بصراحة … ليست خطوة مفاجئة
غالب قنديل
لا يستطيع أي مسؤول لبناني الإدعاء أن الخطوة التي قامت بها شركة نايل سات فاجأته فهي كانت متوقعة منذ خطوة عرب سات بنقل وصلة جورة البلوط إلى الأردن ووقف بث قناة المنار وفي حينه اتخذ كل من رئيس الحكومة ووزير الإعلام موقفا اكد على حماية الإعلام اللبناني من قبل الدولة ومؤسساتها بوصفه مرفقا سياديا لبنانيا واجريت اتصالات مع السلطات المصرية وشركة نايل سات ولكن في الحقيقة تجاهلت التحركات اللبنانية تحذيرات من توسع الحملة على قناة المنار ومن ضغوط إضافية ستمارسها الولايات المتحدة والحكومات العربية الدائرة في فلكها ضد لبنان والحريات الإعلامية في البلاد لمحاولة تدجين الإعلام اللبناني وتكييفه مع ضرورات الخطاب السعودي الأميركي ومع المصالح الإسرائيلية في المنطقة .
يتصل جانب من هذه الحملة الضاغطة بحرب اليمن وبالحرب على سورية حيث تأمل القوى الضاغطة التخلص من كمية المعلومات الفاضحة والمناقضة للروايات المأمول تعميمها ونشرها ومن مساحة حضور المواقف المتصلة بسير الأحداث والجوهري الذي يحرك تلك الحملة يتصل بانتفاضة فلسطين الثالثة وتداعياتها وإذا كانت المملكة السعودية ومن خلفها الولايات المتحدة تسعى لإنجاز تعقيم الرسائل الإعلامية اللبنانية إخباريا وسياسيا من رزمة المعلومات المتعارضة مع المصالح السياسية لحلف العدوان على سورية واليمن فإن النافذة الفلسطينية التي تفتحها قناة المنار تكاد تكون يتيمة في الفضاء العربي وهي على وجه الخصوص تشكل المحفز الرئيسي للتدابير التي تحركها واشنطن بعناية والتي لم تبلور الحكومة اللبنانية أي موقف للتعامل السيادي معها سوى فتح قنوات الاتصال واللقاءات الاستكشافية وحركة الموفدين بين بيروت وواشنطن والكلام المعسول والمبهم المتداول في التصريحات من غير تدبير واحد يوقف سير تطبيق قانون صادر عن الكونغرس ويمثل تغطية لتوسع التدابير العدائية ضد قناة المنار والشركات المتعاونة معها ضمن القوانين والأنظمة اللبنانية المرعية والواقعة في النطاق السيادي اللبناني وتعامله مع الخارج إعلاميا ومصرفيا وتجاريا وتقنيا سواء مع الدول العربية او الأجنبية.
تتعرض السلطات المصرية لضغوط سعودية مكثفة مبنية على استثمار مكشوف لمتاعب مصر الاقتصادية ولحاجة القاهرة إلى معونة مالية تتحول كالعادة إلى نافذة لضغط سياسي سعودي منذ امد غير قصير وهو ما سبق لجهات مصرية ان طالبت بتفهمه ولكن ذلك غير ممكن عندما تنضم القاهرة إلى اتباع سلوك عدائي وغير متوازن يضعها في الخندق الآخر.
البديل التقني امام الإعلام اللبناني والعربي الذي يتعرض للضغوط متوافر من خلال القمر الصناعي الروسي الذي لا تمتلك الولايات المتحدة والحكومات التابعة لها قدرة على التحكم فيه او على إخضاع المحتوى الإعلامي الذي يبثه لمعاييرها الخاصة وثمة خيارات بديلة سبق الحديث عنها مراراً منذ نهايات القرن الماضي وعندما اطلقت سلسلة تدابير عدائية بناء على ضغوط اللوبي الصهيوني استهدفت قناة المنار في فرنسا والولايات المتحدة وإذا كانت تلك المرحلة من العقوبات الأجنبية استندت إلى دور القناة في كشف جرائم العدوان الصهيوني على لبنان امام العالم فالمرة ينطلق التحرك الأميركي الصهيوني المسند بضغوط عربية وخليجية من خطر داهم على الكيان الصهيوني يتمثل بالانتفاضة الثالثة وبحركة المقاومة الجديدة التي يقودها صبايا وشباب فلسطينيون يربكون العدو ويشلون حركته وتكاد المنار بكل أسف تكون النافذة العربية الوحيدة الباقية لقضية فلسطين في هذه المرحلة وهي تعاقب على ذلك بالحجب والمنع .
منذ حوالي عشرين عاما ألقيت مئات خطب التضامن وعقدت مؤتمرات كثيرة حول حرية الإعلام بينما كان المطلوب وهو ضمان البديل التقني للتغطيات الفضائية من خلال شركات خاضعة للمشيئة الأميركية ويمكن ان تقطع خدماتها التجارية بإشارة من واشنطن وتل أبيب ونضيف إليهما الرياض راهنا وبكل أسف .
إن الاستقلال الإعلامي مرتبط بتحرير وسائط البث والنقل من حصرية المرور في المنصات الخاضعة للشروط الأميركية الذاهبة نحو تضييق مساحات التعبير المتاحة في خدمة الكيان الصهيوني ومنظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة وهذا الكلام موجه إلى محور المقاومة سواء سار في اتجاه إطلاق القمر الإيراني الموعود ام إلى تكوين رزمة القنوات التي يمكن عقد اتفاق لبثها من خلال القمر الروسي وتعميم السبيل لالتقاطه وتكييف عادات المشاهدين في البلاد العربية ام من خلال أي بديل آخر متاح وخلاصة القول أننا امضينا عشرين عاما نقرع الجرس وحتى الساعة لم تنجز خطوة جدية في الاتجاه الصحيح وذر رماد كثير في العيون مثل الكلام الذي نقل حول اعتماد الكابلات البحرية التي كشفت معلومات قضية الأنترنت انها خاضعة لرقابة أميركية إسرائيلية مباشرة وفقا لما سمي باتفاقية العيون السبع وصدق بعض المعنيين يومها تلك الوصفة الملغومة التي ألقيت لتمرير إلغاء وصلة العربسات من جورة البلوط وإنزال قناة المنار عن القمر العربي المشترك الذي تتحكم به المملكة السعودية الراغبة في تعقيم الإعلام اللبناني ومصادرة تعددية خطابه السياسي.