جبهات تشتعل قبل «جنيف السوري» دمشق – عبد الله سليمان علي
الهدنة السورية تكاد تتلاشى بفعل الهجمات المتواصلة التي تقوم بها الفصائل المسلحة على مواقع الجيش السوري منذ حوالي أسبوعين.
ولكن هذا ليس التحدي الوحيد الذي تواجهه الهدنة، إذ إن ما كشفته مجلة «جينس» البريطانية المختصة بالشؤون الدفاعية، حول إرسال الولايات المتحدة شحنتَي أسلحة إلى المسلحين في سوريا، من شأنه أن يهزّ الأساس الذي بنيت عليه الهدنة، وهو التفاهم الأميركي ـ الروسي، وهو ما يطرح تساؤلات حول جدية واشنطن في الالتزام بتفاهماتها مع الروس، وعما إذا كان للأسلحة التي قامت بتوريدها أية علاقة بالتصعيد العسكري الذي تقوم به الفصائل قبل أيام من بدء الجولة الثالثة من محادثات جنيف في وقت وصل فيه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى دمشق آتيا من بيروت، استعدادا لاستئناف المفاوضات بعد أيام.
وفي إطار سياسة تهدف لإفشال الهدنة وإجهاض العملية السياسية، واصلت مجموعة من الفصائل، على رأسها «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، هجماتها على مواقع الجيش السوري على أكثر من جبهة. وقد كان أخطر هذه الهجمات ما شهده ريف حلب الجنوبي.
فقد شنت الفصائل هجوماً واسعاً استهدف السيطرة على بعض البلدات التي تعد مناطق مفتاحية للسيطرة على كل الريف الجنوبي. وتركّز الهجوم على بلدتَي برنة وزيتان اللتين تعتبران خط الدفاع الأول عن تلة العيس. وكذلك على بلدة الخالدية للتسلل نحو خان طومان، لأن الأخيرة تقع في منطقة مرتفعة وتشرف على بلدة خلصة. والعارفون بخريطة ريف حلب الجنوبي يدركون أن خان طومان وخلصة هما مفتاحَي السيطرة العسكرية عليه.
لكن الهجوم فشل لأسباب عدة، أهمها كثافة التغطية النارية، التي قامت بها الطائرات الروسية والسورية، بالإضافة إلى المدفعية وراجمات الصورايخ، ولأن التقدم الذي حققته الفصائل في الساعات الأولى من الهجوم الذي ابتدأ مساء السبت، كان بسبب تكتيك اتبعه الجيش السوري وحلفاؤه يقوم على استدراج عناصر الجماعات إلى بعض النقاط، ومن ثم تحويل هذه النقاط إلى جيوب قتل للمهاجمين. وقد مكنه من ذلك الرصد الجوي والاستخباري لتحركات المسلحين ورصد تجمعاتهم، وإعداد الكمائن الثابتة والمتنقلة لاصطيادهم.
كما أدى عامل الوقت دوراً مهماً في مساعدة الجيش السوري على التصدي لما يمكن اعتباره أعنف هجوم يشهده ريف حلب الجنوبي بعد الهدنة، فخطة الفصائل كانت تقضي بوجوب إنهاء المهمة والسيطرة على برنة وزيتان قبل طلوع الفجر، لأن طبيعة الأرض في المنطقة لا تسمح للفصائل بمواصلة الهجوم في النهار، وإلا ستنكشف خطوط إمدادها ويسارع الجيش إلى محاصرتها، لذلك لم يكن أمامها سوى الانسحاب بعد أن تمكن الجيش من مشاغلتها ومنعها من إنجاز مهمتها طوال الليل.
وإلى جانب هذا الهجوم، أعلنت مجموعة من الفصائل، منها «جبهة النصرة» و «التركستانيون» و «أجناد القوقاز»، إطلاق معركة جديدة في ريف اللاذقية تستهدف السيطرة على برج وقرية البيضاء. كما حصلت اشتباكات بين الجيش السوري و «جيش الإسلام» على طريق حرستا – القنطرة في الغوطة الشرقية.
من جهته، كشف رئيس مجلس الوزراء السوري وائل حلقي، خلال اجتماع مع وفد من مجلس النواب الروسي (الدوما)، عن استعداد الجيش السوري وحلفائه لتحرير حلب بمساعدة الطيران الحربي الروسي. وأشار إلى أن «إنجاز هذه العملية في حلب سيفتح الطريق أمام التحرك لاحقا نحو دير الزور».
وفي تقرير بالغ الخطورة، كشفت مجلة «جينس» البريطانية المختصة بالشؤون الدفاعية، في عددها الصادر أمس الأول، عن تفاصيل شحنتين أميركيتين تم نقلهما من أوروبا الشرقية للمسلحين في سوريا، عبر الأردن وتركيا. وانطلقت الشحنة الأولى، على متن الباخرة « Geysir « في 5 كانون الأول العام 2015، من ميناء كونستانتا الروماني مروراً بميناء أغالار التركي، حيث أفرغت نصف حمولتها قبل أن تتابع إلى ميناء العقبة الأردني. وقد بلغت حمولة هذه السفينة أكثر من 80 حاوية، بوزن إجمالي يقدر بحوالى ألف طن. واشتملت على أنواع عديدة من الأسلحة والذخائر، بينها أسلحة متطورة مضادة للدروع والدبابات.
وأبرز ما احتوته الشحنة: بنادق كلاشنيكوف، ورشاشات ثقيلة من نوع «دوشكا»، وقواذف «ار بي جي» وقواذف «Faktoria « مضادة للدبابات (وهي الجيل الأحدث من قواذف «Fagot» وتتميز بوجود رأس حربي ترادفي). أما باقي الشحنة فيشمل ذخيرة لهذه الأسلحة إضافة لقذائف هاون عيار 82 ملليمترا وقذائف صاروخية ترادفية لقواذف «ار بي جي».
أما الشحنة الثانية، التي بلغت ضعف الأولى إذ احتوت على 117 حاوية وبوزن إجمالي بلغ ألفي طن من الأسلحة والذخائر، فقد انطلقت من ميناء بورغاس البلغاري إلى ميناء العقبة. ولم تذكر تفاصيل محتويات هذه الشحنة، إلا أنها تشمل حوالي 162 طناً من المتفجرات. وقد حصلت سفينة « SLNC Corsica « المسجلة لدى المنظمة البحرية الدولية تحت رقم 9222352، على العقد وغادرت بورغاس في 28 آذار 2016، ويعتقد أن السفينة قد أنجزت رحلتها بحلول يوم 4 نيسان الحالي.
ويطرح الكشف عن هاتين الشحنتين تساؤلات كبيرة حول حقيقة الخطة التي تسير عليها الولايات المتحدة في سوريا، وهل هي ملتزمة فعلاً بالمسار السياسي أم تتخذه مجرد غطاء للتصعيد العسكري بهدف توريط روسيا في حرب استنزاف طويلة وقاسية.
وتبرز هنا ملاحظتان: الأولى تتعلق بتوقيت شحن الأسلحة؛ فالحمولة الأولى انطلقت من الميناء الروماني بعد أقل من شهرين على إعلان فيينا في 24 تشرين الثاني من العام الماضي. أما الحمولة الثانية فقد وصلت إلى ميناء العقبة بعد سريان هدنة وقف العمليات العدائية في 27 شباط الماضي، بموجب التفاهم الروسي – الأميركي.
الملاحظة الثانية، تتعلق بالأعداد الكبيرة من الصواريخ المضادة للدروع الموجودة على متن الحمولة الأولى، والتي يقدر عددها وفق باحثين في المجلة البريطانية بحوالي 50 قاذفا مضادا للدبابات من طراز «Faktoria» وما بين 796 و854 صاروخاً لهذا النوع من القذائف. وبحسب مراقبين، فالصواريخ التي كانت بحوزة المسلحين سابقاً، كافية للتصدي للمدرعات التي يملكها الجيش السوري، وبالتالي فإن استجلاب صواريخ أحدث يدل على أن الهدف هو المدرعات والدبابات التي أدخلتها روسيا إلى الجبهات السورية مؤخراً، لا سيما في ريف حلب الجنوبي حيث استخدمت للمرة الأولى الدبابات من نوع «تي 90». وهو ما يمكن اعتباره مؤشراً على وجود رابط ما بين شحنة السلاح الأميركية وبين ما يشهده ريف حلب الجنوبي من تصاعد العمليات الهجومية للفصائل المسلحة.
أوباما مرتد والديموقراطية كفر
إلى ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة خفضت من سقف شروطها للتعاون مع بعض الفصائل المسلحة في سوريا، فلم يعد شرط «الاعتدال» لازماً أو مطلوباً، بل صار يكفي أن يكون الفصيل قد خضع لإجراءات الفحص والتحري من قبل أجهزة استخباراتها ليتم منحه صك الثقة، بغض النظر بعد ذلك عن جذوره وارتباطاته. وفي هذا السياق، كان لافتاً أن المتحدث باسم التحالف الدولي ستيف وارن أطلق على الفصائل التي تقاتل ضد «داعش» في ريف حلب الشمالي اسم «VETTED SYRIAN OPPOSATION «، بما معناه «الفصائل المنتقاة» التي تحرت عنها الولايات المتحدة ووجدتها مؤهلة للتعاون معها.
ويكفي للاستغراب أن نعرف أن «أحرار الشام» هي من بين هذه الفصائل التي تتلقى الدعم الأميركي. والاستغراب ليس نتيجة الشبهات حول ارتباطها بتنظيم «القاعدة» وحسب، بل لأن أحدث فتاوى هذا التنظيم، تمس الولايات المتحدة مباشرة، كما تمس واحدة من أهم القيم التي تحاول تسويقها في العالم. فالشيخ عبد الرزاق المهدي، أحد أعضاء «المجلس الشرعي» البارزين فيها أفتى، الشهر الماضي، أن الرئيس الأميركي باراك أوباما «مرتدّ» وسبب ذلك، وفق ما قال الشيخ، أنه «سمع أخباراً تقول إن أوباما كان في الأصل مسلماً فلما دخل الحزب (الديموقراطي) طلبوا منه أن يتنصر ففعل».
أما الشيخ أبو الفتح الفرغلي، مدير مركز الدراسات في (هيئة الدعوة والإرشاد – «أحرار الشام»)، فقد كتب دراسة حديثة توخى من خلالها إثبات أن «الديموقراطية ليست من الإسلام»، وشدد خلالها على أن الحاكم في «الدولة الإسلامية» ينبغي أن يكون «مجتهدا دينياً» بمعنى أنه لا يجوز لأي مواطن الترشح لهذا المنصب.
فهل تحرت واشنطن فعلاً عن فصائلها المنتقاة، أم الحاجة أم الاختراع؟
(السفير)