبكات الكابل غير الشرعية دون دفع بدلات لحقوق إعادة البث وقد عملت النيابات العامة في البلاد بصورة طارئة واستثنائية بقرار من رئاسة الحكومة في أواخر التسعينيات لإلزام أصحاب مجموعات الكابل بتوقيع تعهدات امام القضاء جعلت اتفاقاتهم التجارية اللاحقة مع مجموعتين من قنوات الأفلام والمسلسلات السعودية بمثابة الإذعان وكانت تلك هي العملية التنظيمية الوحيدة التي أعقبها الترخيص من وزارة الاتصالات بترددات لمجموعتي الكابل الهوائي “إيكونت” التي اشترى غالبية رأسمالها المستثمر السعودي الشيخ صالح كامل مالك art و”كابل فيجين” التي يملكها آل الحريري وشركاهم وما تزال الشركتان تعملان بصفة مؤقتة ومن غير وجود قانون للبث المرمز او قواعد تحدد مرجعية الترخيص بإعادة البث كما منحت تراخيص مؤقتة باستعمال ترددات لمجموعة أخرى تدعى “ ucl” تضم موزعي الكابل المنزلي في عدد من المناطق بالشراكة مع متمولين وثمة معلومات عن شركتين رابعة وخامسة تعملان بقاعدة الترخيص الموقت الصادرة عن وزارة الاتصالات وهي صيغة تحايل على القانون واقعيا لأنها فالتة من أي ضوابط أو مرجعيات تتعلق بمحتوى إعادة البث كما هي حصيلة استنساب سياسي في منح التراخيص من غير أي قواعد قانونية ناظمة.
الخلاصة: شبكات الكابل الهوائي “مرخصة” من خارج القانون ومشروع الشبكة الوطنية للبث التفزيوني الأرضي الرقمي معطل خلافا لقرار مجلس الوزراء بالمصادقة على الخطة الوطنية للانتقال إلى البث الرقمي والتي كلفت بالإشراف على تنفيذها لجنة شكلت عام 2013 وعطلت بعدم التجاوب مع مناشدات اللجنة لتذليل العقبات ورغم تصميم وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام على تنفيذ الخطة فهي عالقة في علبة مغلقة.