«داعش» يجسّ النبض حول انسحاب مقاتليه من الجرود الى الرقة ابراهيم ناصرالدين
اسئلة كثيرة طرحت الاسبوع الماضي حول اسباب المواجهات الدامية بين تنظيمي «النصرة» و«داعش» على الحدود اللبنانية السورية، التنظيمان «التكفيريان» يملكان الكثير من الاسباب الموجبة «للتناحر»، وباتت بمعظمها معروفة ويمكن اختصارها بالصراع على النفوذ، والسلطة، واستقطاب «المجاهدين»، واعلان «الخلافة»، وخروج «داعش» عن «طاعة» تنظيم «القاعدة» وغيرها من القضايا الشرعية التي بموجبها جرى اصدار الفتاوى «بحلية» دماء «الخوارج»، لكن المستجد في المواجهة الاخيرة بروز مخاوف جدية لدى «النصرة» من صفقة يعد لها قادة «داعش» في القلمون للوصول الى تسوية مع الجيش السوري وحزب الله تقضي بتنظيم انسحابهم مقابل تسليم مواقعهم. فهل «هواجس» «جبهة النصرة» في مكانها؟
اوساط متابعة لهذا الملف، تشير الى ان ما حققه الجيش السوري وحزب الله بمساعدة الطيران الروسي في تدمر، لن تقتصر ايجابياته على الداخل السوري، اكان ذلك في الميدان او السياسة، واذا كانت الدولة السورية قد نجحت في اثبات انها الاقدر على مواجهة الارهاب، وهذا ما اكسبها «ورقة» مهمة على طاولة التفاوض في جنيف، واذا كانت موسكو قد اثبتت جدارتها في مواجهة «داعش» وتحقيق نتائج فعالة في وقت قياسي، فيما لا تزال واشنطن قاصرة عن اداء دور فاعل ميدانيا، اكان في العراق او سوريا، واذا كان حزب الله قد اثبت جدارته الميدانية والقتالية وحسن تقديره الاستراتيجي، فان لبنان قد يستفيد في المرحلة المقبلة من هذا الانجاز لجهة تنظيف مناطقه الحدودية من المجموعات الارهابية التابعة لتنظيم «داعش».
فالمجموعات «التكفيرية» على تعدد انتماءاتها، تعيش اوضاعا صعبة للغاية بعد محاصرتها والتضييق عليها من قبل الجيش السوري وحزب الله من ناحية القلمون، والجيش اللبناني في جرود عرسال، ورأس بعلبك والقرى المحيطة، والمواجهات الاخيرة في وادي ميرا ومعبر الزمراني وصولا الى جرود الجراجير على الحدود اللبنانية – السورية والعمق السوري في القلمون الغربي، كان المؤشر الميداني الاكثر وضوحا، على وجود انسداد للافق العسكري لدى هؤلاء، وتقلص الاهمية الاستراتيجية للمنطقة، بعد سقوط تدمر، وقرب سقوط القريتين، ولذلك تعتقد «جبهة النصرة» ان المواجهة التي افتعلها «داعش» لم تكن مجرد بحث عن خط امداد او «شريان» حياة لمجموعاته، وانما ثمة قناعة مدعمة بالمعلومات تفيد بان قيادة «التنظيم» في القلمون تسعى الى تحقيق توسع «جغرافي» ذي بعد استراتيجي، يمكنها من تحسين شروطها التفاوضية للخروج من تلك المنطقة.
ووفقا للمعلومات، فان التنظيم يخشى احتمال قيام حزب الله والجيش السوري باستكمال عملية احكام السيطرة على ما تبقى من مناطق «جردية»، مع بدء فصل الربيع، وهذا الامر بات هاجسا يوميا لدى المسلحين هناك، بعد سقوط «حلم» ربط مواقعهم بمدينة قارة السورية وجرودها، وهذا الامر كان جزءا من خطة وضعها «داعش» في سياق «غزو» الربيع انطلاقا من القريتين، ومهين للدخول مجددا الى بلدة قارة، والنفاذ منها الى الحدود مع لبنان، لكن سقوط مهين، وثم تدمر، وقرب سقوط القريتين، اجهضت هذا المشروع، وبات وجود المسلحين في المناطق المحاذية للبقاع اللبناني دون فائدة تذكر، في ظل استحالة الدخول الى الاراضي اللبناني.
هذه الاوضاع الصعبة دفعت قيادات «داعش» في المنطقة الى التفكير الجدي بالانسحاب من مواقعها، ونقلت بعض الشخصيات «العشائرية» «رسائل» الى قيادات ميدانية سورية، تفيد بوجود استعداد جدي للتفاوض على شـروط «الاخلاء»، وقد بدأ «جــس النبض» بسقوف عالية تتضمن الانسحاب مع الاسلحة الثقيلة، وتأمين ممر آمن للمسلحين مع عائلاتهم باتجاه الرقة او السخنة، وكذلك طالبوا بضمانات من حزب الله في حال التوصل الى تفاهم نهائي حول هذه الترتيبات الامنية.
هذه «الرسائل» لم ترق بعد الى مرحلة «المبادرة»، لكنها تعتبر مؤشرا على الحال المزرية «للتنظيم» في المنطقة، فهي المرة الاولى التي يبعث بها باشارات حول استعداده للتفاوض، لكن قادة «داعش» يدركون انهم سيكونون مطالبين بتقديم الكثير من التنازلات، لعل اهمها تسليم الاسلحة الثقيلة، والكشف عن مصير العسكريين اللبنانيين، لان اي حل في هذا الاطار، لن يحصل دون ان يكونوا جزءا من «الصفقة». ولذلك تشعر قيادات «النصرة» بالقلق ازاء تسوية بشروط «استسلامية» ستضعها في وقت لاحق امام استحقاقات مصيرية.
وتلفت تلك الاوساط الى ان ازمة «داعش» على الحدود اللبنانية ليست منعزلة عن تدهور اوضاعه في سوريا والعراق، فمشروع اقامة «الدولة» يواجه مشكلة أكثر من اي وقت، في العراق يضيق الخناق حول مناطق نفوذه، وفي سوريا ستتجه المعركة المقبلة نحو تقطيع اوصال الجغرافيا التي يسيطر عليها، ونتيجة للغارات الجوية المستمرة على بنيته الاقتصادية والعسكرية، بدأت تظهر تصدعات في مشروع التنظيم، استهداف قوافل النفط ومراكز تكريرها من قبل القوات الجوية الروسية، دفع التنظيم الى خفض رواتب عناصره، وقرر آخرون التوقف عن القتال، وتسللوا إلى خارج سوريا عبر تركيا، ومع تراجع مدخول تهريب النفط بات يعتمد على الضرائب المفروضة على المواطنين، والكثير من الذين قرروا البقاء بعد دخول «داعش» لمناطقهم يدفعون الآن مالا للمهربين كي يجري اخراجهم من مناطق نفوذه. وهذا يشير الى ان المرحلة المقبلة ستكون انهيار حلم اقامة «خلافة اسلامية»، هذا يعني العودة الى استراتيجية عدم التمسك بالارض لصالح مشروع الانتشار دون حيز جغرافي، ولذلك بدأ التنظيم يعد لاستراتيجية جديدة تقوم على توسيع نطاق العمليات من داخل مناطقه إلى الخارج واستثمار الفروع الأخرى ، خاصة في اوروبا، وليبيا، وشمال افريقيا، حيث يبرز فرع «التنظيم» هناك كواحد من أقوى «الفروع» على البحر المتوسط، وهذا يعني عمليا بدء الهجرة المعاكسة للمقاتلين.
تبدل استراتيجية التنظيم، والمعلومات حول استعداده للتفاوض، تجعل من هواجس «جبهة النصرة» امراً واقعياً للغاية، ويبرر ارتفاع منسوب «الذعر» لديها، وهذا الامر يعزز موقف المفاوض على الجانب الاخر، اذا ما تحول «جس النبض» الى قناة تفاوض جدية، فزمام المبادرة اليوم في يد الجيش السوري وحزب الله، «المجموعات التكفيرية» تمر بحالة من انعدام الوزن، وهي ترى نفسها بين «مطرقة» الرضوخ للشروط التفاوضية، و«سندان» الحسم العسكري المرتقب في المرحلة المقبلة، لان «الف باء» العلوم العسكرية يشير الى عدم ترك اي «جيوب» خلفية مع تقدم القوات الى المعاقل الرئيسية للمجموعات التكفيرية، «وتنظيف» القريتين، وريف حمص لن يكون الا مقدمة لاخراج الجرود المحاذية للحدود اللبنانية – السورية من «معادلة» الصراع في المنطقة.
(الديار)