بقلم غالب قنديل

من تراجع في اليمن ؟

غالب قنديل

مع مباشرة المملكة السعودية لمفاوضات مع قيادة انصار الله تشن وسائل الإعلام السعودي حملة لترويج فكرة انتصار المملكة في حصيلة الحرب التي شنتها على اليمن قبل سنة وكانت تطورا خطيرا في منطقة الخليج وذهب كتاب بارزون في الصحف السعودية للقول إن الحملة السعودية على اليمن تعتبر نجاحا كاملا على الصعيدين العسكري والسياسي .

أولا مبدئيا ينبغي التذكير بما يلي :

1-    الحرب السعودية انطلقت من غاية معلنة وهي سحق الحوثيين ونزع سلاحهم ورفض الاعتراف بهم كقوة يمنية فاعلة لها وزنها التمثيلي والميداني بما يؤهلها لتكون شريكا فاعلا ورئيسيا في رسم مستقبل البلاد وإعادة تكوين السلطة اليمنية وهو مبدأ كانت قد أقرته المباحثات اليمنية الداخلية في إطار العملية السياسية بإشراف الرئيس المؤقت آنذاك منصور هادي نفسه عشية الحرب السعودية الأميركية .

2-    رفضت السعودية جهارا أي دور للمؤتمر الشعبي العام وزعيمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح وسائر الأحزاب والقوى اليمنية المؤتلفة مع حركة انصار الله منذ البداية وتولت استقطاب المنشقين عن هذه القوى وحولتهم إلى شركاء في الكتلة التي يقودها منصور هادي من الرياض ضمن واجهة يمنية للحرب أنشاتها المملكة ووفرت لها الإمكانات السياسية والمالية والإعلامية.

3-    حاولت السعودية خلال حملتها العسكرية تقديم عدن وجنوب اليمن كمعقل للواجهة التي يقودها هادي وكمنطلق للسيطرة على صنعاء تحت يافطة الشرعية واجتياح الشمال اليمني قبل أشهر وحاولت في عملياتها الحربية تكريس هذا الواقع من خلال صورة افتراضية للشطر اليمني الجنوبي على انه معقل ” الشرعية “.

4-    رفضت المملكة مبدأ التفاوض مع حركة انصار الله وحلفائها ووضعت شروطا تبدأ بإلقاء السلاح وهذا ما أفشل جولات التفاوض السابقة برعاية المبعوث الأممي رغم موافقة القيادة الحوثية على تسهيل الوساطات والمفاوضات وإعطاء الفرص لإنهاء الحرب بالوسائل السياسية .

ثانيا  رضوخ المملكة السعودية للتفاوض وتخليها عن سعيها لسحق خضومها في اليمن جاء نتيجة لثلاثة عوامل ظاهرة :

1-    مراوحة الحملة العسكرية العدوانية عند خطوط توازن صعبة رغم كثافة المجازر والاستباحة الجوية السعودية والصمت العالمي والحصار البحري الذي يفرض عقابا جماعيا على الشعب اليمني وذلك نتيجة ضراوة المقاومة اليمنية والصمود الشعبي اليمني الذي حافظ على حالة من الالتفاف والتماسك الوطني منذ انطلاق العدوان السعودي رغم كثافة الضغوط ومساعي الاختراق القبلي والمالي الذي مارسته السعودية أفقيا وعلى نطاق واسع .

2-    نجاح الجيش اليمني واللجان الشعبية في التقاط زمام المبادرة داخل المناطق الحدودية التي شهدت توغلا واسعا وهددت المملكة بتفاعلات خطيرة في عمق أراضيها وهي كانت تجسيدا لتكتيك إمساك العدو من الحزام المعروف في العلوم العسكرية ورغم الحصار تمكنت القوى اليمنية المناهضة للعدوان السعودي ان تحتفظ بزمام المبادرة على هذا الصعيد وبالرغم من تكتم الرياض على العديد من الوقائع التي تشي بخطر استنزاف يقلب المعادلات أوجب التحسب للمخاطر ضغطا اميركيا عاجلا لدفع حكومة الرياض إلى الاتصال المباشر بالحركة الحوثية وقبول خيار التفاوض مع الحوثيين وحلفائهم وبالذات انصار صالح بدون شروط مسبقة .

3-    تمدد داعش والقاعدة في الشطر الجنوبي تحت الغطاء الجوي السعودي وصعود التحذيرات في التقارير الأميركية والغربية من خطر ارتداد هذه الجماعات إلى ماوراء الحدود أي داخل شبه الجزيرة العربية ومن اتصالها المباشر مع جماعات إرهابية في سورية والعراق والشمال الإفريقي وحيث يمثل تواجدها على السواحل اليمنية خطرا محدقا بالملاحة الدولية في منطقة حساسة وبالتالي تواجه المملكة وحلفاؤها الغربيون خطر ارتداد الإرهاب الذي دعمته في اليمن لاستعماله كقوة احتياطية في العدوان تماما كما فعل الشركاء انفسهم في سورية والعراق وليبيا وغيرها.

ليس متوقعا تقدم المفاوضات بسرعة فثمة عقبات وعراقيل كثيرة تتصل أساسا بمسعى السعودية السافر للتدخل في رسم معادلات السلطة اليمنية وتوازناتها بما يحفظ لها مواقع نفوذ وتأثير لتحمي الممكن من ركائز الهيمنة والتدخل ومن غير ان نسقط احتمال ارتكاب القيادة السعودية لمغامرات عسكرية في الميدان بهدف التأثير على المفاوضات والضغط على الفريق اليمني الاستقلالي لكن الأكيد ان اليمن في الحصيلة لن يعود حديقة خلفية للمملكة حتى لو جاءت التسويات تكريسا لحجم معين يحتفظ به التابعون للسعودية والمرتبطون بها وستكون صناديق الاقتراع في أي عملية سياسية يمنية برهانا ساطعا على ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى