هل يدفع الحريري ثمن الكباش السعودي ـ الاميركي… السنيورة وراء الباب ابراهيم ناصرالدين
الرئيس سعد الحريري في وضع لا يحسد عليه، طبعا ازمته المالية لم تعد خافية على احد، سياسيا، لا يعرف حتى الان لماذا طلبت منه المملكة العربية السعودية العودة الى لبنان في هذا التوقيت، يشعر بالريبة من «تجرؤ» وزير العدل اشرف ريفي عليه، لا يبدو مرتاحا من زيارة الرئيس فؤاد السنيورة الى واشنطن، ثمة احباط كبير دفعه الى «المغالاة» في اعلان الفوزعلى ميشال سماحة وهو «خلف القضبان»، احتفل بالانتصار على صدر الصفحة الاولى في جريدته الحزبية على «عميل» الرئيس السوري بشار الاسد، وفي الوقت نفسه ما يزال متمسكا بترشيح صديق الرئيس الذي لم يتوان يوما عن القول بان الاسد بالنسبة اليه اكثر من «أخ»…. انه انعكاس فاضح للتخبط والضياع، هو لا يعرف ما الذي يريده، في كل مرة يشعر بالضيق يلجأ الى ضريح والده لمخاطبة «غرائز» جمهوره وعواطفه، لكنه هذه المرة يبحث عن اجابة لسؤال بات يحيره، «ما الذي تريده السعودية مني»؟
هذا السؤال المركزي يبدو في مكانه بعد ان لمس الحريري في الفترة الاخيرة انه لا يملك «مفاتيح» «اللعبة» في المملكة، ولم يعد حامل «اسرار» القيادة في بيروت، ثمة منافسون جديون من «داخل البيت»، ومن خارجه، وبحسب اوساط سياسية تدور في فلك 14آذار، فان مطالبة رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الحريري بتأييد ترشيح الجنرال ميشال عون للرئاسة، مع تصريحات السفير السعودي علي عواض العسيري التي تنصل خلالها من رعاية المملكة لترشيح النائب سليمان فرنجية، اثارت ريبة الحريري الذي كان يظن ان خطوة «الحكيم» بترشيح عون ستخرجه من «جنة» المملكة، ولكنه اكتشف لاحقاً ان ثمة «مظلة» تحمي جعجع في الرياض، وهو يتوقف مليا اليوم امام هذا «التناغم» في التصريحات وتوقيتها، فهل ثمة استدارة في الموقف السعودي؟ وهل ثمة توجهات جديدة يجري تحضير الارضية المناسبة لها؟
هو لا يعلم، ولكن ثمة مؤشرات مقلقة لا يملك اجابات حولها، المملكة عبر سفيرها في بيروت ابلغت الحريري استياءها من الرد المباشر عبر «تويتر» للنائب سليمان فرنجية والتي اعلن عبرها رفضه تصنيف حزب الله ارهابيا، ورأت في ذلك مؤشرا سلبيا يستهدف المملكة بشكل مباشر، بعد فترة خرج ذلك التصريح «الملتبس» للعسيري حول موقف المملكة من ترشيح «زعيم المردة». اما «الطامة» الكبرى فكانت الزيارة الاخيرة للسفير السعودي الى وزارة الخارجية حيث التقى الوزير جبران باسيل، هذا الاجتماع الذي جاء من خارج السياق، جاء ليزيد الغموض حول موقف الرياض من الاستحقاق الرئاسي، ففي ظل صعوبة الفصل بين باسيل وزير الخارجية، وباسيل رئيس التيار الوطني الحر، وصهر «الجنرال»، تبدو للزيارة ابعادا تتجاوز «البروتوكول» الدبلوماسي، خصوصا ان المملكة حمّلت بشكل مباشر الوزير مسؤولية «الجحود» اللبناني اتجاهها منذ ان رفض في كانون الثاني الماضي، وصف حزب الله في بيان وزراء الخارجية العرب بـ«الإرهابي»، والغضب السعودي والحملة ضدّ لبنان وتهديد مصالح اللبنانيين الاقتصادية في بلدان الخليج، لم تتوقف منذ الحين، وبعد قرابة الشهرين من محاولة «المملكة» ليّ ذراع الحكومة اللبنانية، تأتي الزيارة «الغامضة» بنتائجها بعد ان غادر العسيري دون أن يدلي بأي تصريح، فيما سربت الخارجية اللبنانية معلومات عن «علامات ارتياح» على وجه السفير، فيما لم يغير اللقاء بين الحريري وباسيل والذي عقد قبل مدة اي من المعطيات التي تسمح للسفير السعودي بالبناء عليها للذهاب الى السفارة… العسيري «متكتم» ولم يقدم اي اجابة مقنعة للحريري.
وبحسب تلك الاوساط، فان جزء من ازمة الحريري ترتبط بالخلاف السعودي ـ الاميركي حول الاولويات في المنطقة ولبنان، ثمة مجموعة يقودها الرئيس السنيورة لديها خط مستقل مع الاميركيين، زيارة رئيس كتلته النيابية الى واشنطن تثير ريبته، وهو يخشى ان يستثمرها السنيورة في عرض نفسه مجددا رئيسا لحكومة تسوية في عهد جديد قد تضطر فيه السعودية الى تقديم تنازلات على حسابه في لبنان، طبعا هو لا يعرف راهنا مدى جدية المملكة في اعتماده «وكيلا حصريا» لسياستها اللبنانية، لكنه يدرك انه لا يمكنه ان ينافس السنيورة في الخيارات الاميركية، ويخشى ان يدفع ثمن «الكباش» السعودي الاميركي.
هذا الخلاف لا ينحصر على الساحة السورية وانما يتجاوزه الى ساحات اخرى، وقد لا يكون لبنان في منأى عنها، على سبيل المثال لا الحصر، تتحدث اوساط ديبلوماسية غربية عن تحد يخوضه الملك سلمان في مصر في وجه الولايات المتحدة وليس ايران، وكما راهن في السابق وخسر رهانه في اقناع ادارة الرئيس باراك اوباما بدعم نظام حسني مبارك، يضع اليوم «البيض» في «سلة» دعم نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي تستعد الادارة الاميركية «لهجره»، قبل ايام نشرت صحيفة «نيويورك تايمز»، الناطقة باسم الحزب الديموقراطي، مقالا افتتاحيا دعت فيه أوباما إلى وقف التعامل مع مصر كحليف. ودعت الرئيس لاعادة النظر في التحالف الذي كان يعتبر لزمن طويل حجر أساس في سياسة الامن الأميركية، والمقال لم يكن الا رسالة علنية لاوباما بعث بها أعضاء «مجموعة العمل في الملف المصري»، وللتذكير في كانون الثاني 2011 بعث أعضاء المجموعة برسالة مشابهة إلى أوباما دعوه فيها إلى اجبار الرئيس المصري «المخلوع» حسني مبارك على الاستقالة. يومها كما اليوم، خاضت السعودية غمار الدفاع عن النظام المصري، ولكن ثمة من نسي في المملكة ان الولايات المتحدة لم تكترث لدعواتها الوقوف الى جانب مبارك، وفشلت يومها رغم كل الدعم الاسرائيلي لموقفها حيث وقف الإسرائيليون من كل الطيف السياسي إلى يمين مبارك وناشدوا الأميركيين إلا يتخلوا عنه ولكن الاجماع الإسرائيلي «والرجاء» السعودي لم يؤثرا على واشنطن. اليوم ايضا تبدو اسرائيل اقرب من الاميركيين الى السعودية، ثمة تقاطع مصالح غير مسبوق في سوريا، وضد ايران، الرئيس المصري صنف حماس منظمة ارهابية لارضائها، الرياض تريد ان تحذو حذوه فكان القرار بتصنيف حزب الله ارهابيا، من غير المعروف كيف سينتهي الموقف، لكن المملكة تخوض غمار «مغامرة» جديدة غير محسوبة النتائج، «الساحة اللبنانية» ليست الا جزءا من انعكاس هذا «التوهان» في الخيارات… ومن حق الحريري ان «يدوخ».
حتى الان لا كلام مباحاً يريح رئيس «التيار الازرق» حول الاستراتيجية السعودية، لا يعرف اذا كانت توجد واحدة اصلا، يخشى تسويات «تطبخ» في المنطقة، «اشتم» رائحتها في موسكو دون ان «يتذوق» «طعمها»، يقلقه خلاف حلفائه، بعض «الخبثاء» يتحدثون عن زيادة في منسوب توتره مؤخرا بعد تسريبات عن تورط أكثر من 460 شركة لبنانية و 620 لبنانياً في فضائح وثائق بناما، فضيحة قد تتجاوز ارقامها الـ 100 مليار دولار…
(الديار)