أزمة «أمن الدولة» أمام الحكومة: الحلول مستعصية رضوان مرتضى
«حقوق الطائفة» قميص عثمان الذي حمله المدير العام لأمن الدولة اللواء جورج قرعة. استنفر وزراء ونواباً وسياسيين و»محافل» للدفاع عن «حصة الطائفة»، حتى كاد البعض يظنّ أنّ حلّ كل مشكلات البلد بأسرها متوقّف على حلّ أزمة «أمن الدولة» التي ستطرح غداً في جلسة مجلس الوزراء
«أمن الدولة» اسمٌ كبير لـ»مزرعة خربانة» تُكلِّف خزينة الدولة المليارات سنوياً من دون نتيجة تُذكر، وجهازٌ يصلح أن يكون نموذجاً للهدر والفساد. رغم الأموال التي تُغدق عليه، لا يرقى عمل «أمن الدولة» إلى عمل مخفرٍ صغير في قرية نائية. تنام قيادته لأشهر قبل أن تصحو لتُذكِّر المواطنين بأنّ الجهاز موجود عبر نشرِ خبر أمني عن توقيف نشّال هنا أو دهم ملحمة هناك!
الضجة التي أُثيرت في شأن هذا الجهاز في الأسابيع الأخيرة صنعت شهرته. وكأنّ مشاكل اللبنانيين لا تكفيهم حتى يُضاف إليها خلافٌ شخصي بين موظفَين، في جهاز عديم الانتاجية، ليُنغِّص حياة نحو ٣ آلاف من مرؤوسيهما، ويتحوّل لغماً في مجلس الوزراء، ويستنفر وزراء ونواباً وسياسيين ووسائل إعلام للإيحاء بأنّ حرباً أهلية قد تقع، تحت شعار «حرمان الطائفة الكاثوليكية من حقوقها».
ملف أمن الدولة بات مفتوحاً على أربعة احتمالات:
الأول، إبقاء القديم على قدمه واستمرار تعطيل الجهاز.
الثاني، الموافقة على توسعة مجلس القيادة إلى ستة أعضاء (٣ مسلمين و٣ مسيحيين)، يكون للمدير فيه الصوت المرجّح. غير أنّ هذا الطرح لن يُبصر النور، بحسب مصادر عين التينة، لحاجته إلى صدور قانون في مجلس النواب، بحسب دراسة أعدّها الأمين العام السابق لمجلس الوزراء سهيل بوجي. ويحتاج ذلك إلى إحالة مشروع قانون من مجلس النواب يتضمن التعديلات المطلوبة، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة تأمين «توافق حكومي»، قبل «التوافق النيابي». وهذا أمر أقرب إلى المعجزة في ظل التعطيل المسيطر على المؤسسات.
الثالث، التوافق على التمديد لنائب المدير العام العميد محمد الطفيلي لمدة سنة. غير أن هذا الخيار سيصبّ الزيت على النار ويُصعّد الأمور.
والرابع، استبدال المدير ونائبه بآخرين، وهو ما طرحه الرئيس نبيه بري.
عملياً، الملف بات في عهدة الوصيّ قانوناً على الجهاز، رئيس الحكومة تمام سلام. وإذا لم يجترح الأخير حلاً يُرضي الجميع، فإن مجلس الوزراء سيعجز عن التوصل إلى توافق على حل الأزمة التي ستستمر إلى حين إحالة الطفيلي على التقاعد في حزيران المقبل. لكن وزيراً بارزاً أكّد لـ»الأخبار» أن ذلك لن يحلّ الأزمة، متسائلاً عمّا يضمن عدم تجدّدها لدى تعيين خلف للطفيلي؟
أمام هذه الخيارات الأربعة وقع الانقسام الطائفي، خصوصاً بعدما عطّل المدير العام اللواء جورج قرعة المديرية باسم حقوق الطائفة، فأوقف تشكيلات الضباط وحصر قرارات الفصل بيده، وجمّد إصدار نتائج المتقدمين إلى اختبارات التطوع، معلناً الحرب على نائبه، وموحياً بأنّ الحرب بين الشيعة والكاثوليك، علماً بأن المدير العام لم يراع المحاصصة الطائفية يوم أخذ شعبة الخدمة والمعلومات وشعبة الشؤون الأمنية ومديرية البقاع وجبل لبنان وشعبة الشؤون الإدارية ومديرية التخطيط وشعبة شؤون العديد من حقوق طوائف أخرى.
وفي المقابل، تمنّع الطفيلي عن توقيع معاملات المديرية وعطّل صرف المصاريف السرّية من وزارة المالية، بعدما تمنّعت الوزارة عن السير بأي معاملة لا تحمل توقيع مجلس القيادة كما ينص القانون، علماً بأن وزير المال السابق كان يمرّر المعاملات الإدارية التي لا تحمل توقيع نائب المدير، رغم مخالفتها الأصول القانونية. غير أن امتناع الوزير الحالي فجّر الخلاف وسعّره طائفياً تحت شعار استعادة الحقوق.
وبالعودة إلى الاقتراح المقدم إلى مجلس شورى الدولة القاضي بتوسيع مجلس القيادة، يتبادر سؤال عن كيفية تسيير شؤون المديرية قبل قرعة؟ فقد نصّ المرسوم ٢٦٦١ المستند إلى المرسوم الاشتراعي تاريخ ١٦-٩-١٩٨٣، والمعدل بتاريخ ٢٦-٩-١٩٨٤، صراحة على أن يقوم كلّ من المدير العام (شيعي وقتها)، ونائب المدير (المسيحي يومها)، بمهمات مجلس القيادة. وكانت الأمور تسير على ما يُرام، إذ حرص اللواء نبيه فرحات والعميد مصطفى ناصر على التنسيق. وبقي الأمر على حاله لاحقاً، إذ لم يحصل أي إشكال أيضاً أثناء تولّي اللواء إدوار منصور مهمات قيادة المديرية. المشكلة الحقيقية بدأت منذ تعيين العميد الطفيلي نائبا للمدير العام. لم يرق الرجل كلاً من اللواء قرعة والعميد إ. منسى والعميد ع. فضول والعميد و. غفري، لا سيما أن قرعة كان يطمح إلى تعيين أحد المقرّبين من العميد غفري نائباً له. لذلك انتهج المدير سياسة الاستئثار والتفرّد، بدءاً من التشكيلات للرتباء والأفراد والضباط إلى المعاملات الإدارية التي هي أصلاً من صلاحيات مجلس القيادة. وقد عمد إلى تهميش نائبه، وشنّ حملة ضده عبر العميد ب. سالم المقرّب منه.
آخر الاتهامات التي سيقت ضد نائب المدير العام كانت تعطيل صفقة الآليات المصفحة من ضمن الهبة السعودية. وجرى التلميح إلى أنّ الطفيلي عمد إلى التوقيع على صفقة السيارات السياحية، لكنه امتنع عن التوقيع على صفقة الآليات المصفحة. لكن مصادر مطلعة على أزمة «أمن الدولة» كشفت أن امتناع الطفيلي عن التوقيع يعود إلى محاولة المدير العام تمرير الصفقة لمصلحة زميله العميد المتقاعد إ. م. (أحد وكلاء شركة بيع سيارات)، فضلاً عن عدم مطابقة مواصفات الآليات المقدمة من هذه الشركة لمعايير الجودة العالمية.
ماذا ستحمل جلسة الحكومة غداً؟ تكشف مصادر مقرّبة من الرئيس سلام أن «الأمور ستبقى على حالها. لماذا نستنفر ما دام ملف أمن الدولة ليس الوحيد العالق؟ ما حدا رح يموت من الجوع إذا لم تحلّ قصة أمن الدولة».
(الأخبار)