أبو جندي: ناحوم برنيع
مرتان على الأقل تكبد رئيس الوزراء عناء الايضاح للجمهور في الاسبوع الماضي بانه «أب لجندي». وكان السياق هو الجدال على الجندي الذي اطلق النار فقتل المخرب الذي كان محيدا في الخليل. في جلسة كتلة الليكود يوم الاثنين رد على ما قاله لوسائل الإعلام أبو الجندي: «كأب لجندي فان هذه الاقوال تلمس شغاف قلبي»، قال. وكرر هذا عندما بلغ الامة عن مكالمته الهاتفية مع أبي الشاب. «كأب لجندي أفهم الضائقة التي توجدون فيها».
اقدر بان نتنياهو قصد ابنه الشاب افنر. وحسب ما سمعته على لسان الجنود الذين التقوا به في اثناء خدمته فان افنر نتنياهو هو شاب محبوب، يتعاطى بدعابة مع الجلبة التي يثيرها أبواه حوله. فليس له، بالطبع، أي صلة بالدراما التي وقعت الاسبوع الماضي قرب حاجز جلبر، في عقبة تل روميدة. فهو يخدم في واقع آخر. يحتمل أن يكون نتنياهو يفهم الضائقة التي تعمل فيها عائلة الجندي مطلق النار؛ ويحتمل ان لا. المؤكد هو أنه لا يفهمها كأب لجندي.
لا جدال على طبيعة المكالمة الهاتفية لابي الجندي مطلق النار وعلى دوافعها: فقد كان الهدف هو التزلف للميل في الشارع. فالشارع يريد مخربين موتى ـ السؤال متى وكيف يقتلون لا يشغل باله، ولا حتى سلم القيم السائد في الجيش الاسرائيلي، صلاحية القائد او تعليمات فتح النار.
فالشارع يمكنه أن يسمح لنفسه بان يستهتر بهذه المسائل. فهو لا يتحمل عنها أي مسؤولية. في هذه المفترقات دور القيادة الوطنية هو أن تصد الميل في الشارع. اما نتنياهو فيفضل ان يغمزه. وهو لا يفعل هذا كرئيس وزراء، بالطبع. فقط كأب لجندي.
يكثر نتنياهو من استخدام ابناء عائلته للاغراض السياسية المتغيرة. ولو لم يكن هذا مكشوفا جدا، متهكما جدا لكان مسليا. فقبل ان يظهر كأب لجندي كان ابنا لمؤرخ، ظلمته زعما النخبة الاكاديمية اليسارية. وقبل أن يكون ابن المؤرخ، كان زوج خبيرة علم نفس الاطفال البريئة التي يضطهدها عمال طماعون ووسائل إعلام معادية؛ وقبل ان يكون زوج خبيرة علم النفس المضطهدة، كان أخا ثاكلا، فقدانه الشخصي يستوجب آلام الامة كلها (نتنياهو هو ايضا جد لاحفاد، ولكنه لم يلوح بعد بهذا اللقب، لاسباب يعرفها هو وحده فقط.)
هذا الميل أمريكي جدا. الرئيس الأمريكي هو ملك بفترة ولاية محددة. عائلته توجد في عين الجمهور بقدر لا يقل عن سياسته. زوجته، أولاده، اصدقاؤه الشخصيون وهواياته هي مسائل تحتل مكانا في جدول الاعمال الوطني. هو وعائلته من رواد الموضة: ملابسه وملابس زوجته وانساله، حميتهم، البرامج التي يشاهدونها ـ كل هذا ذو صلة وكل شيء هام وعاصف ويكسب الرزق بكرامة لمجلات ومواقع الكترونية وبرامج تلفزيونية.
هناك فارقان صغيران بين الرئيس الأمريكي ونتنياهو. الاول، الرئيس الأمريكي لا يشكو من أن وسائل الإعلام تنتقد عائلته. فهو يفهم بانك لا يمكنك ان تلوح بزوجتك وتطلب إلا يهتم بضعفها؛ لا يمكن ان تلوح باولادك وتطلب إلا يلاحقوا بأفعالهم؛ لا يمكنك ان تكون زعيما لا ثاني له وفي نفس الوقت ضحية مسكينة.
الفارق الثاني هو أن ولاية الرئيس الأمريكي محددة: بعد اربع سنوات، ثماني سنوات في اقصى الاحوال، وهذا يجعله يكف عن أن يكون ملكا. هذا هو السبيل الذي اختاره الأمريكيون لمنع المس بديمقراطيتهم. ولكن نتنياهو يتطلع لان يكون الملكة اليزابيت: أن يحكمنا كملك حتى نهاية العالم.
الزمن هو حليف خائن: فهو يجعل الحاكم أكثر خبرة، أكثر تجربة، ولكن بالتوازي يجعله متهكما لا صلاح له، يحتقر ناخبيه مثلما يتزلف لهم. وهو يصبح مغلق الحس، لا شيء يلمس حقا شغاف قلبه، لا كابن مؤرخ، لا كزوج خبيرة نفسية، لا كاخ ثاكل، لا كأب لجندي.
يديعوت