الإرهاب يخبو ولكن…:عاموس هرئيل
تشير الاحصاءات، على الأقل، إلى ميل واضح: الانتفاضة الثالثة، انفجار العنف الذي بدأ في تشرين الاول الماضي، توجد اليوم في حالة خفوت. فالهبوط التدريجي في حجم العنف في المناطق سجل على مدى اشهر كانون الثاني وشباط. وفي اذار كان هبوطا حادا أكبر (القتيل الاخير هو السائح الأمريكي الذي قتل في عملية الطعن في يافا، قبل أكثر من شهر)، والذي يتواصل حاليا في نيسان. وفي الاسبوع الاخير اعتقل بعض الفلسطينيين على الحواجز في الضفة وفي التمشيطات في القدس القديمة، بينما كانوا يحملون سكاكين. ولكن العملية الاخيرة التي وقع فيها مصابون نفذت قبل اسبوع من قبل عربية إسرائيلية، من سكان كفر قاسم، طعنت وجرحت بجراح طفيفة مواطنا في المنطقة الصناعية المجاورة.
التشخيص بشأن الخبو المتماثل يجب أن يقال بحذر. فكون الانتفاضة الحالية تدار من الميدان، من تحت إلى فوق، ولا توجهها قيادة مركزية، صعب أكثر تحليلها وبالتأكيد توقع اتجاهات تطورها. ومع ذلك، توقفت المظاهرات الكبرى، التي حتى في ذروتها لم تجتذب في اقصى الاحوال إلا بضعة الاف من سكان الضفة الغربية ـ توقفا تاما تقريبا، بل وانخفض جدا ايضا معدل عمليات «الذئاب المنفردة». عندما بدأ العنف تحدثوا في الجيش الإسرائيلي عن موجة تغذي نفسها: نجاح مخرب فرد، في اعقابه ينهض محاكون له يقومون بمبادراتهم، بعد أن رأوا التغطية في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. ومؤخرا، عندما باتت نجاحات العمليات اقل، يبدو أن أثر العدوى الذي انشأ محاكين قد توقف هو الاخر.
تتناول ملاحظة التحذير ايضا تأثير العنصر الديني، الذي كان له دور مركزي في الانفجارات في تشرين الاول، بسبب التوتر حول الحرم. في القدس بدأ انخفاض، وان كان محدودا، في عدد العمليات حوالي كانون الاول ـ كانون الثاني. وقد نسب للانتشار المكثف لقوات الشرطة في خط التماس بين شطري المدينة، في شرق القدس وفي الحواجز باتجاه الضفة. والسبب المركزي الثاني لانخفاض العنف في القدس يعود لجهود كبح الجماح التي اتخذت في الجانب الإسرائيلي، بالنسبة لنشاط السياسيين والمنظمات المختلفة في محيط الحرم. ومن شأن عيد الفصح القريب أن يجلب معه حماسة متجددة. فالمزيد من اليهود سيرغبون في الوصول إلى الحرم، بينما تبدو ملموسة لدى الفلسطينيين المعارضة للاتفاق بين اسائيل والاردن على تركيب كاميرات المتابعة في الحرم.
ان تفسير جهاز الامن الإسرائيلي للانخفاض النسبي في العنف، سواء في الضفة أم في داخل الخط الاخضر، يتشكل من ثلاثة اسباب: تحسين قدرة الاستخبارات والمخابرات على التشخيص والاعتقال المسبق للشباب الفلسطينيين الذين يرغبون في تنفيذ «عمليات الافراد» (احيانا ينشر هؤلاء تلميحات مسبقة عن نواياهم في الشبكات الاجتماعية)؛ حملات الاعتقال التي تقوم بها اجهزة الامن الفلسطينية والاعمال الإعلامية الواسعة للسلطة واجهزة الامن في المدارس الثانوية والابتدائية، لاقناع التلاميذ بعدم الخروج إلى عمليات من المعقول أن تنتهي بموتهم.
وفي إسرائيل يشيرون ايضا إلى التنسيق الامني المحسن مع السلطة واللجم النسبي الذي تتخذه على التحريض في قنوات الإعلام الرسمية لديها (رغم أن التحريض في وسائل إعلام حماس وعلى الانترنت مستمر تقريبا بلا عراقيل). هذه هي الخلفية لتأييد الجيش الإسرائيلي لاقتراح تقليص النشاط العسكري في مناطق أ التي تحت سيطرة السلطة، في عدة مدن، وحصره بحالات «القنبلة المتكتكة». وتتداخل هذه الخطوة مع توصية لا لبس فيها من جانب الجيش الإسرائيلي، تبنتها القيادة السياسية منذ بداية المواجهة، للامتناع عن المس بسكان الضفة وعدم فرض قيود على دخول العمل للعمل في إسرائيل.
ان العنف الذي تعاظم في تشرين الاول لم يقع على إسرائيل كالرعد في يوم صاف. فلاشهر عديدة حذرت محافل الامن، بمن فيها منسق الاعمال في المناطق وقيادة المنطقة الوسطى، من ان يأس الجيل الشاب في الضفة، إلى جانب الامكانيات الاقتصادية والجمود السياسي، من شأنه ان يؤدي إلى الانفجار. التوقيت لم يكن متوقعا مسبقا. وخبو العنف كفيل بان يستمر لزمن ما، ويحتمل أن تشعل احداث مثل التوتر في الحرم او حملة فلسطينية مع حلول الذكرى الخمسين للاحتلال، في حزيران القريب القادم، ان تشعل النار من جديد.
هآرتس